لماذا تطلب مصر اللجوء للتحكيم الدولى فى أزمة سد النهضة
حكم القانون فى قضية الســد الإثيوبى

أحمد إمبابي
فى تطور جديد لمسار قضية سد النهضة الإثيوبى، طرحت مصر، ولأول مرة، إمكانية اللجوء إلى «التحكيم الدولى»؛ لإنهاء الخلاف القائم بين دولتىّ المصب (مصر والسودان)، والجانب الإثيوبى، بشأن إقامة مشروع السد، بتصرف أحادى، يخالف قواعد القانون الدولى.
جاء الطرح المصرى، بإمكانية اللجوء للتحكيم الدولى فى نزاع السد الإثيوبى، خلال كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى ألقاها وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطى، حينما أشار إلى أن «القاهرة على أتم الاستعداد لتناول الموقف القانونى للسد، فى آليات القضاء أو التحكيم الدولية، إذا صدقت النية للاحتكام لهذه الآليات»، فى إشارة للجانب الإثيوبى.
الواقع أن إعلان القاهرة، عن استعدادها لخطوة التحكيم الدولى، فى هذا التوقيت، يشير إلى جملة من الأبعاد المتعلقة بآليات التعاطى المصرى، مع الواقع الذى بات عليه «السد الإثيوبى» حاليًا، بعد إعلان أديس أبابا تدشينه رسميًا، فى التاسع من سبتمبر الماضى، وبالتالى هو تحرُّك، يستهدف التعامل مع سياسة «الأمر الواقع» التى اتبعتها إثيوبيا على مدى نحو 14 عامًا، والتى لم يَعُد يُجدى معها مسار «التفاوض».
وربما هذا ما فسّره وزير الخارجية فى كلمته، حينما أشار إلى أن «مصر لن تتهاون فى حماية حقوقها المائية، وأنها قادرة على ذلك، وميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولى، تحمى المصالحة المصرية الوجودية فى نهر النيل»، فى مواجهة سياسات إثيوبية أحادية، تستهدف زعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقى وحوض النيل الشرقى.
واقعيًا لم يعد مسار التفاوض مجديًا، بَعد أن أعلنت مصر، إنهاء مسار التفاوض مع الجانب الإثيوبى فى ديسمبر 2023، بعد فشل كل جولات التفاوض على مدى نحو 13 عامًا، لكن السؤال الذى يطرح نفسه هو، إلى أى مدى خطوة «التحكيم الدولى» ممكنة فى قضية السد الإثيوبى؟، وإلى أى مدى يمكن أن تحمى الحقوق المصرية فى مياه النيل؟.
قواعد التحكيم الدولى
والمعنى من التحكيم الدولى، هو اللجوء إلى جهاز قضائى دولى، معنىّ بفض النزاعات بين الدول، وهذا الجهاز، هو «محكمة العدل الدولية»، وهى الجهة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، ومقرها فى لاهاى بهولندا، ويتمثل دورها فى تسوية المنازعات القانونية التى تُعرَض عليها من الدول؛ وفقًا للقانون الدولى.
وتستند مصر فى هذه الخطوة، إلى مواثيق دولية؛ حيث تشير المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، التى تُلزم الدول بحلّ نزاعاتها بالوسائل السلمية، بما يشمل التحكيم والقضاء الدولى، إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى المائية الدولية التى تنصّ فى المادة 33 على حقّ الأطراف فى اللجوء للتحكيم أو التسوية القضائية فى حالة فشل المفاوضات.
غير أن، من آليات اللجوء للتحكيم الدولى، «ضرورة موافقة جميع الأطراف المعنية للخضوع للتحكيم الدولى»، ما يعنى قبول «الدول الثلاثة» بهذه الخطوة، وهو إجراء رجّح وزير الخارجية المصرى عدم حدوثه، لعدم قبول إثيوبيا بتلك الخطوة، حينما أشار فى كلمته إلى أنه «إذا صدقت النية للاحتكام لهذه الآليات، والأمر الذى لم ولن يتوفر».
ولا تريد إثيوبيا تلك الخطوة، وهو ما عبرت عنه فى رسالتها إلى مجلس الأمن، منتصف شهر سبتمبر الماضى، ردًا على الخطاب المصرى إلى المجلس، الذى يسجل رسالة احتجاج مصرية على إعلان أديس أبابا تدشين السد، دون اتفاق قانونى؛ حيث أشارت أديس أبابا فى رسالتها إلى أن «لجوء مصر إلى طلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية، سيحملها مسئولية أضرار تلحق بدول حوض النيل» على حد زعمها.
اتفاقيات تحفظ حقوق مصر
نقطة التوقف الأخرى، تتعلق بالدفوع القانونية التى تستند إليها الدولة المصرية؛ لحماية مصالحها المائية الوجودية، ذلك أن مصر تحتفظ بعدد من الاتفاقيات والمعاهدات التى تم توقيعها فى عهود مختلفة، وتحفظ حقوقها المائية من مياه النيل، سواء الجزء الخاص بمياه النيل الأبيض الذى ينبع من بحيرة فيكتوريا بأوغندا، أو جزء مياه النيل الأزرق الذى ينبع من بحيرة تانا فى إثيوبيا.. ومن هذه الاتفاقيات ما يلى:
بروتوكول 1891:
وهو بروتوكول وقع بين بريطانيا العظمى نيابة عن مصر والسودان، وإيطاليا نيابة عن إثيوبيا التى كانت تحت الاحتلال الإيطالى، الموقَّع فى روما 15 إبريل 1891 بشأن نهر عطبرة وتعيين الحدود بين إريتريا والسودان، وينص البروتوكول فى المادة الثالثة منه على أن تتعهد إيطاليا بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للرّى من شأنها أن تؤثر تأثيرًا محسوسًا على كمية مياه نهر عطبرة التى تصب فى نهر النيل».
اتفاقية 1902:
وجرَى توقيعها بين بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا فى عام 1902 بشأن النيل الأزرق ونهر السوباط وبحيرة تانا.. ونصّت المادة الثالثة من هذه المعاهدة على أن يتعهد الإمبراطور منليك الثانى ملك ملوك إثيوبيا أمام بريطانيا العظمى بألا ينشئ أو يسمح بإقامة أى عمل على نهر النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط؛ من شأنه تعطيل سريان المياه إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع الحكومة البريطانية وحكومة السودان.
معاهدة 1906:
المعاهدة الموقَّع عليها فى لندن فى 9 مايو عام 1906 بين بريطانيا والكونغو، وفيها تتعهد الكونغو بألا تقيم أو تسمح بأن تقام أعمال على أو بالقرب من سميليكى يكون من شأنها انقاص حجم المياه التى تدخل بحيرة ألبرت دون موافقة السودان.
اتفاقية 1906:
اتفاقية لندن الموقَّعة فى 13 ديسمبر 1906، بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بشأن دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر والحفاظ على حقوق مصر فى مياه النيل.
حيث ينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معًا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أية إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى.
مذكرات 1925:
المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا 1925 بشأن تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده والنيل الأبيض لمصر وامتياز إنشاء خزان على بحيرة تانا، والتى تثبت اعتراف إيطاليا بحقوق الأولوية المائية لمصر والسودان على النيلين الأزرق والأبيض وروافدهما، وفيها تتعهد إيطاليا بالامتناع عن أى عمل من شأنه أن يُعَدل من حجم المياه فى تلك الأنهار بدرجة محسوسة.
اتفاقية مياه النيل 1929:
اتفاقية مياه النيل 1929 بين كل من مصر وبريطانيا العظمى نيابة عن (السودان- كينيا- تنزانيا- أوغندا) بشأن عدم إقامة أى أعمال رى أو توليد قوَى ولا تتخذ أى إجراءات على النيل وفروعه والبحيرات التى ينبع منها بشأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل إلى مصر أو تغيير مواعيده أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق الضرر بمصالح مصر.
اتفاق 1949:
الاتفاق بشأن إنشاء خزان أوين بأوغندا عام 1949، 1953 بشأن التعاون بين مصر وأوغندا فى بناء خزان أوين على بحيرة فيكتوريا، وذلك بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء بأوغندا والتخزين لصالح مصر خاصة قبل بناء السد العالى.
اتفاقية 1959:
اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه حوض النيل بين مصر والسودان فى عام 1959، وهذه الاتفاقية مكملة لاتفاقية 1929، وتم توقيعها بين مصر والسودان بعد حصول كل منهما على الاستقلال؛ حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك، وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإنشاء عدد من الخزانات فى أسوان.
وتتكون اتفاقية 1959 من ستة أبواب، الأول عن الحقوق المائية المكتسبة للبلدين قبل بناء السد العالى التى كانت تبلغ 48 مليار متر مكعب لمصر، و4 مليارات متر مكعب للسودان، وذلك حسب ما جاء فى اتفاقية 1929. والباب الثانى ينص على حصتىّ مصر والسودان بعد استكمال بناء السد العالى والاستفادة بمياه النيل التى كانت تفقد إلى البحر المتوسط، لتصبح حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب وحصة السودان 18.5 مليار متر مكعب فى السنة.
توسعة محطة خزان أوين 1991:
فى مايو 1991، اتفقت مصر وأوغندا على تنفيذ مشروع توسيع محطة كهرباء الخزان، ونص الاتفاق على احترام اتفاقية عام 1953 الخاصة بإنشاء الخزان.
ولمصر بعثة رى رسمية فى أوغندا، جزء منها مدير عام الإدارة العامة للخزان، الذى يجرى تعيينه إلى الآن، وبحسب الاتفاقيات بين القاهرة وكمبالا فإن مهندسًا مصريًا مقيمًا يعمل فى المشروع بدرجة مدير عام الإدارة العامة للخزان، ويقيم بمدينة جنجا، ويساعده مهندسا رى مصريان، وغالبًا ما يكون هو رئيس بعثة الرى المصرية هناك.
اتفاقية 1993:
اتفاق موقّع بين مصر وإثيوبيا فى 1 يوليو 1993 سُمّى باتفاق القاهرة بشأن وضع إطار عام للتعاون بينهما لتنمية موارد مياه النيل وتعزيز المصالح المشتركة، وتضمّن ذلك الاتفاق على تعهد الطرفين بالامتناع عن إجراء أى نشاط يُلحق ضررًا بمصالح الطرف الثانى فى الاستفادة بمياه النيل، مع التأكيد على التعهد بالتشاور والتعاون فى المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، والعمل سويًا على زيادة حجم التدفق، وكذلك تقليل الفاقد من مياه النيل فى إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة، ولم يتم التصديق على تلك الاتفاقية بسبب محاولة اغتيال الرئيس مبارك 1995، مما ترتب عليه توقف التعاون بين الدولتين.
مبادرة حوض النيل 1999:
مبادرة حوض نهر النيل؛ حيث قام وزراء المياه بدول الحوض، بإطلاقها فى عام 1999، وأوجدت مبادرة حوض النيل مسارًا كبيرًا من التعاون مما ساهم فى تحديد مشروعات كثيرة للتنمية بدول حوض النيل أهمها سد بوجاجالى بأوغندا وسد تكيزى بإثيوبيا وسد تانا بلس بإثيوبيا وسد مروى بالسودان، وكذلك مشروعات أخرى كثيرة، وجمدت مصر والسودان، مشاركتهما فى هذه المبادرة، منذ عام 2010؛ احتجاجًا على توقيع بعض دول حوض النيل على الاتفاقية الإطارية المعروفة باسم (عنتيبى).
اتفاق المبادئ 2015:
فى مارس2015 وقّعت مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقًا حول إعلان مبادئ بشأن سد النهضة، وتضمّن الاتفاق 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث، ومنها: مبدأ التعاون المشترك، ومبدأ التنمية والتكامل الإقليمى من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة، ومبدأ عدم التسبب فى ضرر ذى شأن خلال استخدام نهر النيل الأزرق، ومبدأ الاستخدام المنصف والمناسب للموارد المائية المشتركة، ومبدأ التعاون فى الملء الأول وإدارة السد، ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات.
كما أن القاهرة لجأت أكثر من مرّة إلى مجلس الأمن الدولى، مع إمعان الجانب الإثيوبى، فى التصرفات الأحادية، الخاصة بعملية بناء وملء السد، خلال السنوات الأخيرة، كما أن أديس أبابا، خالفت البيان الرئاسى الصادر من مجلس الأمن فى سبتمبر 2021، الذى يدعو إلى «صيغة نهائية وسريعة لاتفاق مقبول وملزم للأطراف الثلاثة، بشأن ملء وتشغيل السد، فى إطار زمنى معقول».