12 شهرا من مواجهة التحديات المركبة
2025.. عام المشروعات الاستثنائية
أحمد عبدالعظيم
لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا فى مسار الدولة المصرية، ولا صفحة عابرة فى سجل المشروعات القومية، بل شكّل نقطة ارتكاز حقيقية فى مشروع وطنى طويل النفس، اختارت فيه الدولة أن تواجه التحديات المركبة (الاقتصادية والإقليمية والدولية) بلغة العمل؛ لا الشعارات، وبمنهج البناء، لا الانتظار.
فى هذا العام، بدت الصورة أكثر وضوحًا، دولة تُعيد ترتيب أولوياتها، وتُراكم إنجازاتها، وتُدير الزمن لصالحها، لم تكن المشروعات مجرد استجابة لأزمات طارئة، بل حلقات متصلة فى رؤية استراتيجية بدأت منذ سنوات، وتبلورت ملامحها بوضوح خلال 2025، عام يمكن وصفه بحق بأنه عام المشروعات الاستثنائية.
الدولة الحديثة
ما يميز مشروعات 2025 ليس فقط ضخامتها أو تكلفتها، وإنما الفلسفة الحاكمة لها، فلسفة ترى أن التنمية ليست رفاهية، بل شرط بقاء، وأن الدولة الحديثة لا تُدار من المكاتب فقط، بل من مواقع العمل، ومن قلب الأرض.
خلال هذا العام، أكدت الدولة المصرية أن التنمية لم تعد حكرًا على العاصمة أو المدن الكبرى، بل مشروع وطنى ممتد من السواحل الشمالية إلى أعماق الصحراء، ومن سيناء إلى الصعيد، فى محاولة جادة لإعادة توزيع فرص التنمية، وكسر المركزية التاريخية التى عطّلت طاقات هائلة لعقود.
المتحف الكبير
يأتى افتتاح المتحف المصرى الكبير على رأس إنجازات عام 2025، ليس باعتباره مشروعًا ثقافيًا فقط، بل باعتباره إعلانًا سياسيًا وثقافيًا عن مكانة مصر ودورها الحضارى.
المتحف، الأكبر عالميًا الذى يروى حضارة واحدة، لا يقدم التاريخ بوصفه ماضيًا منتهيًا، بل باعتباره قوة ناعمة حاضرة، وأداة وعى، ورسالة للعالم بأن هذه الدولة التى تبنى المستقبل، تدرك جيدًا قيمة جذورها.
استُلهم التصميم المعمارى للمتحف من الأهرامات الثلاثة، فجاءت الواجهة وكأنها امتداد بصرى لهرم الجيزة، بينما يقدّم الداخل تجربة عرض غير تقليدية، تعتمد على أحدث تقنيات الإضاءة والعرض الرقمى والواقع المعزز.
وعلى مساحة تقارب 490 ألف متر مربع، يضم المتحف أكثر من 57 ألف قطعة أثرية، من بينها كنوز توت عنخ آمون كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، إلى جانب مجموعة الملكة حتب حرس، ومتحف مراكب الملك خوفو، فى سرد تاريخى متكامل يمتد من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليونانى والرومانى.
لم يعد المتحف مجرد قاعات عرض، بل أصبح مدينة ثقافية متكاملة تضم متحف الطفل، والمراكز التعليمية، وقاعات المؤتمرات، والمناطق الترفيهية، ليؤكد أن الاستثمار فى الثقافة هو استثمار فى الوعى والاقتصاد معًا.
تلال الفسطاط
فى مشهد لا يقل دلالة، شهد عام 2025 افتتاح مشروع تلال الفسطاط، أحد أكبر مشروعات التطوير الحضرى فى قلب القاهرة التاريخية، على مساحة 500 فدان.
المشروع يمثل نموذجًا صارخًا لفلسفة الدولة فى استعادة المساحات المهملة وتحويلها إلى مساحات حياة؛ منطقة كانت لسنوات طويلة مقلبًا للقمامة، تحولت إلى متنفس حضارى يضم حدائق وتلالًا ونهرًا صناعيًا ومناطق ثقافية وترفيهية، فضلًا عن بحيرة عين الصيرة وساحة مسجد عمرو بن العاص.
تلال الفسطاط ليست مجرد مشروع تجميلى، بل رسالة بأن العدالة العمرانية أصبحت جزءًا من مفهوم التنمية، وأن الحق فى بيئة نظيفة ومساحات عامة لائقة لم يعد امتيازًا، بل حق أصيل للمواطن.
قناة السويس
فى نوفمبر 2025، شهد الرئيس عبد الفتاح السيسى افتتاح عدد من المحطات البحرية الجديدة بميناء شرق بورسعيد، فى إطار الخطة الشاملة لتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
هذه الافتتاحات لم تكن حدثًا منفصلًا، بل حلقة ضمن مشروع استراتيجى يستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمى وعالمى للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت بحلول عام 2030.
الأرقام هنا ليست تفصيلًا عابرًا: تطوير 14 ميناء قائمًا، وإنشاء 5 موانى جديدة، بأطوال أرصفة تتجاوز 100 كيلومتر، وأعماق تصل إلى 25 مترًا؛ وقد تُوّجت هذه الجهود بتصنيف ميناء شرق بورسعيد الأول إفريقيًا والثالث عالميًا فى مؤشر أداء موانئ الحاويات الصادر عن البنك الدولى.
إنه حصاد عشر سنوات من العمل المتواصل منذ إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عام 2015، ورسالة واضحة بأن موقع مصر الجغرافى لم يعد مجرد ميزة طبيعية، بل أصل اقتصادى يُدار باحتراف.
مستقبل مصر
برز مشروع «مستقبل مصر» فى شرق العوينات كأحد أعمدة التنمية خلال 2025، فى توقيت بالغ الحساسية عالميًا، حيث أصبحت قضايا الغذاء جزءًا من معادلات الأمن القومى للدول.
المشروع يستهدف استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة بالاعتماد على المياه الجوفية ونظم الرى الحديثة، مع بنية تحتية متكاملة من طرق ومحاور ربط، وزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة والتمور.
بلغت المساحة المستهدفة للزراعة 230 ألف فدان، مع الانتهاء من المرحلة الأولى بمساحة 30 ألف فدان، وتحقيق متوسط إنتاج مرتفع لمحصول القمح. الهدف لم يكن فقط زيادة الإنتاج، بل تقليل فاتورة الاستيراد، وزيادة الصادرات الزراعية، وخلق فرص عمل حقيقية.
المدينة الصناعية
فى مايو 2025، شهد الرئيس السيسى افتتاح المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر الصناعية، المتخصصة فى التصنيع الزراعى، فى خطوة تعكس التحول من منطق الإنتاج الخام إلى منطق القيمة المضافة.
المدينة تضم صوامع غلال، وثلاجات تبريد وتجميد، ومصانع أعلاف ومجففات، بما يساهم فى تحقيق الأمن الغذائى، وتعزيز القدرات الصناعية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وفتح آفاق جديدة للتصدير.
الإدارة الذكية
ضمن مسار تحديث الدولة، تم افتتاح مجمع المصالح الحكومية للخدمات الذكية بمحافظة الوادى الجديد، كأحد أحدث الصروح الإدارية فى مصر.
المجمع، المقام على مساحة 130 فدانًا، يمثل نموذجًا للتحول الرقمى، وتبسيط الإجراءات، وربط الجهات الحكومية، بما يضمن تقديم خدمة لائقة للمواطن، ويعزز الشفافية والكفاءة.
الضبعة النووية
على صعيد الطاقة، شكّل وضع هيكل الاحتواء للوحدة الأولى بمحطة الضبعة النووية، بمشاركة الرئيسين المصرى والروسى، حدثًا بالغ الأهمية.
المشروع يعكس توجه الدولة نحو تنويع مصادر الطاقة النظيفة، وتعزيز أمن الطاقة، والالتزام بأعلى معايير السلامة الدولية، فى إطار شراكة استراتيجية ممتدة بين القاهرة وموسكو.
العاصمة والعلمين
على صعيد متصل فإن العاصمة الجديدة مستمرة فى تنفيذ وتطوير العديد من المشاريع السكنية، الإدارية والتجارية، بما فى ذلك الأبراج التجارية والمجمعات الكبرى كما أن العلمين الجديدة تتوسع كمركز حضارى وسياحى، بمشاريع عمرانية وخدمية ضخمة.
وشهد عام 2025 تنفيذ 261 ألف وحدة سكنية جديدة ضمن المبادرات الرئاسية للتنمية العمرانية، كما أن الشركة القابضة للطرق والكبارى نفذت مشروعات بـ 11.5 مليار جنيه خلال العام، تشمل تطوير محاور وطرق جديدة.
كما تم تنفيذ منظومة متكاملة لإدارة المياه فى مصر مع خطط طموحة لتأمين مياه الشرب والتحلية وتخزين الموارد المائية، وتنفيذ برنامج التنمية المحلية فى صعيد مصر شمل حوالى 5900 مشروع باستثمارات تتجاوز 32 مليار جنيه بهدف تحسين البنية التحتية والخدمات.







