9 ألبومات فى 14 عاما ولايزال يقف فى منطقة تائهة بلا ملامح ولا توجه:
رامى جمال… ليه بتغنى؟
محمد شميس
رامى جمال… لماذا يغنى؟» السؤال ليس ساخرًا، ولا يهدف إلى التقليل من موهبة فنية حقيقية، لكنه سؤال نقدى مشروع، تفرضه الأرقام، ويستدعيه السياق، وتؤكده حصيلة مسيرة فنية ممتدة منذ عام 2011 حتى اليوم.
«رامى جمال» مطرب صدر له ما يقارب تسعة ألبومات خلال أربعة عشر عامًا، وهو رقم لا يمكن وصفه بالقليل، بل يعكس حالة من الغزارة الإنتاجية النادرة فى سوق البوب المصرى المعاصر. ومع ذلك، لم يتمكن خلال هذه السنوات من احتلال الصدارة مرة واحدة، ولم ينجح فى أن يكون منافسًا ثابتًا على القمة، لا رقميًا ولا جماهيريًا، رغم حضوره الدائم واستمراريته.
فى عام 2025 وحده، بلغ إجمالى مشاهدات «رامى جمال» على منصة «يوتيوب» نحو 209 ملايين مشاهدة، وهو رقم يضعه خلف أسماء مثل «أحمد سعد، ورامى صبرى، ومحمد حماقى، وتامر عاشور، وتامر حسنى»، بل خلف غالبية نجوم البوب المنتمين إلى الفئة نفسها. والبوب، بوصفه اختصارًا لكلمة Popular، يقوم فى جوهره على الرواج الجماهيرى، حيث تصبح الأرقام معيارًا أساسيًا للحكم على النجاح. والمفارقة أن هذا التراجع يحدث رغم طرح ألبومين كاملين خلال عام واحد، بفاصل زمنى قصير.
ولتقدير حجم الفجوة الجماهيرية بين «رامى» وزملائه فى الفئة ذاتها، يكفى القول إن أغنية (بابا) لـ«عمرو دياب» وحدها تعادل تقريبًا إجمالى عدد مشاهدات «رامى جمال» طوال العام، وينطبق الأمر نفسه على أغنية (أحلى رسمة) لـ«فضل شاكر». هنا، يعود السؤال نفسه بإلحاح:
ما الدافع الحقيقى وراء الغناء؟ وهل يكفى الاستمرار دون تطور أو تحول؟
>التريند كبديل للنجاح
بعد طرح ألبوم (مطر ودموع)، صدرت تصريحات صحفية لـ»رامى جمال» تؤكد «تصدّر» إحدى عشرة أغنية من أصل اثنتى عشرة لقوائم الترند، مع الإشارة إلى «المكانة التى وصل إليها» الألبوم على المنصات الرقمية. هذه التصريحات، التى نُقلت حرفيًا فى وسائل إعلامية كبرى، تعكس خللًا فى فهم مفهوم النجاح، وخللًا أكبر فى الدور المهنى للصحافة الفنية.
فالتريند، بطبيعته، ظاهرة لحظية، مرتبطة بالفضول لا بالاستمرارية. دخول العمل إلى قائمة الأكثر بحثًا أو مشاهدة فى لحظة صدوره لا يعنى أنه حقق نجاحًا حقيقيًا، بل يعنى فقط أن الجمهور أراد الاطلاع عليه. النجاح يبدأ بعد هذه اللحظة، حين يتحول الفضول إلى متابعة، والاستماع العابر إلى استهلاك مستمر.
المفارقة أن أغنية (بعتينى ليه)، التى جمعت «عمرو مصطفى» و«زياد ظاظا»، وصدرت قبل ألبوم «رامى جمال» بأيام، حققت انتشارًا وتفاعلًا أكبر من جميع أغانى الألبوم، رغم أنها تجربة صنعت فى وقت قصير، وبإمكانيات محدودة، لكنها اعتمدت على فكرة المشاركة الحقيقية، والاختلاف الواضح فى الأداء والهوية الصوتية.
>حين يصبح الـ «top 10» شخصيًا
وبما أننا أمام حقيقة رقمية تؤكد إخفاق «رامى جمال» فى التواجد ضمن قوائم الأكثر استماعًا على مختلف المنصات، يصبح من الضرورى التوقف عند أزمة أخرى تكشفها أرقامه هو نفسه. فعند النظر إلى قائمة أكثر عشر أغنيات استماعًا لـ«رامى جمال» على «يوتيوب» خلال عام 2025، سنجد أن أغنية واحدة فقط أُنتجت فى العام ذاته، وهى تعاونه مع الفنان «حمزة نمرة». والمفارقة أن هذه الأغنية لا تنتمى، بأى شكل، إلى المنهج الفنى الذى يعتمد عليه «رامى جمال» فى معظم أعماله، والقائم على موضوعات الهجر والفراق والاشتياق، وكل ما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة من منظور عاطفى محدود، على عكس أغنية (قبلت التحدى) التى تتناول موضوعات أوسع، وتقترب فى طرحها من بعد إنسانى وفلسفي.
هنا يصبح التقييم الرقمى أكثر قسوة، لأنه لا يقوم على مقارنة الفنان بغيره، بل على مقارنته بنفسه، حيث يتضح أن إنتاجه الجديد لم ينجح فى تحقيق الأثر الجماهيرى الذى حققته أعماله السابقة، بدليل وجود أغنية وحيدة أنتجت فى عام 2025 وحلت فى المرتبة الثالثة، بينما باقى المراكز العشر لـ«رامى» نفسه كلها أغنيات قديمة!
>مطر ودموع… مجاز مستهلك
يحمل الألبوم عنوان (مطر ودموع)، وهو عنوان يكاد يختصر مضمونه بالكامل: دموع، فراق، وأسئلة ما بعد الانفصال، مع مجاز مباشر يربط بين قطرات المطر ودموع العين. فكرة قد تبدو شاعرية للوهلة الأولى، لكنها استُهلكت إلى حد الاحتراق. فعلى سبيل المثال، أحد أبرز منافسى «رامى جمال» فى الفئة نفسها، الملحن والمغنى «تامر عاشور»، قدّم إحدى أشهر أغانيه بجملة: «ونازلة دموعى سألانى هيتعوض بمين تانى»، وهو المعنى ذاته الذى تعيد أغنية «رامى جمال» الحديثة إنتاجه بعبارة: «ودعتينى وجوا فى عينى دموع سألاني.. هو هيحصل إمتى ما بينا رجوع من تانى».
ولا يقتصر استهلاك هذا المجاز على الأغنية العربية وحدها، بل يمتد إلى التجربة العالمية. ففرقة «Aphrodite’s Child « قدّمت عام 1968 أغنية بالعنوان نفسه (Rain and Tears)، بصوت الفنان العالمى المصرى الأصل «ديميس روسوس»، وبالروح ذاتها، والرمز نفسه، لكن فى سياق فنى أكثر جرأة ووعيًا بزمنه. فى حالة «رامى جمال»، لا نجد إعادة قراءة للمجاز، ولا «تفكيكًا» لمعناه، ولا حتى محاولة لتقديم زاوية جديدة؛ ما يحدث هو إعادة تدوير فكرة قديمة استُهلكت محليًا ودوليًا، دون إضافة فنية حقيقية.
المشكلة هنا لا تتعلق بجودة التوزيع أو مستوى الأداء، بل بغياب الرؤية. فالمسئولية، فى النهاية، تقع على عاتق صاحب المشروع الفنى، لا على الصناع المشاركين فيه.
>أزمة الهوية الغائبة
المعضلة الأساسية فى تجربة «رامى جمال» ليست فى أغنية بعينها، بل فى غياب مشروع فنى واضح. لا توجد هوية يمكن الإمساك بها، ولا مسار يمكن تتبعه. فهو ليس صاحب خطاب شبابى محدد يستهدف المراهقين مثل «تامر حسنى»، ولا مشروع اجتماعى مثل «حمزة نمرة»، ولا صورة ذهنية مستقرة مرتبطة بالشجن والحزن مثل «تامر عاشور»، ولا بصمة موسيقية ممتدة ومتطورة مثل «محمد حماقى».
«رامى جمال» يقف فى منطقة تائهة، بلا ملامح حادة، وبلا توجه واضح، وهو أخطر موقع يمكن أن يقف فيه فنان بوب.
>المفارقة الكبرى: «رامى جمال» الملحن
المفارقة المؤلمة أن «رامى جمال»، كملحن، يمتلك شخصية فنية واضحة، بل مؤثرة. أعماله مع «بهاء سلطان»، تامر حسنى، تامر عاشور، شيرين عبد الوهاب، فضل شاكر، ومحمد حماقى»، تشهد على قدرة لحنية مميزة، وعلى حس درامى صادق.
لدرجة أن عند الاستماع إلى بعض هذه الأعمال بأصوات أصحابها، تظهر شخصية الملحن بوضوح أكبر من شخصية المغنى الأصلي. ومع ذلك، اختار «رامى جمال»، بإرادته، أن يتخلى عن هذا الدور عندما غنى بشكل منفصل، وأن يتحول إلى مغنٍ ينتقى أعماله من خارج عالمه، دون أن يفرض عليها بصمته كصانع، أو ملحن لأعماله حتى نجد ذاتية واضحة فى أعماله!
>أغنية كانت كفيلة بتغيير المسار
تُعد أغنية (سقف) الأكثر نجاحًا فى مسيرة «رامى جمال»، والمفارقة أنها لم تكن أغنية عاطفية، ولم تعتمد على ثنائية الرجل والمرأة، ولم ترتبط بموسم بعينه أو حالة وجدانية محددة. جاءت أغنية مفتوحة الدلالة، قابلة للاستخدام الاجتماعى، فى الحفلات والتجمعات، وقادرة على بث طاقة إيجابية تتجاوز المزاج الفردى الضيق. وفى تقديرى، كانت (سقف) فرصة حقيقية لبناء مسار مختلف، وكان من الممكن أن يشكّل نجاحها نقطة فاصلة فى مشوار «رامى جمال»، تُغذَّى من خلالها ألبوماته اللاحقة بأفكار تستكمل هذا الطريق، وتبتعد عن النمط العاطفى التقليدى، بما يمنحه تميّزًا داخل السوق.
غير أن التعامل مع الأغنية جاء بوصفها نجاحًا عابرًا لا نقطة تحول. والسبب ببساطة أن الأغنية لم تكن نتاج رؤية أو تخطيط مسبق، بل جاءت كصنعة وليدة الصدفة، على غرار كثير من أعماله الأخرى. إذ لا يظهر فى تجربة «رامى جمال» منهج واضح أو مسار محدد، بل مجموعة من التجارب المشتتة، التى قد تصيب أحيانًا وتفشل أحيانًا أخرى، دون أن تُراكم مشروعًا فنيًا قابلا للتطور والاستمرار.







