مصر تقود جهودإعادة إعمار غزة
آلاء البدرى
تتصدر مصر المشهد الإقليمى فى جهود إعادة إعمار قطاع غزة، مستندة إلى خبرتها السياسية والإنشائية وموقعها الجغرافى الاستراتيجي، لدعم الشعب الفلسطينى الذى عانى من موجة عنف غير مسبوقة. بدأت القاهرة فى ترجمة تعهداتها إلى خطوات عملية، حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن استضافة مصر لمؤتمر دولى لإعادة الإعمار. ولم يقتصر الدور المصرى على هذا الإعلان، بل امتد ليشمل جهودًا دبلوماسية حثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار، وتوفير بيئة آمنة تمهد لإعادة بناء البنية التحتية واستعادة الحياة الطبيعية لسكان غزة، فى خطوة تعكس التزام القاهرة التاريخى بالقضية الفلسطينية. خطة إعمار شاملة
وضعت مصر خطة إعمار شاملة وقابلة للتنفيذ لقطاع غزة، تستند إلى رؤية عربية متكاملة تهدف إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب، وتحقيق تعافٍ اقتصادي، اجتماعي، سياسي، وإنسانى مستدام لسكان القطاع. ترتكز الخطة على خمس أولويات رئيسية: إزالة الأنقاض، بناء المساكن، ترميم البنية التحتية التى دمرتها الحرب بالكامل، توفير الخدمات الأساسية، ودعم القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
صادق الزعماء العرب على هذه الخطة، التى تبلغ تكلفتها 53 مليار دولار، خلال قمة طارئة سابقة عُقدت فى القاهرة، وحظيت بدعم أوروبى واسع. تمتد الخطة على مدار خمس سنوات، مقسمة إلى ثلاث مراحل: الاستقرار، الإعمار، والتنمية الاقتصادية، بهدف تحويل غزة إلى منطقة مكتفية ذاتيًا سياسيًا واقتصاديًا.
تقترح الخطة تشكيل لجنة إدارية انتقالية من شخصيات مستقلة غير حزبية، تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية لتولى إدارة القطاع بعد ستة أشهر. يعكس هذا الترتيب رغبة إقليمية ودولية فى إعادة هيكلة الحكم المحلى فى غزة، بما يضمن الاستقرار ويسهل تنفيذ مشاريع الإعمار. تأتى هذه المبادرة فى إطار موقف مصرى ثابت يؤكد على أحقية الفلسطينيين فى العيش على أرضهم، ويسعى لتحويل مسار الأزمة من الإخلاء القسرى أو الاستبعاد إلى إعادة الإعمار والتنمية.
مؤتمر دولى لإعمار غزة
تعتزم مصر استضافة مؤتمر دولى للتعافى المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة فى نوفمبر المقبل، فى خطوة تعكس التزامها التاريخى بدعم القضية الفلسطينية وتعزيز الاستقرار الإقليمى. أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن أهمية عقد هذا المؤتمر فى القاهرة، بالتنسيق مع دول أوروبية وعربية، من بينها فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، وتركيا، وذلك على هامش قمة شرم الشيخ للسلام.
يهدف المؤتمر إلى تنسيق الجهود الدولية لإعادة بناء ما دمرته الحرب، تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، ووضع أسس تنموية طويلة الأمد لضمان الاكتفاء الذاتى لسكان غزة. كما يتوقع أن يناقش آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتوفير بيئة آمنة لبدء مشاريع الإعمار، بما يشمل البنية التحتية، الخدمات الطبية، إعادة بناء المستشفيات المدمرة، والقطاعات التعليمية والطاقة. حظى التحرك المصرى السريع لإعادة الإعمار بترحيب دولى واسع، ويُنظر إليه كخطوة محورية لتحويل الهدنة إلى سلام دائم.
توفير الدعم الميدانى
تتمتع الشركات المصرية بالجاهزية للعمل الميدانى فى غزة، مستندة إلى خبرتها السابقة فى إعادة إعمار القطاع بعد الحروب السابقة، ما يجعلها مؤهلة لتنفيذ المشاريع بسرعة وكفاءة، إلى جانب معرفتها المتعمقة بجغرافيا غزة. أبدت العديد من الشركات العملاقة استعدادها الكامل لحشد طواقمها ومعداتها وإرسالها إلى القطاع فور استقرار الوضع الأمنى.
يعد هذا الحضور الميدانى امتدادًا لتجارب سابقة ناجحة، ولا يقتصر على إعادة بناء البنية التحتية، بل يشمل أيضًا إعادة بناء الثقة وفتح آفاق اقتصادية جديدة لسكان غزة ضمن رؤية تنموية شاملة تقودها مصر بدعم عربى ودولى.
تقدر الأمم المتحدة وجود أكثر من 42 مليون طن من الركام فى غزة، مشيرة فى تقرير إلى أن هذه الكمية تعادل 14 ضعف الأنقاض المتراكمة فى القطاع بين 2008 وبداية الحرب فى أكتوبر 2023، وأكثر من خمسة أضعاف الكمية التى خلفتها معركة الموصل فى العراق بين 2016 و2017. وأوضحت المنظمة أن إزالة هذه الكمية قد تستغرق 14 عامًا وتتكلف 1.2 مليار دولار.
المساعدات الإنسانية
يُعد تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الأسر فى غزة من أبرز الإجراءات التى تتبناها مصر ضمن جهود إعادة الإعمار. كشفت التقارير أن القاهرة ساهمت بنحو 70 % من إجمالى المساعدات التى وصلت إلى القطاع. تعمل مصر على ثلاثة مسارات متوازية: أمني، إنساني، وسياسي، لضمان تدفق الإغاثة دون عراقيل، خاصة عبر معبر رفح، الذى تحول إلى شريان حياة للغزيين.
شملت المساعدات آلاف الأطنان من الغذاء، الدواء، والخيام، إلى جانب استقبال المصابين والجرحى فى المستشفيات المصرية. كما أكدت مصر على توسيع الجانب الإنسانى فى الاتفاق، ليتيح للجهات المعنية تقديم المساعدات بحرية أكبر، لتشمل ليس فقط المواد الغذائية، بل أيضًا الأجهزة والمستلزمات الطبية، شاحنات الوقود اللازمة لتشغيل المستشفيات ومحطات تحلية المياه، معدات إزالة الركام، المنازل المتنقلة، ومواد البناء الضرورية لبدء الإعمار.
تضمن الاتفاق إعادة تشغيل معبر رفح لحركة الأفراد فى الاتجاهين، ما يسمح بعبور الجرحى لتلقى العلاج والأسرى، فضلًا عن تسهيل دخول المساعدات.
الدبلوماسية المصرية
تواصل مصر أداء دورها السياسى والدبلوماسى بثبات لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان استمرارية السلام، إدراكًا منها أن الإعمار لا يمكن أن يتحقق فى ظل بيئة أمنية هشة. لعبت القاهرة دور الوسيط النزيه منذ بداية الأزمة، حيث قادت مفاوضات معقدة بين الأطراف المعنية، ونجحت مع الشركاء فى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل، تُوّج فى قمة شرم الشيخ للسلام التى جمعت قادة وممثلى أكثر من 25 دولة.
تستند الجهود المصرية إلى رؤية استراتيجية تسعى لتحويل الهدنة إلى مسار سياسى دائم، يضع حدًا لدائرة العنف، ويعيد ترتيب الأولويات الإقليمية على أسس الشراكة والتنمية، لا الحرب والاستعمار. تعمل مصر على حشد الدعم الدولى لضمان تنفيذ بنود الاتفاق دون خلل من أى طرف، بما فى ذلك انسحاب القوات من مناطق التماس وفتح المعابر الإنسانية بشكل دائم.
هذا الدور لا يقتصر على الوساطة، بل يعكس مسئولية تاريخية تتبناها القاهرة تجاه القضية الفلسطينية، ويعزز مكانتها كقوة دبلوماسية قادرة على صناعة التفاهمات الكبرى فى الشرق الأوسط والعالم.











