الثلاثاء 6 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كدبة «إعلان برلين»

كدبة «إعلان برلين»
كدبة «إعلان برلين»


رحبت وزارة الخارجية الألمانية بتوافق بعض أطراف المعارضة السودانية التى ينتمى أغلبها إلى تجمع قوى «نداء السودان»، الذى يضم حزب الأمة بقيادة الصادق المهدى وبعض الحركات المسلحة فى دارفور من جانب، إضافة إلى أغلب أحزاب «تحالف قوى الإجماع الوطنى» - المعارضة المدنية  بالداخل، حيث تم التوقيع على ما أطلق عليه «إعلان برلين»، الأسبوع الماضى بجمهورية ألمانيا الاتحادية.

واتفقت هذه القوى على المشاركة فى المؤتمر التحضيري الخاص بالحوار مع النظام الحاكم بقيادة عمر البشير، والمزمع عقده بالعاصمة الإثيوبية وتحت إشراف آلية الوساطة الأفريقية خلال هذا الشهر.
وينظر بعض المراقبين إلى «إعلان برلين» على أنه حصاد لمجهود الولايات المتحدة الأمريكية التى تسعى إلى إجراء تسوية سياسية بأى شكل لاستكمال احتوائها للنظام الإسلامى الحاكم فى الخرطوم، وأنه تم استخدام ألمانيا كغطاء يحول دون تأليب قطاعات المعارضة المختلفة التى تقف مسافة من كل تدخل أمريكى فى الشئون السودانية، وتهدف المبادرة كما قالت وزارة الخارجية الألمانية إلى إعادة الاستقرار للسودان ووضع حد للحروب الدائرة فى البلاد.
ووقعت علي نداء برلين أطراف متعددة من المعارضة المدنية والمسلحة، أبرزهم رئيس «الجبهة الثورية» مالك عقار، ورئيس حزب «الأمة» الصادق المهدي، والقيادي في «تحالف قوى الإجماع» بابكر محمد الحسن، ووضعت قوى تحالف الإجماع شروطا لمشاركتها في المؤتمر التحضيري بأديس أبابا مع الحكومة، مثل إطلاق  سراح  فاروق أبوعيسى، رئيس «هيئة تحالف قوى الإجماع»، وأمين مكي مدني رئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني وبقية المعتقلين من النظام.
وجاء فى بيان الموقعين على «إعلان برلين»: (اجتمعت قوى نداء السودان المتمثلة في الجبهة الثورية السودانية، حزب الأمة القومي، قوى الإجماع الوطني ومبادرة المجتمع المدني في مدينة برلين في الفترة ما بين  25 - 27 فبراير 2015 بدعوة كريمة من وزارة الخارجية الألمانية  وبتسهيل منظمة «بيرقوف» الألمانية ومنظمة SWP بشأن توحيد الرؤية حول الحوار القومي الدستوري لمخاطبة جذور الأزمة السودانية بإيجاد مشروع للحل القومي السلمي الشامل).
وأدانت قوى «إعلان برلين» ما يواجهه الشعب السودانى من حروب وصفتها فى البيان بحروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ونوهت إلى مخاطر القصف العشوائي المستمر الذى يقوم به النظام عبر الطيران، كما طالبت بإيقاف معاناة النزوح واللجوء والقمع ومصادرة الحريات وضيق العيش والبطش، كما طالب الإعلان  بالوقف الفوري لإجراءات الانتخابات العامة بالبلاد.
الحكومة السودانية من ناحيتها أكدت رفضها لنقل الحوار خارج السودان وقالت على لسان أحمد بلال عثمان، وزير الإعلام إن الحوار الوطني الشامل هو المخرج الوحيد لحل مشكلات البلاد دون إقصاء لأحد.
ودعا  بلال الأحزاب السياسية  للمشاركة في الحوار الوطني الجارى، والالتفاف حوله، وحول   إعلان برلين وقال بلال: «إن إعلان برلين لن يؤثر على مسيرة الحوار الوطني أو الانتخابات، ولن تتوقف الانتخابات بسببه» مبرراً لذلك بأنه استحقاق دستوري!
ونفى أى إمكانية  لاجتماع الحكومة مع المعارضة بأديس أبابا، وقال: إلا في حالة واحدة وهي أن تكون جلسة إجرائية للاتفاق على إجراء الحوار الوطني بالداخل أو للتفاكر في خارطة الطريق ولجان (7+7) وقال: «لن نقبل بنقل الحوار لأي دولة».
ورغم قبول معظم الأحزاب الذهاب إلى أديس أبابا لحضور الجلسة الإجرائية بدفع من الاتحاد الأفريقى باستثناء بعض الأحزاب والحركات المسلحة التى تقف على مسافة من أى حوار مع النظام، أبرزها حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور التى تقاتل النظام فى دارفور، وحزب البعث العربى الاشتراكى وتكتل الجبهة الوطنية العريضة وتتفق هذه التنظيمات على إسقاط النظام وعدم التحاور معه.
على محمود حسنيين رئيس الجبهة الوطنية العريضة وفى تعميم صحفى قال: «تختلف منطلقاتنا عن منطلقات بعض القوى السياسية  التى ذهبت إلى ألمانيا، فنحن ضد أى تحاور مع النظام بشروط أو بغير شروط، لأسباب أهمها أن التجارب أثبتت عدم جدوى الحوار، فما أكثر الاتفاقات التى أبرمت، ولم ينفذ منها غير المواقع والمنافع الشخصية للمتحاورين لينتلقوا من خانة المعارضة إلى خانة السلطة فضعفت المعارضة وقويت السلطة وأصبح الحال أسوأ».
وفى سؤال توجهت به (روزاليوسف) لحسنيين عن موقفه الذى يوصف  من البعض بأنه تعنت فى رفض الحوار قال: «إن الحوار يعطى شرعية للنظام وأن تجربة نيفاشا تكفى، حيث انتهت إلى إعطاء النظام شرعية دولية عندما أجاز المجتمع الدولى بكل مؤسساته اتفاقية السلام الشامل المبرمة وجعل قائد الانقلاب الانقادى رئيسا معترفا به».
وأضاف حسنيين قائلا: «إن المتحاورين يسعون بالحوار أن يتعايشوا مع النظام وهذا ما لا نرضاه، لأن التحاور يحصن النظام  عن المساءلة من كل الجرائم التى ارتكبت طوال الـ(26) عاماً الماضية، من قتل وفساد واغتصاب واعتقال وتشريد وإهانة ومصادرة للحريات وتمزيق للوطن وهتك للنسيج الاجتماعى وهذا ما لن يقبل به المواطن السودانى، ويخالف فى ذات الوقت أحكام الشرع فى القصاص والمبادئ الدولية فى المحاسبة.
ويرى حسنيين أن أى حوار يساعد على استمرار الإسلاميين فى الحكم ويقول: «إن الحوار يبقى على المؤتمر الوطنى قوة سياسية منافسة بما  من مال منهوب وإعلام ضليل وخبرة سيئة فى الفساد والتضليل لأكثر من ربع قرن، وتدريب لكوادره على هذه الانحرافات، وبما من سلطة يمسك بمفاصلها الأمنية والاقتصادية.
واختتم حسنيين حديثه قائلاً: «إن الحوار وأن تغلف بلغة السلم إلا أنه فى هذه المعطيات يعتبر لغة الفاشلين أو المحبطين أو العاجزين الذين يبغون بالحوار نصراً شخصياً سريعاً لأنفسهم أو كياناتهم، أما نحن فى الجبهة الوطنية العريضة فنعمل على حل جذرى نهائى لمشاكل الوطن وتأسيس نظام للحكم يحقق الأمن والاستقرار والعدالة والحرية وسيادة حكم القانون فى مساواة تامة فيختفى التعالى العرقى ويزول الاستبداد وأن ندثر عدواناً باسم الدين أو العرق، وأن نبنى نظام حكم يجعل كل سودانى فخوراً بانتمائه للسودان ويحس بالكبرياء من خلاله».
الحوار مع النظام فإن تنظيمات «تحالف قوى الإجماع» وضعت شروطاً للاشتراك فى ذات الحوار وأبرز تلك الشروط هى وقف إجراءات الانتخابات الجارية الآن وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين والسجناء بسبب الحرب وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات وتسهيل عمليات المساعدات الإنسانية في مناطق الحرب وإجراء تحقيق عادل وشفّاف في جريمة اغتيالات شهداء سبتمبر 2013 والاغتصاب الجماعي في قرية تابت بدارفور.
كما طالبت قوى الإجماع بوقف القصف الجوي على المواطنين ووقف العدائيات ووقف إطلاق النار تمهيداً لوقف الحرب والموافقة على تأسيس سلطة انتقالية تستعيد أجهزة الدولة ومؤسساتها المختطفة من قبل نظام الحزب الواحد، إضافة إلى تنفيذ برنامج السلطة الانتقالية وعقد المؤتمر القومي الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية بتوافق كل أهل السودان حسب ما صرح بذلك مسئولون من التحالف.
الحكومة السودانية من ناحيتها استقبلت السيدة «ماريان شوقراف» رئيس قسم شرق أفريقيا والقرن الأفريقي ومدغشقر بوزارة الخارجية الألمانية بمجلس الوزراء بالخرطوم نهاية الأسبوع الماضى وأشاد وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر بمواقف ألمانيا الداعمة للسودان فى المحافل الإقليمية والدولية ودورها الحيوي فى تحقيق الأمن والاستقرار بالسودان.
وحول إعلان برلين «قال عمر»: إن مسيرة الحوار الوطنى الذى يشكل ملحمة وطنية كبرى وبوتقة انصهار تجتمع فيها كل ألوان الطيف السياسى السودانى وتمثل انطلاقة جديدة لمسيرة التوافق الوطنى الجاد بين مكونات القوى السياسية المختلفة.
ويبدو «إعلان برلين» مشابها لإعلانات سابقة وقعتها قوى المعارضة فى عواصم مختلفة وإن كان هدفه النهائى مختلفاً جزئياً عن تلك الإعلانات، حيث يهدف إلى إجراء تسوية سياسية حسب خطة المجتمع الدولى والاتحاد الأفريقى التى يقود جهوده ثابو مبيكى بهدف تحقيق ما يسمونه السلام الشامل فى السودان بناء على قرار الاتحاد الأفريقى (456) الذى نص على الدخول فى حوار شامل بين كل الأطراف، ومن المؤكد أن كل ذلك يصب فى صالح تنظيم حزب الإخوان المسلمين «المؤتمر الوطنى» الحاكم، ويبدو أن هذه هى إرادة المجتمع الدولى إلى أن تتحقق إرادة الشعب السودانى، الذى كان سباقاً فى الثورات ضد النظم الشمولية فى أكتوبر1964 وأبريل 1985 حيث أطاح بأنظمة توليتارية سامت الشعب العذاب.∎