الصفقة التى هزت عرش هوليوود
«نتفليكس» تستحوذ على إرث «وارنر براذرز»
آلاء شوقى
لحظات من الانتظار المفعمة بالحماسة -سواء على شاشات العرض الكبيرة أو الصغيرة - حينما تنطفئ الأضواء، وتبدأ الشاشة فى عرض أفلام شكلت جزءًا من حياة الكثيرين.. فكانت الفرحة تغمر القلوب عند رؤية أبطال الأحلام على الشاشة، يخلقون نوعًا من السحر والدهشة.. على هذه الوتيرة، ترعرعت أجيال كاملة على أفلام «وارنر براذرز»، مثل: (هارى بوتر)، و(ماتريكس)، (سيد الخواتم)، وحتى (سوبر مان، وبات مان)، وصولًا إلى (لونى تونز)، ومسلسل (الأصدقاء) كاملًا. غير ذلك من أفلام ومسلسلات امتلكت قدرة فريدة على جذب المشاهدين من جميع أنحاء العالم، وجعلتهم يعيشون تجارب فنية لا تُنسى.
واليوم، وبعد أكثر من قرن من الأفلام والمسلسلات التى لا تعد ولا تحصى، برزت صفقة تغير مجرى الأحداث، وتثير التساؤلات والمخاوف فى آن واحد، إذ أعلنت شركة «نتفليكس» عن صفقة للاستحواذ على «ووارنر براذرز ديسكفرى»، تقدر قيمتها بنحو 72 مليار دولار، فى حدث هز - حرفيًا - أركان صناعة السينما، والبث الرقمى فى هوليوود.
وذلك بعد النظر إلى تاريخ شركة «وارنر براذرز بيكتشرز» التى تأسست عام 1923 على يد الإخوة «هارى، وألبرت، وصامويل، وجاك وارنر»، ولها تاريخ من الأفلام القوية التى تصدرت شباك التذاكر لعقود طويلة، واستحوذت على مئات من جوائز الأوسكار وغيرها؛ وفى المقابل، انطلاق «نتفليكس» عام 1997 كشركة لتأجير أقراص (DVD) عبر البريد، ونمت لتصبح اليوم أكبر خدمة بث ومنصة فى العالم.
> إمبراطوريتان تحت مظلة واحدة
تأتى صفقة الاستحواذ المقترحة بعد منافسة شرسة بين «نتفليكس»، وشركات أخرى مثل: «باراماونت» و«كومكاست»، لشراء «وارنر براذرز ديسكفرى».
وعلى موقعها الرسمى أكدت «نتفليكس» أن قيمة الصفقة النقدية والأسهم تُقدر بـ 27.75 دولار أمريكي للسهم الواحد، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 82.7 مليار دولار أمريكى، وهو ما سيشكل تحولًا جذريًا فى صناعة البث.
وستضم الصفقة تحت سقف واحد استوديوهات «وارنر براذرز»، بالإضافة إلى شبكة «HBO»، و«HBO Max»، مما يعزز مكتبة «نتفليكس» الحالية من الأفلام والمسلسلات.
من جانبه، قال «تيد ساراندوس» الرئيس التنفيذى المشارك لـ«نتفليكس»، إنه: «من خلال الجمع بين مكتبة «وارنر براذرز» الرائعة من المسلسلات والأفلام - من الكلاسيكيات الخالدة، مثل: (كازابلانكا) و(المواطن كين)، إلى الأعمال الحديثة المفضلة مثل (هارى بوتر)، وغيرها، مع عناويننا التى تُعرف بالثقافة المتنوعة، مثل: (لعبة الحبار)، و(صائدو شياطين الكيبوب)، سنتمكن من أن نمنح الجماهير المزيد مما يحبونه، ونساهم فى رسم ملامح القرن المقبل من سرد القصص».
وبشكل عام، اعتبرت وثيقة «نتفليكس»، أن الدمج سيوفر خيارات أوسع، وفرصًا أكبر، وقيمة أكبر.
على كل، يُعتبر هذا الدمج خطوة حاسمة فى استراتيجية «نتفليكس»، التى تهدف إلى تعظيم قوتها السوقية، وتعزيز مكتبتها الرقمية، فى وقت أصبح فيه التنافس فى سوق البث المباشر أكثر حدة من أى وقت مضى.
> ردود الفعل السياسية والتنظيمية
أثارت الصفقة اهتمامًا سياسيًا كبيرًا، حيث أعرب الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» عن مخاوفه من أن تصبح «نتفليكس» ذات حصة سوقية كبيرة للغاية، ما قد يخلق تحديات لمفهوم المنافسة العادلة فى السوق.
وعليه، أكد «ترامب» أنه سيشارك شخصيًا فى اتخاذ القرار بشأن الموافقة على الصفقة؛ مضيفًا أن الحجم الكبير للشركتين بعد الاندماج قد يمثل مشكلة، فيما يخص المنافسة، وفرص العاملين فى الصناعة.
جاء ذلك، بعد أن أفادت «بلومبيرج نيوز» بأن الرئيس التنفيذى المُشارك لشركة «نتفليكس»، «تيد ساراندوس»، زار «ترامب» فى منتصف نوفمبر الماضى لمناقشة الاندماج، حيث قال الرئيس الأمريكى «التقيت بتيد.. أعتقد أنه رائع»، فى تصريح مغاير لمخاوفه الأخيرة!
من جهتها، تسلط الهيئات التنظيمية الأمريكية والأوروبية الضوء على تأثير الصفقة على المستهلكين، وسوق العمل فى صناعة السينما، وهو ما قد يؤدى إلى تدقيق قانونى دقيق قبل السماح بإتمام الصفقة.
فقوانين مكافحة الاحتكار داخل الولايات المتحدة، تهدف إلى منع اندماج الشركات الكبرى، التى قد تؤدى إلى تقليص المنافسة بشكل ضار، تحديدًا فى سوق البث، خاصة فى ظل وجود لاعبين كبار آخرين، مثل: «يوتيوب»، و«أمازون»، و«أبل» فى الساحة.
وعليه، دعا بعض السياسيين، مثل عضو الكونجرس الأمريكى «داريل عيسى» لمراجعة دقيقة للصفقة، بسبب المخاوف من احتكار السوق؛ بينما حذرت السناتور الديمقراطية «إليزابيث وارن» من أن هذه الصفقة قد تمثل تهديدًا للتعددية فى سوق البث الرقمي؛ كما قال السيناتور الجمهورى «مايك لى» إن عملية الاستحواذ يجب أن ترسل إنذارات إلى مسئولى مكافحة الاحتكار فى جميع أنحاء العالم.
> قلق من الاحتكار وتقلص فرص العمل
مثلما انتاب القلق عالم السياسة، كان التوتر سيد المشهد فى عالم الفن، فإعلان الصفقة لم يمر مرور الكرام، إذ أثار العديد من المخاوف داخل أوساط هوليوود، سواء على مستوى الكتاب والمخرجين، أو النقابات السينمائية.
فالنقابات السينمائية وأصحاب دور العرض أبدوا قلقهم من التداعيات السلبية التى قد تترتب على هذه الخطوة، مثل: فقدان فرص العمل، وتقليص عرض الأفلام فى دور السينما، رغم تأكيد «نتفليكس» أنها ستساهم فى خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الإنتاج المحلي؛ إلا أن بعض النقاد يجادلون بأن هذه الصفقة، قد تؤدى إلى تراجع عدد الوظائف فى القطاع، وتقليص تنوع العروض.
فحذرت نقابات الكتاب الأمريكيين من أن هذه الصفقة قد تعزز من احتكار السوق على حساب التنوع الإبداعي؛ فضلًا عن خفض الأجور، وصنع القرار على يد عدد قليل من الشركات، مما يؤثر سلبًا على المبدعين فى مجال صناعة السينما والتليفزيون؛ قائلة، إنه: «يجب منع هذا الاندماج.. قيام أكبر شركة بث فى العالم بابتلاع أحد أكبر منافسيها، هو ما صُممت قوانين مكافحة الاحتكار لمنعه».
فى هذا السياق، أعرب المخرج الشهير «جيمس كاميرون» عن قلقه من أن هيمنة منصة واحدة، مثل «نتفليكس» على هذا الكم الهائل من المحتوى، ما قد يقضى على المنافسة فى الإنتاج السينمائى، ما سيحرم الجمهور من الحصول على خيارات متنوعة من الأفلام والبرامج.
من جانبها، كتبت الممثلة «جين فوندا» فى مقال رأى نشر على موقع «ذا أنكلر» أن الصفقة تضع هوليوود والديمقراطية فى خطر؛ معتبرة أن الدمج على هذا النطاق سيكون كارثيًا بالنسبة لصناعة مبنية على حرية التعبير، وللعمال الإبداعيين الذين يديرونها، وللمستهلكين الذين يعتمدون على نظام إعلامى حر ومستقل لفهم العالم.
وعلى صعيد متصل، حذرت «سينما يونايتد» -وهى منظمة تمثل 30 ألف شاشة عرض فى الولايات المتحدة- من أن الصفقة قد تؤدى إلى تراجع فى أعمال دور العرض السينمائى بنسبة تصل إلى 25 %، مما يعكس تزايد القلق بشأن مستقبل دور السينما التقليدية، فى ظل توسع منصات البث الرقمى.
>تأثيرات طويلة الأمد على الصناعة
على كل، لم يتم إتمام الصفقة رسميًا لأنها تحتاج أولًا إلى موافقة الجهات التنظيمية والفيدرالية الأمريكية، وموافقة المساهمين. وبحسب «نتفليكس»، من المتوقع إتمام الصفقة فى الربع الثالث من عام 2026.
ومهما كانت النتيجة النهائية لهذه الصفقة، فإن تأثيراتها ستكون هائلة على صناعة الترفيه العالمية، وفقًا لأغلب تصريحات وسائل الإعلام الأمريكية، والنقاد، وحتى صناع السينما.>







