الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

عملية زكى بدر أجبرتنى على فتح ملف «العنتيل» القطرى

عملية زكى بدر أجبرتنى على فتح ملف «العنتيل» القطرى
عملية زكى بدر أجبرتنى على فتح ملف «العنتيل» القطرى


فى عام 1986 أصبحت أجرّ خلفى أكثر من ربع قرن من الزمان فى مصلحة السجون، وقررت أن أختم حياتى فى العمل بالمصلحة بعد انتهاء مهمتى فى سجن الاستئناف، ولذلك تقدمت بطلب نقلى من مصلحة السجون إلى شرطة المسطحات المائية، ووافق السيد وزير الداخلية زكى بدر فى ذلك الزمان على طلبى، على أن يتم التنفيذ فى أقرب حركة للشرطة، وعندما جاءنى خطاب من الوزير يفيد بقبول النقل كان فى السجن الفنان الرقيق فاروق نجيب وكان خفيف الظل فى نفس اليوم جاءنا خطاب من المصلحة بإخلاء سبيله بعد الحكم ببراءته من تهمة إحراز شرائط فيديو.. فقال لى: «يا سلام على الصدفة.

إحنا الاتنين إخلاء سبيل فى نفس الوقت».. وقرر فاروق نجيب إحياء حفل على نفقته حلاوة حصوله على البراءة وأيضا بمناسبة الموافقة على طلب نقلى، وبالفعل وأثناء الحفل الذى شهد رقصا وغناء.. حدث أن اقترب منى حارس غرفة الإعدام.. وقال إن «البرنس» يرجوك السماح له بالفرجة على الحفل من بعيد وسط حراسة، فوافقت، خصوصا أن الرجل محكوم عليه بالإعدام، ولكن أمر التنفيذ لم يصلنا بعد من المصلحة، ويا سبحان الله.. وأثناء الحفل تم إخطارى بأن أحد الضباط من المصلحة ينتظرنى لأمر مهم فى مكتبى، وإذا بالرجل يحمل الخطاب الثالث هذا اليوم فقلت له ضاحكا: هذا يوم البريد العالمى، أنت تحمل لى ثالث خطاب هذا اليوم، وتحديدا فى يوم 12/8/1986 وسألته: خيرا؟ فطلب منى أن أفتح المظروف المختوم بالشمع الأحمر، فإذا به الخطاب الخاص بتنفيذ حكم الإعدام فى السجين «البرنس» وأن موعد التنفيذ فى اليوم التالى مباشرة لاستلام الخطاب.
 ولا أستطيع أن أصف لحضراتكم الشعور الذى تملكنى ليس كضابط ولكن كإنسان أحمل فى يدى خطابا فيه أوامر صارمة بتنفيذ حكم الإعدام فى إنسان آخر، وكانت تهمة «البرنس» هى القتل، وقد عدت إلى ملف «البرنس» قبل تنفيذ عملية الإعدام، وكان لدىّ متسع من الوقت لأقرأ تفاصيل جريمته، ليس من باب الاطلاع أو العلم بالشىء، ولكن حتى أمنح لضميرى بعض الطمأنينة وأجد لعقلى مبررا للقبول بالحكم والاشتراك فيه، وبالفعل أخرجت الملف وجلست فى مكتبى وبدأت فى قراءة تفاصيل القضية، واكتشفت أن البرنس متهم بقتل ثرى عربى من دولة قطر وأن الجناية مسجلة برقم 624 لعام 1985 وأنه لم يرتكب الجريمة بمفرده ولكن بمساعدة سيدتين، الأولى هى زوجته والثانية هى عشيقته، وكانت شخصية البرنس تبدو لى عجيبة إلى أقصى حد، فكيف أمكن لرجل أن يجمع زوجته على عشيقته ثم يشكل بعد ذلك من هذا الثلاثى الغريب عصابة كان أول هدف لهم هو ذلك السائح العربى القادم من دولة قطر.. وأصل الحكاية أن الثرى القطرى واسمه عيسى مبارك أبوحماد اعتاد التردد على البلاد وأنه كان يقصدها من أجل المتعة الحرام، وهكذا توطدت صلاته بالقوادين والداعرات، ومن بين الذين دخلوا فى دائرة معارف الثرى القطرى كان البرنس الذى اقترح على الثرى القطرى أن يحتاط.. ويرفع درجة الحذر إلى أقصى حد ممكن.. وهنا ارتاب الرجل القطرى فى الأمر، فإذا بالبرنس يخبره بأن «الأمراض اليومين دول مالهاش حل واللى بعيد عنك يجى له الإيدز والعياذ بالله يبقى اتقرت فاتحته».. واستطاع البرنس أن يدخل الرهبة إلى قلب الثرى القطرى ثم وجد له مدخلا آخر لكى يجمل له البضاعة المضمونة التى ستوفر له المتعة وفى الوقت نفسه الأمان، حيث لا إيدز ولا زهرى ولا أى أمراض من الأمراض دى المشهورة بيها تلك الفئات، وهكذا قدم البرنس للرجل القطرى زوجته وعشيقته فى الوقت نفسه لكى تكونا وحدهما أسباب المتعة الحرام للثرى القطرى، وبالفعل أصبح الرجل كالخاتم فى إصبع زوجة البرنس وعشيقته، فكانت الطلبات أوامر وإذا غاب أو عاد إلى بلاده فإنه لا يستطيع الابتعاد عنهما، وإذا رجع كان محمّلا بما خف وزنه وغلا ثمنه، وكانت زوجة البرنس وعشيقته تحولان أولا بأول الوارد من دولارات وريالات وعملات أجنبية ومشغولات ذهبية حتى جاء وقت وانقطع فيه الإمداد وشحت الأموال وتبين البرنس أن هناك أمرا قد حدث.. والحقيقة أن الثرى القطرى استولى على عقل زوجة البرنس وقلبها أيضا، ونفس الأمر حدث مع عشيقة البرنس وقابلت كل امرأة المعروف بأحسن منه فبادلت البرنس حبّا بحب ووفاءً بوفاء، وبدأت كل واحدة فى التخطيط للابتعاد عن البرنس وتحقيق ثروة شخصية تكفى كل منهما للاعتماد على الذات والابتعاد عن البرنس الرجل الذى عُرف بشقاوته وبتجارته فى كل الممنوعات، واقترحت زوجة البرنس على عشيقته الهروب من البرنس والانفراد بالرجل القطرى وتقسيم الغنائم على اثنتين أفضل من ثلاثة، خصوصا أن البرنس يأكل عرقهما وأنه أخذ بالفعل ما يكفيه ويزيد، واقترحت زوجة البرنس الابتعاد عن كل الأماكن التى يعرفها البرنس والتخطيط للهروب منه إلى الأبد، وكان أول شىء هو البحث عن شقة جديدة لكى يقيم فيها القطرى مع زوجة البرنس وعشيقته.. وفى هذه الأثناء كان البرنس قد شك فى الأمر وبدأ يحوم حول مسكن الثرى القطرى واستطاع الإيقاع بزوجته وعشيقته ذات يوم وأخبرهما بأن اللعب مع البرنس ثمنه الوحيد هو القتل، وفتح بالفعل مطواة قرن غزال ووضعها على رقبة زوجته وأقسم أن يذبح كلا منهما ذبح النعاج لو فكرت أى منهما فقط مجرد التفكير وليس التنفيذ فى رفع راية العصيان، هنا ركعت عشيقته تحت قدميه متوسلة بأن يترك زوجته ويرحمها فهى ليست خائنة وأن سبب التأخر فى التوريد كان خارجا عن الإرادة، وهنا وضع البرنس السيدتين أمام حل واحد لا ثانى له، فطلب منهما تسهيل دخوله للشقة بعد أن علم أن الرجل يحتفظ بثروة ومجوهرات وساعات ذهبية وأن أحدا لا يتردد عليه لا من الأصدقاء ولا من المعارف، وعندما سألت الزوجة: ح نسهل لك الدخول وبعدين؟.. وهو يشير بالمطواة قال: ح نخلص منه وناخد اللى معاه ونهج من هنا.. فنظرت كل منهما إلى الأخرى فإذا به يقسم بشرف أمه لو لم توافقا على هذه الخطة فسوف يمثل بهما وهما حيتان، وبالفعل صعدت السيدتان إلى شقة الثرى القطرى وانتظرتا حتى حل الليل وسكنت الحركة داخل العمارة، حيث عاد جميع السكان، وكان العقار مكونا من عدد قليل من الشقق السكنية، وهنا صعد فى الموعد المحدد البرنس فوجد الباب مواربا حسب الاتفاق ودخل فاستقبلته زوجته فدخل حجرة النوم وهى ترشده إليها فإذا بالقطرى محتضنا عشيقة البرنس الذى لم يمنح الرجل فرصة للدهشة أو الخوف فانقض عليه بسلاحه الأبيض حتى فارق الحياة، وقام بتمشيط كل مكان بالشقة وحمل معه كل متعلقات الرجل، وفى ساعة متأخرة من الليل خرج من العمارة بصحبة السيدتين واختفى الثلاثة من مسرح الأحداث، ولكن الجريمة اكتشفت بعد عدة أيام وتم كسر باب الشقة وعثروا على الجثة وأجرت المباحث تحرياتها وشهد البعض أن الرجل كان من هواة البحث عن المتعة الحرام، وتم القبض على عدد كبير من الساقطات والقوادين وأمسكوا خيطا دلهم فى نهاية المطاف على الفاعل الحقيقى، وتم الحكم على البرنس بالإعدام وعلى السيدتين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وتم تأييد الحكم وصدق عليه رئيس الجمهورية وأصبح فى خلال ساعات واجب النفاذ، وكان البرنس قد أودع سجن الاستئناف قبل النظر فى النقض وكان دائما ما يردد وسط زملائه المساجين وفى أوساط الحراس بأن حكم الإعدام لن ينفذ.. وعندما سأله أحد عتاة المجرمين من أين أتى بكل هذه الثقة بأن حكم الإعدام لن ينفذ.. صارحه البرنس بأن عنده خطة جهنمية سوف تضمن بقاءه على قيد الحياة صحيحا خلف الأسوار، ولكن الحياة دى نعمة تكون زى ما تكون.. وسأله المسجون: وإزاى ح تنفد من حكم الإعدام؟ هنا باح البرنس للسجين بتفاصيل خطته.. وقال: إنه فى يوم تنفيذ حكم الإعدام سيقوم بقتل أحد الضباط وساعتها سوف تأتى النيابة وستدخل فى «س وج» ومحاكم ومرافعات وأحكام ونقض وخد عندك من سنتين لخمسة.. وهلمّ جرّا، فقال له المسجون: إيه ده وأنت ناوى تقتل ضابط كل شوية علشان تأخر الإعدام.. فأجابه: ما هو اللى يقتل مرة يقتل ألف مرة، والضابط ما هو بنى آدم زى غيره، بس هو ده اللى ح يكون قدامى، وبالطبع بلغت أسماعنا خطة البرنس للهروب من تنفيذ حكم الإعدام، وقد كان البرنس يعلم تمام العلم أن عملية تنفيذ الإعدام تبدأ إجراءاتها الساعة السابعة صباحا قبل موعد فتح السجن والزنازين وخروج المساجين، وذلك لتحقيق أعلى درجات السيطرة الأمنية، لذلك لم يكن البرنس يذوق طعما للنوم حتى يتم فتح باب الزنازين ويطمئن على أنه يوم عادى وليس يوما لتطبيق عقوبة الإعدام، وكان هنا يخلد إلى نوم عميق بعد أن يطمئن قلبه إلى أنه لايزال بين الأحياء!
وبالطبع وضعنا خطة البرنس فى الاعتبار تحسبا لأى طارئ، فقد ينفذ ما هدد به ويتعدى على أحد الضباط أو العساكر، ولذلك كانت زنزانة البرنس يجرى تفتيشها بشكل يومى بحثا عن أى آلة حادة، ولم تسفر أى حملة عن اكتشاف أى سلاح مع البرنس، وكان لابد من إجراء اختبار لحبل المشنقة فى اليوم السابق على عملية الإعدام للتأكد من صلاحيته حتى لا نفاجأ بعطل قد يعطل العملية بأكملها، وندخل فى حسابات أخرى، ونظرا لوجود غرفة الإعدام داخل العنبر الذى يسكنه النزلاء ومن بينهم البرنس المحكوم عليه بالإعدام، فإن عملية الاختبار ستنكشف لا محالة وسيعلم البرنس أن الغد هو يوم  التنفيذ، وهكذا قد يفكر بالفعل فى جريمة قتل جديدة، وعليه قررت أن أقوم بعملية تمويه، حيث إن تجربة المشنقة سوف تحدث صوتا رهيبا بفضل تشغيل ذراع فتح الأرضية والذى سيحدث طرقا شديدا لاصطدام ضلفتى الأرضية بجانب الحجرة السفلية التى سيسقط فيها المحكوم بإعدامه حال تنفيذ العملية، وهنا كلفت الحراس بجلب عدد من البراميل الفارغة التى تستخدم لتخزين الجير الذى نطلى به الجدران وطلبت إليهم بالطرق على البراميل بشدة ونبهت  على الحراس فى حالة سؤال أى سجين عن السبب يكون الجواب بأننا نفرغ البراميل مما علق بها من بواقى الجير التالف لإعادة تعبئتها بجير جديد، حيث سنقوم خلال أسبوع بدهان وطلاء جدران كل العنابر.. ولله الحمد نجحت الخطة وجربنا المشنقة، ولم يدر أحد على الإطلاق لا من المساجين ولا من الحراس بأن غدا هو يوم تنفيذ الحكم بحق البرنس.. وزيادة فى الأمان والاطمئنان أصدرت أوامرى بأن ينصرف جميع أفراد القوة بعد غلق باب السجن ما عدا العاملين بالنوبة الليلية، ومعهم النقيب أحمد عبدالعليم والنقيب محمد غيث وهو ضابط مباحث السجن، والحق أقول إننى لم أكن فى حالتى الطبيعية، فعلى الرغم من أننى قرأت كل حرف مكتوب فى قضية البرنس واستمعت منه أيضا إلى بعض التفاصيل والبعض الآخر من زملائه من السجناء فإن القلق استبد بى وارتفعت وتيرته كلما مر الوقت حتى إذا ما وصلت بيتى أدركت زوجتى بأن أحوالى ليست طبيعية، وأن هناك شيئا ما بدد ذهنى وتركيزى وجعلنى أبدو تائها وغائبا عمن حولى، ولا أدرى لماذا أحسست أننى فى خلال ساعات معدودة سوف أرتكب جريمة ضد الإنسانية بإزهاق روح إنسان.. وألحت زوجتى فى معرفة ما قلب كيانى.. فصارحتها بما أمرّ به من أزمة نفسية.. فقالت: هو ده اللى احنا واخدينه من السجون.. واقترحت أن أطلب إجازة عارضة أو مرضى وأن أتخلص من هذا الموقف بأى ثمن!
والغريب أن فيروس القلق انتقل إلى زوجتى فشاركتنى فى الشعور نفسه وسهرنا معا كل منا ينظر إلى المجهول هى وقد أسندت رأسها على راحتها، وأنا وقد ملت برأسى على كرسى فى صالة المنزل.. أستعيد الأحداث كلها وتجرى حكاية البرنس أمام عينى مجرى المشاهد التى يحتويها فيلم سينمائى.. وتمنيت أن يكون الأمر كله مجرد كابوس أو حلم من أحلام اليقظة وعند الفجر رن جرس تليفون المنزل فانتفضنا معا واتجهنا إلى مكان التليفون أنا أرد وزوجتى إلى جانبى تدقق النظر فى عينى وكان على الجانب الآخر النقيب محمد غيث ضابط مباحث السجن  وجاء صوته يحمل نبرات الفزع وكأننى فى حاجة إلى المزيد من المشاعر السلبية، فقد شعرت ساعتها أننى أكاد أنفجر من شدة ما اختزنت من الغضب، وقلت للنقيب: خير، فى حاجة؟ قال: كنا نراقب البرنس طوال الليل وبمجرد أن ذهب فى النوم ارتدينا أحذية رياضية لا تصدر صوتا.. قلت: تمام.. وبعدين؟ فأجاب: وقلنا نمسكه ونتمكن منه ونضع الحديد فى يديه حتى لا يواجهنا بما يمكن أن يعطل عملية الإعدام.. قلت وأعصابى تكاد تحترق: وبعدين؟ فأجاب: لكن تبين أن البرنس كان يتظاهر بأنه نائم فقد انقض علينا بمجرد دخولنا عليه الزنزانة أنا والنقيب أحمد عبدالعليم، وفجأة سدد طعنة للنقيب أحمد فى منطقة بين الكتف والصدر ونزف بغزارة، والحمد لله تمكنت من السيطرة عليه واستدعيت العساكر وقيدناه بالكلابشات.. وكانت زوجتى تسمع كل كلمة، وبمجرد أن سمعت بحكاية الطعنة، لطمت على خديها، فأشرت عليها بالصمت، وفى النهاية قال النقيب أحمد غيث بأنهم نقلوا الضابط المصاب إلى مستشفى أحمد ماهر، وبالطبع لم أكن قد بدلت ملابسى، فقمت بارتداء الكاب وخرجت مسرعا وسط صيحات زوجتى وتوسلاتها بأن أعود وأصرف نظر عن حضور إعدام هذا المجرم، ولكنى وجدت نفسى وقد أمدنى الله سبحانه وتعالى بقدرة غير اعتيادية على المضى قدما فى تنفيذ حكم الإعدام بهذا القاتل الذى لا ينتمى إلى الإنسانية بأى صلة، وتوجهت إلى مستشفى أحمد ماهر للاطمئنان على النقيب أحمد فإذا بالأطباء يستقبلوننى وتطوع أحدهم لشرح الحالة وقال إن الضابط يخبر وأن الطعنة لم تقترب من الصدر، ولكنها جاءت فى تجويف الكتف، وهكذا فإن الله سلم وأن النقيب سيكون معافى سليما، وقابلت النقيب أحمد فوجدت معنوياته مرتفعة وإن كانت الدهشة تكسو ملامحه فكيف حصل المتهم على آلة حادة على الرغم من عمليات التفتيش اليومية.. وحكى لى أحمد ما جرى ثم ارتفعت نبرات صوته وهو يقول: يا أفندم أنا عاوز حقى!
وأنا أودعه أقسمت له بشرفى وقلت: سوف آخذ لك حقك بعد ساعات معدودة يا أحمد.. وكان بينى وبين الإعدام أقل من ساعة ونصف الساعة، انطلقت بأقصى سرعة ورغبة فى الانتقام تقودنى بجنون نحو سجن الاستئناف، فقد انقلبت من النقيض إلى النقيض وكانت فعلته السوداء هذه بمثابة الترياق الذى شفانى من كل الهواجس والمشاعر التى كادت تقتلنى وتفتك بى.
ودخلت إلى السجن، فوجدت مجموعة الضباط والعساكر ومعهم البرنس، ينظر إلىّ نظرة المنتصر، وهو يقول: يعنى جاى ساكت يا محسن بيه وكأن مافيش مصيبة حصلت؟! فقلت له: هو فى حاجة حصلت يا برنس.. فقال: صحيح بطلوا ده واسمعوا ده هو سعادتك ما تعرفش إنى قتلت ضابط ع الفجر والا إيه؟ ثم نظر إلى الضباط والعساكر وسبهم ولعن سنسفيل جدودهم  وهو يسألهم: انتوا ما جبتوش سيرة للبيه المأمور والا إيه.. هو مش كبيركم ولازم تبلغوه؟!
ولم يجب عليه مخلوق.. فازداد غضبا وكاد الدم ينفجر من عروقه وهو يقول لى.. الضابط اللى أنا قتلته النهارده فين يا بيه؟.. وبعدين ليه ما أخدتش إجراءاتك والنيابة أخطرتها والا أنا اللى ح أعلمك شغلك؟!
نظرت إليه وداخلى ثورة أحاول إطفاءها وقلت:  يا برنس أنا عارف شغلى كويس.. بس الضابط اللى أنت بتقول قتلته ده يبقى مين.. ضحك البرنس وقال: يبقى النقيب أحمد عبدالعليم، فقلت له: آه النقيب أحمد ده فى بيته من إمبارح وهو على العموم ح يوصل السجن ع الساعة .9
فيرد البرنس بصوت عالٍ: إيه الكلام الفارغ ده.. الضابط أحمد كان نوباتشى إمبارح وأنا ضربته النهارده الفجرية! ودمه ساح فى الزنزانة وشالوه مرابعة قدامى، قلت: إيه ده يا راجل، اهدى شوية، أنت جايب الكلام ده كله منين بس؟! الله احنا ح نيجى ع الآخر ونخرف ولا إيه يا برنس؟! وإلى هنا لم يستطع البرنس التحكم فى أعصابه، وحاول الفكاك من حراسه، لكنه فشل فأطلق للسانه العنان وقام بسبى وسب كل الحضور بأقذع الشتائم.. وقلت له: فعلا يا برنس معاك حق تشتمنا وأكتر من كده كمان.. لأن يا ابنى المثل بيقول: المخوزق يشتم السلطان.. فضحك كل الموجودين ما عدا البرنس، وبدأت الساعة تقترب من السادسة والنصف وتوالى أعضاء لجنة الإعدام فى الحضور وسط سباب البرنس، وجاء اللواء محمد رجائى مدير مصلحة السجون والسيد عضو النيابة العامة والسيد مفتش الأمن العام وواعظ مصلحة السجون وما أن شاهد البرنس اللجنة حتى ارتفعت نبرات صوته وهو يقول: يا بهوات أنا عاوز أبلغ عن نفسى أنا قتلت ضابط النهارده اسمه أحمد عبدالعليم والمأمور خبى الجثة، ثم صمت لحظة وقال: أنا عاوز تحقيق فى البلاغ هاتولى النيابة، المأمور ده بيتستر على جريمة قتل.. هنا اتجه اللواء رجائى ببصره نحوى وكانت نظراته تحمل الكثير من التساؤل فاقتربت منه وقلت: يا أفندم النقيب أحمد عبدالعليم زى الفل وهو فى طريقه للخدمة الصباحية وكل دى تخاريف من المحكوم عليه علشان يكسب شوية دقايق مش أكتر.. وهنا ظل البرنس يعض على نواجذه وهو يرمقنى بنظرات الكراهية، وقال لى: يا محسن بيه اعمل فىّ معروف.. عاوز أصارحك بحاجة، الله يخلى ليك عيالك.. فقلت للبرنس وقد أدركت حيلته: ما فيش سر هنا يا برنس اللى عاوز تقوله.. قوله أمام السادة أعضاء اللجنة.. وبالطبع حيلة البرنس معروفة وقديمة وحدثت قبل ذلك من غيره من المحكوم عليهم بالإعدام كانوا ينتقمون من الضباط بمجرد اقترابهم منهم للبوح بالسر.. يقوم بقضم أذنه على الفور وعندما شعر بقلة حيلته وأنه هالك لا محالة قال بصوت خرج من داخله بالعافية، كما لو كان وقود الكلام قد نفد منه.. دكة البنطلون فيها 5 جنيه تدوها لبنتى.. وهنا وعدته بتنفيذ وصيته، وبالفعل منحت الجنيهات الخمسة إلى حارسة من سجن النساء لكى تقوم بتوصيلها إلى إدارة سجن النساء، حيث تقيم زوجته وأم ابنته الطفلة فى عنبر الأمهات، حيث لم تكن الطفلة قد بلغت من العمر سن عامين وهو عمر الفطام حيث يتم فصلها عن أمها.
وعندما دقت الساعة السابعة وقت وموعد تنفيذ الإعدام اصطفت القوات على الجانبين فى الطريق المؤدى إلى غرفة الإعدام ونظر البرنس إلى كل الحاضرين ووجَّه إلى كل منهم سيلا من الشتائم لم نسمع بها من قبل واتهمنا بأننا إذا أعدمناه نكون قد أعدمنا رجل الشرف والعزة والكرامة الذى انتقم من القطرى السافل الذى عاشر السيدات المصريات.. وتساءل: هل يمكن لأى إنسان عاقل ومحترم وشريف أن يفكر فى إعدام البرنس الذى خلص المصريين من دنس هذا القطرى الذى قدم لهتك الأعراض؟! فلم يجد من يقف أمامه إلا رجلا واحدا فى هذه الليلة.. وهو البرنس.. أنا البرنس.. بلا فخر.. ونظر إلينا فردا فردا وهو يقول: أنتم اللى تستحقوا تتعلقوا فى حبل المشنقة!
ثم اقترب منه الواعظ وهو يقول: انطق ورائى بالشهادتين، ولكن البرنس لم يرد، فطلب منه الواعظ أن يشهد، فقال البرنس: الشهادة لله أنا أشهد أنك كذا.. وابن كذا وابن كذا.. ثم نظر إلينا وهو يقول: تنفع الشهادة يا بهوات؟ فلم يرد أحد، فقال: تنفع ولا ما تنفعش يا ولاد.. كيت وكيت.. وكيت!
وتقدم الجلاد المساعد شرطة محمد عبدالعزيز بيومى ومعه مساعده الرقيب أول حلمى سلطان وألبساه الغطاء الأسود على رأسه فحدثت له حالة هياج وثورة شديدتين، وقال: أنا عاوزكم تشوفونى بعدما أموت علشان أفضل أرعبكم وأنا حى وأنا ميت لما عيونى تخرج لبره زى العفريت ولسانى يطلع بره ووشى ينتفخ ويبقى شبه الشيطان.. ولم تمض ثوانٍ حتى أعطيت إشارة البدء بجذب الذراع.. فصمت البرنس إلى الأبد وذهب ليلقى جزاءه على ما اقترفه بحق البشر، وهنا اتجهت إلى حيث يقف السيد مدير المصلحة وصارحته بما جرى للضابط أحمد عبدالعليم على أيدى السفاح البرنس.. وتقبل الرجل الموضوع.. وضحك بأثر رجعى وقال: علشان كده.. بس ده واضح إنه كان خطر جدا فعلا.. ومد الرجل يده وسلم علىّ وقال: أنا دلوقتى عرفت سر الكم الرهيب من الشتائم التى نلناها جميعا، ومع ذلك أنا باهنيك.. أنت اتصرفت صح!∎
تمــــت