نصابون لكن أطباء

عصام عبد الجواد
«ويجعل من يشاء عقيمًا».. تلك إرادة الله عز وجل، لكن هذه الإرادة، لا تعنى بحال من الأحوال أن يتوقف الإنسان عن البحث، أو أن يصاب باليأس، فلكل داء دواء، على ألا يكون هذا الدواء مثل العلاج بالكفتة أو الذى أصبح فيما يبدو أسلوبًا ناجحًا للنصب على المصريين.
ففى الوقت الذى يشهد العالم فيه قفزات واسعة لتقنيات العلاج بالخلايا الجذعية، من دون أن يتم التطرق إلى هذه العلاجات فى مجال العقم، لجأ أطباء فى مصر إلى تضليل الذين لم يحظوا بالأولاد إحدى زينتى الحياة الدنيا، بأن حلم الإنجاب ممكن لكنه يكلف أموالاً تصل إلى 100 ألف جنيه، أما عن الضمانات فلا توجد «أصلها تساهيل وكله على الله»!
فى ظل الفوضى التى ضربت كل شىء، لم يجد أطباء عائقًا يمنعهم من الخروج فى وسائل الإعلام المرئية ليؤكدوا أنهم الوحيدون فى العالم الذين توصلوا إلى هذا العلاج العبقرى.
والأغرب أنه لم تسجل عياداتهم نجاح حالة واحدة حتى الآن.
قدرتهم على إقناع المريض بإجراء هذه العمليات تجعله ينصاع لأوامرهم ويدفع المائة ألف جنيه ويوقع على أوراق يقر فيها بعدم أحقيته فى مقاضاة المركز فى حال فشل العملية وبعد أن تفشل العملية يجد نفسه خاسرا المال وليس له بنون.
أما الطامة الكبرى التى تعيشها الأسر التى ذهبت إلى هذه المراكز لإجراء هذه العمليات فهى أن بعضهم قد أنجب أطفالا بالفعل وبعد أن علموا أن هذه العمليات لاوجود لها حتى الآن بدأت المخاوف تساورهم فى نسب أطفالهم.
نقابة الأطباء تقف عاجزة تماما أمام هذا النوع من النصب والاحتيال رغم عشرات الشكاوى التى قدمت لها سواء ضد هؤلاء الأطباء أو غيرهم وتكتفى أحيانا فى بعض الحالات بلفت النظر وأحيانا أخرى بغض الطرف عن هذه الشكاوى وفى مرات عديدة لايعرف أحد أين ذهبت هذه الشكاوى أو ما مصيرها أو أين ذهب بها الموظف المسئول؟ نحن لانشكك فى المسئولين فى نقابة الأطباء ولكننا فقط نريد تطبيق القانون.
أما المحاكم فهناك عدد من الدعاوى القضائية التى تتهم هؤلاء بالنصب والاحتيال لكنها لم تصل لأية عقوبة ولن تصل لعقوبة لأن هؤلاء الأطباء استطاعوا أن يؤمنوا أنفسهم جيدا ضد كل الدعاوى التى تقام ضدهم بحصولهم على توقيعات المرضى التى تؤكد إخلاء مسئوليتهم فى حالة فشل العملية.
أشهر الذين يعملون بالخلايا الجذعية فى مصر هو الدكتور «هـ.أ» أستاذ النساء والعقم بجامعة القاهرة وأستاذ جراحة المناظير وأطفال الأنابيب ومعه فريق طبى مكون من عدد من الأطباء أشهرهم الدكتور «س.أ» استشارى فصل وزراعة الخلايا الجذعية بجامعة الأزهر ومركزهم فى مدينة نصر، أما فى المهندسين فهناك مركز الدكتور «خ - ج»
يقول الدكتور «هـ أ» فى محاضراته المكتوبة والمنشورة والتى يتناقلها المرضى أن الخلايا الجذعية وعقم الرجال معناها أنه بالكشف الطبى أو الميكروسكوبى على خصية أحد الرجال تبين أنه لايوجد حيوانات منوية وليس لهم حل طبى وأن فرص الإنجاب لديهم مستحيلة: ولكننا استطعنا عن طريق الخلايا الجذعية أن نثبت أن الإنجاب ممكن وحقق ذلك نجاحا كبيرا يشهد له العالم فى الداخل وفى الخارج.
لكن الأغرب ما يقوله الدكتور «س. أ» والذى يرافق الدكتور «هـ.أ» فى كل مكان بأنه متخصص فى فصل وزراعة الخلايا الجذعية بأن هذا النوع أثبت طفرة فى علاج عقم الرجال والنساء مطابق للدراسات التى حضرها فى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق المشروعات البحثية الحاصلة على موافقات من الولايات المتحدة الأمريكية والدولة معترفة بها.
ويؤكد أن هناك دراسات يشرف عليها مع الدكتور «هـ.أ» تتمثل خطورتها فى الحصول على نخاع من عظم الحوض للرجال ونفصل الخلايا حتى نصل إلى الخلية التى نحتاجها وقد حدثت طفرة فى العالم فى هذا المجال عام 2002.
ويؤكد أن مصر استطاعت العمل بالخلايا الجذعية منذ عام 2011 فى مستشفى الشيخ زايد وأحمد ماهر مما جعل الدولة تشكل اللجنة القومية للعلاج بالخلايا الجذعية.
ويضيف: بعد تخدير المريض فى عملية تستغرق أكثر من عشر دقائق أستطيع أن أحصل على «النخاع» من عظام الحوض» وأحتاج 2٪ فقط من هذه الخلايا وأحقنها فى خصية الرجل، وهذا الرجل لابد أن يكون خاليا من الأمراض الوراثية.
وأنهم يعملون على أن تكون الخلايا الجذعية المنقولة من نفس الشخص لأننا لا ننقل خلايا من شخص لآخر ثم نضع الخلايا فى الحضانة حتى تصبح بالملايين وأعطيها لدكتور الذكورة الذى يقوم بحقنها فى الخصية بالميكروسكوب عن طريق القسطرة والشريان المغذى للخصية أو يتم فتح الخصية فى أماكن معينة بالإبرة بعدها تنتج حيوانات منوية سليمة هذا الكلام يردده أيضا الدكتور «خ.ج».
الإقبال على هذه المراكز خاصة الموجودة فى مدينة نصر والمهندسين كبير جدا.
ويصل إلى المئات فى اليوم الواحد ممن حرمهم الله من نعمة الأولاد وأكدت لهم الفحوصات والإشاعات أنهم من المستحيل أن ينجبوا .
ويعتقد الإقبال على هذه المراكز على المصريين فهناك العشرات من الدول العربية جاءوا إلى هذه المراكز متوهمين أنهم سوف يحصلون على فرصة الإنجاب لكنهم يفاجأون بعد ذلك بأنهم قد وقعوا ضحية لعملية نصب كبرى لدرجة أن البعض منهم يعود إلى بلده وقد لعن اليوم الذى حضر فيه إلى مصر أو المصريين.
حاولنا الاتصال بالأطباء المسئولين عن هذه المراكز سواء عن طريق تليفونهم الشخصى أو عن طريق التليفونات الخاصة بمراكزهم إلا أنهم رفضوا الرد على أسئلتنا لدرجة أن مركز الدكتور «هـ .أ» فى المرة الأخيرة حولنا على مدير هذا المركز ويدعى الدكتور عصام الذى أكد أنهم يؤمنون أنفسهم بالحصول على توقيع المريض بأنه ليس له أى حق فى حالة فشل العملية الجراحية وأن المراكز حاصلة على تراخيص وزارة الصحة وليس لديهم وقت للرد على استفساراتنا وأنهم لايهابون الإعلام .
من جانبها أصدرت الجمعية المصرية لأمراض الذكورة والعقم بيانا خلال المؤتمر الخامس والعشرين الذى أقيم الشهر الماضى والذى امتد لمدة يومين أكدت فيه من خلال التوصيات وبالتحديد فى الفقرة الثالثة تناشد فيه المختصين بأنه فى مجال استخدام الخلايا الجذعية وعلاج الضعف الجنسى وعقم الرجال بأن الوضع مازال تحت الاختبار ولاينصح بإجراء التدخل العلاجى قبل الاستيفاء الكامل لجميع الفحوصات والاحتياطات الطبية والبحثية ومخاطبة وزارة الصحة ونقابة الأطباء لوضع الضوابط الكاملة اللازمة لذلك وكذلك ضرورة إشراك الجمعية فى وضع الإشراف على البروتوكولات المستقبلية فى هذا المجال.
الدكتور شوقى الحجار أستاذ ورئيس قسم أمراض الذكورة بطب القاهرة أكد لروزاليوسف أن هذا النوع من العمليات الجراحية لم يتم العمل به فى الخارج وأن هذه التجارب تمت على الفئران ولم تتم على الإنسان حتى الآن، ويجب التوقف عنها فى مصر لأنها تحتاج فترة من الوقت حتى يثبت نجاحها والتأكد منها وبعد ذلك يتم نقلها إلى الإنسان.. خاصة أن هذا النوع من العمليات يحتاج إلى تقنية عالية جدا من الأدوات المستخدمة عن إعادة حقن الخلايا الجذعية داخل الشعيرات الدقيقة المنتجة للحيوان المنوى فى الخصية.
ويقول الدكتور تيمور مصطفى أستاذ الذكورة والتناسل بكلية طب قصر العينى: هذا النوع من العمليات الجراحية فى مجال عقم الرجال لم يتم استخدامه عالميا فكيف يتم استخدامه فى مصر بهذه السهولة والسرعة ولم تجر التجارب الكافية عليه حتى يتم نقله للإنسان وهذا النوع من العمليات يحتاج إلى مراجعة.
ويقول الدكتور مدحت عامر أستاذ طب أمراض الذكورة وعقم الرجال بكلية طب قصر العينى: إن مثل هذه العمليات يحتاج إلى تقنية ميكروسكوبية عالية جدا لم يتم التوصل إليها حتى الآن لكى نستطيع إعادة حقن الخلايا الجذعية فى الشعيرات الدقيقة داخل الحقيبة التى هى مكان تصنيع وإنتاج الحيوانات المنوية.
لكن الغريب ما توصلنا إليه عن طريق المترددين على هذه المراكز بأن البعض ممن قدر لهم إنجاب أطفال على يد مثل هؤلاء الأطباء وعددهم لايتعدى أصابع اليد الواحدة بعد أن علموا أن ما يحدث لا أساس له فى العلم وأن التجارب على هذه العمليات تمت على الفئران ولم يتأكد من نسبة نجاحها حتى يتم نقلها للإنسان بدأوا يتشككون فى نسب أطفالهم والبعض الآخر بدأ فى التحضير لرفع دعاوى قضائية خاصة بعد أن تحولت هذه المراكز لباب خلفى للمكسب السريع.
الأيام القادمة سوف تكشف أخطر من ذلك عن هذه المراكز من خلال الدعاوى القضائية التى يتم التجهيز لها ورفعها ضد هذه المراكز والتى تكشف من خلالها عن عمل غير المؤهلين لإجراء مثل هذه العمليات من خلال التعاقد مع خريجى كليات الطب البيطرى وأحيانا كليات الزراعة وأحيانا أخرى مؤهلات متوسط∎ة.∎