الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الوحدة إرادة شعبية.. والانفصال جريمة استعمارية (2)




 روزاليوسف الأسبوعية : 20 - 03 - 2010


بدأت الأحداث والزيارات تسجل صفحات الوحدة المصرية السورية بعد أن عاد الضباط السوريون إلى دمشق، وحضر إلى القاهرة شكرى القوتلى رئيس الجمهورية السورية، وصبرى العسلى رئيس الوزراء وأكرم الحورانى رئيس المجلس النيابى السورى، وعدد من الوزراء حيث عقدوا عدة اجتماعات فى قصر القبة مع جمال عبدالناصر وعبداللطيف البغدادى وعبدالحكيم عامر وزكريا محيى الدين، وانتهى الأمر إلى توقيع ميثاق فى أول فبراير ينص على توحيد مصر وسوريا فى دولة واحدة اسمها الجمهورية العربية المتحدة يتولى السلطة فيها رئيس الدولة يعاونه وزراء يعينهم ويكونون مسئولين أمامه، كما يتولى السلطة التشريعية مجلس تشريعى واحد، ويكون للجمهورية علم واحد وجيش وشعب يتساوى أبناؤه فى الحقوق والواجبات.
وهكذا كان إعلان الوحدة تعبيرا عن إرادة شعبية اكتملت باستفتاء يوم الجمعة 21 فبراير كانت الموافقة فيه على الوحدة بنسبة 80 فى المائة وزيارة جمال عبدالناصر لدمشق يوم 24 فبراير لأول مرة واستقباله فيها كان تعبيرا عن الإرادة الشعبية الجارفة نحو الوحدة.
وكان ظهور الجمهورية العربية المتحدة ضربة قاسمة للاستعمار فى المنطقة إذ جاء انتصارا لإرادة شعوب الأمة العربية وكانت الخشية عندهم هى اكتمال الوحدة بين دول الأمة العربية.. ولذا بادرت القوى الاستعمارية لمحاولة ضرب هذه الوحدة وخاصة بعد أن اتجهت إلى إصدار قوانين أطلق عليها اسم الاشتراكية.
وخلال فترة الوحدة لم يصل إلى سوريا تجار مصريون ولم تستثمر فيها أموال مصرية خاصة.. وعلى العكس من ذلك ما حدث تماما فى مصر.. فقد هاجرت رؤس أموال سورية كثيرة لتستثمر فى مصر حيث السوق الاستهلاكية متوافرة، وفتحت محلات تجارية كثيرة وأنشئت شركات ومصانع خاصة.
وعندما حاول بعض المصريين الفقراء بيع بعض المنتجات المصرية على الأرصفة فى دمشق ثار التجار هناك وأبلغوا المشير عامر الذى قرر ترحيلهم لمصر على طائرات حربية.
كان التيار المضاد لهذه القرارات قويا وواضحا، فمعظم نشاط الحياة السورية يعتمد على التجار.. وحظر خروج النقد يتيح الفرصة للتهريب، وقال جمال عبدالناصر فى خطبته إنه يستهدف مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات، وإنه لن يتوقف عن تنفيذ ذلك (أما المضاربون والمهربون فلا دعوة لنا بهم) وكان ذلك بعدا عن الواقع، فقد زادت المقاومة لهذه العملية.
وأدت هذه الخلافات التى لم يحسمها المشير عبدالحكيم عامر الذى كان مندوبا عن جمال عبدالناصر
فى سوريا إلى تقديم عبدالحميد السراج وزير الداخلية استقالته.. ولجوء عبدالكريم النحلاوى مدير مكتب المشير إلى محاولة انقلاب هاجم فيها منزل المشير وقتل بعض الحراس ولكن نجا المشير لوجوده فى مبنى القيادة.. الذى دارت حوله معركة بين الضباط وإذاعة بيانات العملية الانقلابية من الإذاعة السورية والتى جاء فى البيان رقم 9 الذى رفضت الإذاعة إذاعته حرصا على الوحدة.. واعتبر جمال عبدالناصر أن ما حدث فى سوريا كان تحطيما لفكرة الوحدة.
وتم الانفصال فعلا.. ليس بأيدى ثورة يوليو التى ربما يكون بعض المحيطين بالمشير عامر قد ارتكبوا من الأخطاء مالا يبرر تحطيم الفكرة السامية للوحدة.. وتنفيذ تطلعات الاستعمار إلى ضرب الوحدة العربية التى كانت فخرًا ومجدا للعرب فى مرحلة هامة من التاريخ الحديث.
وقد قاوم بعض الضباط السوريين المحاولة الانفصالية بتجميع بعض القوات قبل اللواء المدرع الذى كان يقوده جاسم علوان والذى توجه إلى حلب حيث كانت الإذاعة التى أذاعوا فيها قرارات بإخراج رءوس الانفصال خارج سوريا وكان يبثها عبدالكريم النحلاوى الذى تجنس بعد ذلك كما ذكرت بالجنسية الأمريكية وأصبح مواطنا أمريكيا مازال يعيش هناك حتى استعانت به محطة الجزيرة فى برنامجها الأخير.
وأذكر أن بعض قادة الانفصال ومنهم النحلاوى قد حاولوا الاتصال برؤساء أفريقيا ورد عليهم زعيم غينيا أحمد سيكوتورى بقوله (إننى لا أسمح لك أن توجه خطابا إلى وفيما يتعلق بى فأنى أعتبرك متمردا وخائنا ولا يمكن أن تكون لنا علاقة إلا مع الحكومة الشرعية للجمهورية العربية المتحدة وهو الاسم الذى احتفظت به مصر بعد الانفصال لسنوات طويلة.
ولذا يٌؤسف المرء أن يستمع بعد أربعين عاما تقريبا من وفاة جمال عبدالناصر إلى محاولة الإساءة إلى دوره وسمعته من هؤلاء الذين كانوا أدوات فى يد القوى الاستعمارية لتحطيم فكرة القومية والوحدة العربية.