الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الجنس على الطريقة الفرنسية!

الجنس على الطريقة الفرنسية!
الجنس على الطريقة الفرنسية!


لم يستجب وزير الدفاع الفرنسى «جون إيف لودريان» لصرخات ونداءات المجندات فى الجيش الفرنسى ولا حتى لتركهن الخدمة بسبب العنف الجنسى والتحرش ضدهن من قبل الضباط الذكور إلا بعد صدور كتاب «الحرب غير المرئية» للكاتبتين ليلى مينانو وجوليا باسكوال؛ واللتين وضعتا فيه شهادات المجندات والضابطات الفرنسيات والذى بمجرد صدوره فى الأسواق وتحقيقه لأعلى نسبة مبيعات أصبح شبه فضيحة للوزير الذى اتخذ بعد نزوله قرارا بالتحقيق الفورى؛ كما أطلقت العسكرية الفرنسية أول خطة من نوعها لمحاربة الاعتداء الجنسى والتحرش فى صفوف الجيش الفرنسى.
 
فرنسا التى دائما ما تدعى نجاحها فى تجنيد النساء بالقوات المسلحة، وأن جيشها يضم أعلى نسبة نساء على مستوى العالم، أصبحت اليوم تبحث وضع خطة تهدف إلى منع الاعتداء الجنسى والتحرش بشكل جذرى، خاصة بعد صدور تقرير يذكر أن عدد بلاغات التحرش والاعتداء الجنسى فى الجيش وصلت إلى 86 حالة فى عام 2013 فقط.
 
والنساء فى الجيش الفرنسى يشكلن 15٪ من الأفراد العسكريين النظاميين كما هو الحال فى الولايات المتحدة، لكن فرنسا قد تخلفت بسبب عدد حالات التحرش والاعتداء الجنسى. وقال وزير الدفاع الفرنسى جون إيف لودريان، فى الكلمة التى ألقاها بمناسبة إصدار التقرير الخاص بمنع مخاطر التحرش الجنسى والأخلاقى فى الجيوش الفرنسية: «إن الجيش يجب أن يكون مثاليا.. وإن ما يحدث هو غير مقبول على الإطلاق».
 
وأعلن لودريان أنه ستتم للمرة الأولى مشاركة نساء من الجيش فى تجارب الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية النووية، اعتبارا من عام 2017. موضحا أن خطة العمل الجديدة تتضمن إجراءات لمساعدة النساء من ضحايا العنف والتحرش الجنسى فى الجيش، وأمر لودريان بفتح تحقيق داخلى فى وزارة الدفاع بشأن الحالات المحتملة للعنف الجنسى والتحرش التى ترتكب ضد النساء فى الجيوش الفرنسية، على ضوء ما ورد فى الكتاب الذى يتطرق إلى وقوع 35 حالة فى السنوات الأخيرة.
 
وأفسحت كاتبتان المجال لمجندات فرنسيات للحديث عما تعرضن له من اغتصاب فى الثكنات العسكرية التى يخدمن بها وفى ميادين العمليات وحتى خارج فرنسا كأفغانستان ومالى. وهى شهادات تكسر جدار الصمت الذى يفرضه الأبكم على نفسه؛ إذ احتراما لواجب التحفظ لا يعيرون أدنى اهتمام لشكاوى المجندات المغتصبات.
 
والغريب أنه حتى سنة 2013 لم يعلن رسميا عن حادثة اعتداء جنسى واحدة بين صفوف القوات المسلحة الفرنسية رغم أن الجيش الفرنسى هو ثالث قوة فى العالم بتعداد وصل إلى 000,230 من بينهم 15٪ من المجندات، ويعتبر الجيش الأكثر تأنيثا فى أوروبا ومع ذلك فكل شىء على ما يرام فى نظر السلطات العسكرية الفرنسية.
 
ورويت شهادات مثيرة عبرت فيها النساء المجندات عن تصرفات المجندين غير الأخلاقية وردود أفعال السلطات العسكرية المجحفة وتحيزاتها الجنسية المشينة ضدهن؛ وهو ما لم تصدقه الصحفيتان المستقلتان، فأنجزتا تحقيقا حصريا فى الاعتداءات الجنسية دام حوالى العامين نقرأ فيه شهادات المجندات اللاتى قدمن شكاوى رسمية وطالبن من العدالة أن تنصفهن وكذلك النساء اللاتى سكتن وحاولن الاستمرار فى عملهن العسكرى وإكمال مشوارهن المهنى كأن شيئا لم يكن، خوفا من العواقب الوخيمة، وليس الكتاب مجرد تسجيل شهادات فقط بل هو تشريح لعلاقة حواء وآدم المضطربة وغير المتكافئة داخل الجيش الفرنسى. وربما يعبر عنوان أول فصول الكتاب عن تلك العلاقة: «أليس فى بلاد الأوباش» وهو عرض لما قاسته الشابة أليس، التى تبلغ 23 سنة من عمرها من ويلات بين مجندين تحت تأثير الكحول والمخدرات وقيادات تغمض العين بغية المحافظة على سمعة المؤسسة العسكرية.
 
فى مركز التكوين التى كانت تتدرب فيه أليس كان المتدربون غالبيتهم معادين للأنوثة - تقول: «فى إحدى المناسبات الدراسية كان مفروضا على كل متربص الإدلاء برأيه فى إحدى المسائل ولما وصل دورى قال الأستاذ: «على كل حال أنت لا تستطيعين أن تدلى باعترافات لأنك لا يمكن أن تتبولى واقفة»، ولكن بلغت الحماقة أقصى مداها، حينما تجرأ إطار عسكرى أن يسألها هى وزميلاتها عما إذا كن عذارى أم لا؟!
 
ونترك ليتيسيا تروى قصتها بنفسها: «فى ذلك الحفل المشئوم كان الكحول يسيل كالنهر والموسيقى صاخبة، تناولت كأسين أو ثلاثة وسرعان ما شعرت بأننى فى حالة غير عادية وتبين بعد ذلك أن يدا مجرمة قد وضعت فى كأسى ما يسمى عادة بقرص المغتصب كما بينته التحاليل فيما بعد. لم أعد أذكر شيئا بعد تلك الكأس القاتلة سوى المعتدى علىَّ وهو يقودنى نحو دورة المياه؛ واستيقظت فى اليوم التالى فى حدود الساعة الثالثة وأنا ممددة على فراشى عارية وفى رأسى آثار ضربة مؤلمة. وجاء أحد زملائى ليقول لى: أنت عاهرة، سمعت أنك مارست الجنس مع مجموعة من المجندين!! وانتشر الخبر بين الجميع لكن لا أحد تجرأ على تبليغ القيادة. تقدمت ليتيسيا بشكوى إلى القيادة العسكرية ثم بشكوى ضد مجهول فى محكمة مدنية ولم تنصفها لا الأولى ولا الثانية. وكعشرات مثلها أوقفت ليتيسيا بدعوى المرض ثم تم فصلها نهائيا من الخدمة تحت ذريعة عدم القدرة على العمل فى صفوف الجيش.
 
وبسبب تنديدهن لما يتعرضن له من اعتداءات ينظر إليهن كخطر محدق بوحدة الجيش وككائنات يمكن أن تلطخ سمعة الجيش ونحن نعرف مدى تمسك الجيش بصورة الانضباط التى يريد أن يظهر عليها دائما. وبعيدا عن تلك الصورة المثالية فى النظام والانضباط وبعيدا عن صورة تلك المرأة العسكرية البطلة التى ترسمها الصحافة، تقدم الكاتبتان صورة أخرى حينما ترويان مسار عسكريات يتألمن بسبب تجاهل معاناتهن وعدم اعتراف هذا الجيش المنضبط بهن كضحايا.
 
ولكن صدور الكتاب أرغم المسئولين على الاعتراف بظاهرة المضايقات والاعتداءات الجنسية ضد النساء وكشف النقاب عن المعاملة الإقصائية والتمييز الجنسى تجاه المجندات الرافضات لصمت المؤسسة العسكرية. وهكذا أرغم هذا الكتاب وزير الدفاع الفرنسى أن يعلن عن فتح تحقيق داخلى حول الموضوع من أجل كشف العراقيل التى تقف أمام السير الطبيعى للشكاوى.
 
وقد أكد الوزير أن يكون القانون صارما مع المغتصبين والمتحرشين والمتواطئين. فهل تعيد العدالة الفرنسية إلى آمنة وفانى وخديجة وغيرهن كرامتهن المسلوبة؟
 
وجاء تصريح الوزير فى مؤتمر شهدته المدرسة الحربية فى باريس أعلن فيه إنشاء خلية مهمتها مساعدة الضحايا وتقديم النصح للقيادة فى إدارة هذا الملف.
 
كما نفى لودريان وجود سياسة «قانون الصمت» فى المؤسسة العسكرية مؤكدا أن القيادة كانت تواكب ملفات الشكاوى رغم الشوائب التى كانت ترافق هذه العملية.
 
وأكد جان إيف لودريان استمرار العمل بمشروع المساواة بين الرجال والنساء فى الجيش لرفع كل ما من شأنه إعاقة الترقيات للنساء فى المؤسسة العسكرية الفرنسية.