بين نشوة القوائم وإحباط الفردى
هل فشلت الأحزاب فى اختبار الشعبية بالانتخابات؟
أسامة رمضان
انتهت المعركة الانتخابية، واستقرت المقاعد تحت القبة، وهدأت ضوضاء الدعاية، لكن سؤالًا واحدًا لا يزال يتردد صداه فى أروقة السياسة المصرية: هل نجحت الأحزاب فى اجتياز اختبار الشارع؟ فى حين كانت الكيانات الحزبية تحتفل بـ«نصر رقمي» كاسح عبر القوائم الوطنية، كشفت جولات الإعادة فى الدوائر الفردية عن حقيقة مغايرة تمامًا، فالمقاعد التى حسمت بـ «النقاط» فى التحالفات، واجهت «عزوفًا» لافتًا فى المواجهات المباشرة مع الناخب، نحن أمام مفارقة سياسية بامتياز: أغلبية برلمانية مريحة، يقابلها رصيد جماهيرى يحتاج إلى «إعادة نظر».
هذا التناقض يضعنا أمام فرضية «الشرعية المزدوجة»، فالقانون منح الأحزاب حق التمثيل، لكن الشارع لم يمنحها «التفويض الشعبي» الكاسح الذى تفتخر به الأحزاب الكبرى فى الديمقراطيات الراسخة، لقد تحول «نظام القائمة» إلى مظلة آمنة، احتمت بها الأحزاب من تقلبات أمزجة الناخبين، لكن بمجرد رفع المظلة فى جولات الإعادة، انكشفت الأحزاب بلا ظهير شعبى يحمى مرشحيها الفرديين.
هذا المشهد يؤكد أننا أمام «أحزاب قمة»، تجيد فن التفاوض وتشكيل القوائم، لكنها تتعثر فى فن «الحشد» والوصول إلى القواعد الشعبية فى النجوع والقرى.
إن أزمة الأحزاب الحالية ليست فى قلة الكوادر، بل فى «فقدان البوصلة» التى تربطها بجيل جديد من الناخبين، نحن نتحدث عن 70 مليون مواطن مقيدين فى جداول الناخبين، أغلبهم من الشباب الذين لا يعترفون بالشعارات الكلاسيكية، بل يحكمهم منطق «الإنجاز» ولغة التكنولوجيا.
العزوف فى جولات الإعادة لم يكن مجرد كسل، بل كان «رسالة صامتة» للأحزاب بأنها لم تقدم البديل المقنع أو البرنامج الذى يمس جيب المواطن واحتياجاته اليومية، الأحزاب زجت بنفسها فى معركة «فردية» بأسلحة «قديمة»، فكانت النتيجة هدوءًا فى اللجان وصخبًا فى النتائج الرقمية.
هذا القراءة لا تهدف للنيل من التجربة السياسية، بل هو دعوة لـ«توطين» الأحزاب؛ فالحزب الذى لا يملك القدرة على تحريك شارعه فى جولة إعادة، هو حزب يعيش على «التنفس الصناعي» للتحالفات .
البرلمان القادم، رغم قوته التشريعية، سيظل يلاحقه سؤال «التمثيل الحقيقي»، ما لم تبدأ الأحزاب من الغد فى إصلاح هياكلها، والنزول من أبراجها العاجية إلى هموم الناس، لتتحول من «أرقام فى كشوف الانتخابات» إلى «نبض فى قلوب المصريين».
اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر، وأستاذ العلوم السياسية، يقدم «روشتة» تشخيصية لأسباب الفتور الجماهيرى، حيث يرى أن تراجع الإقبال فى الإعادة هو نتاج «مثلث» من العوامل السياسية والتنظيمية والنفسية، ويوضح بجرأة أن إلغاء نتائج الجولة الأولى فى بعض الدوائر أصاب الناخب بـ«سهم الإحباط»، حيث تسرب إليه شعور بأن صوته بلا قيمة مستقرة، يضاف إلى ذلك غياب «المترجم السياسي» الذى يشرح للناس ببساطة أسباب الإلغاء وضمانات النزاهة.
ويضيف فرحات بُعدًا آخر للأزمة، وهو انصراف المنافسة فى الإعادة نحو «تصفية الحسابات الشخصية» والتحالفات العائلية، مما أفرغ العملية من محتواها البرامجى، وبالتالى سقطت الأحزاب فى فخ «الإرهاق الانتخابي» وفشلت فى إعادة شحن طاقة قواعدها، مما جعل جولة الإعادة تبدو كـ «إجراء روتيني» ثقيل على قلب المواطن، مشددًا على أن الشفافية هى «طوق النجاة» الوحيد لاستعادة الثقة المفقودة بين الناخب والصندوق.
أما خالد فؤاد، رئيس حزب الشعب الديمقراطى، فينتقل بالمكاشفة إلى سقف أعلى، مؤكدًا أن الأحزاب «رسبت» بامتياز فى اختبار الشارع، فالأحزاب تعيش فى واد والـ70 مليون ناخب فى وادٍ آخر، خاصة الشباب الذين يمتلكون أيديولوجية «رقمية» لم تستوعبها الأحزاب التقليدية بعد.
ويطرح فؤاد حقيقة صادمة: «الأحزاب تحت القبة تملك أغلبية عددية، لكنها تفتقر للأغلبية الشعبية»، موضحًا أن أى حزب ممن حصدوا مقاعد تحت القبة لم يحقق «ثلث أصوات المقيدين»، وهو الحد الأدنى لإثبات الوجود الجماهيري.
واعتبر فؤاد، غياب التمويل للأحزاب بـ «الوقود المعطل» للسياسة المصرية منذ 2011، فالأحزاب تزج بنفسها فى «معركة غير متكافئة»، مطالبًا بضرورة تعديل أساليب العمل الحزبى وفتح قنوات الاتصال المغلقة مع مؤسسات الدولة لضمان مشاركة حقيقية تليق بمصر.







