فى عصر المؤثرين الافتراضيين
الذكاء الاصطناعى يزاحم «الانفلونسرز»

آلاء البدرى
شهد عالم السوشيال ميديا تحولات جذرية، فبعد أن كان «الانفلونسرز» أو المؤثرون يتربعون على عرش المنصات الرقمية وصاروا ملوك التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعى، جاء الذكاء الاصطناعى ليقلب الموازين رأسا على عقب فلم يعودوا وحدهم من يملكون القدرة على تشكيل الرأى العام أو قيادة الحملات الإعلانية بعد أن دخل «المؤثرون الافتراضيون» ساحة المنافسة بل أصبحوا نجومًا حقيقيين على منصات التواصل الاجتماعى وسرقوا الأضواء بكل براعة حتى بات صعودهم يفرض على البشر تطوير أساليبهم وتقديم محتوى أكثر أصالة وارتباطًا بالواقع.
المؤثرون الافتراضيون يسرقون الأضواء
المؤثرون الافتراضيون هم نماذج رقمية تصمم بدقة باستخدام الذكاء الاصطناعى وتقنيات الرسوم ثلاثية الأبعاد وتدار من قبل فرق تسويق وإبداع. وقد تمكن المؤثرون الافتراضيون خلال الخمس سنوات الماضية من حصد ملايين المتابعات على منصات التواصل الاجتماعى والحصول على عقود تقدر بملايين الدولارات فى حملات دعائية لعلامات تجارية عالمية سواء لمنتجات متنوعة من أجهزة إلكترونية إلى ماركات عالمية للملابس والأحذية وغيرها ويظهرون على أغلفة المجلات كما لو كانوا نجومًا حقيقيين.
نجوم بلا جسد
«ليل ميكيلا» هى أول مؤثرة افتراضية وشخصية مشهورة على منصات التواصل الاجتماعى أسستها شركة برود الناشئة فى (لوس أنجلوس) عام 2016. وتقدم «ليل» نفسها كفتاة برازيلية إسبانية تبلغ من العمر 19 عامًا تسعى إلى مهنة عرض الأزياء والموسيقى والتأثير على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال النشر والتفاعل المستمر عبر منصات مثل «إنستجرام ويوتيوب وسبوتيفاى وتيك توك».
وعلى مدار سنوات جمعت «ميكيلا» أكثر من 3.5 مليون متابع متفاعل على «تيك توك» يتفاعلون معها تمامًا كما يتفاعلون مع أى مؤثر بشرى وتتميز «ميكيلا» بمعدلات تفاعل عالية إذ تستجيب مباشرة لتعليقات المعجبين وتندمج فى ثقافة الإنترنت.
وقد لاحظت العلامات التجارية العالمية أن جمهورها وتأثيرها يفوقان جمهور العديد من المبدعين والمشاهير ونستطيع معرفة تأثير «ليل» القوى من خلال مشاركاتها فى قائمة مجلة تايم لأكثر الشخصيات تأثيرًا على الإنترنت.
كما تعرف «ميكيلا» بأنها رائدة فى مجال مؤثرى الصور المولدة بالحاسوب وتحظى بأكبر عدد للمتابعين فى هذا المجال عالميًا ومع تنامى شهرتها عامًا بعد عام استهدفتها العلامات التجارية العالمية فشاركت كوجه دعائى فى الحملات الإعلانية لدور أزياء فاخرة وشركات كبرى.
أما الأرباح التى تحققها هذه المؤثرة الافتراضية على أرض الواقع فقد قدرت قيمة الحملات الإعلانية التى شاركت فيها بـ125 مليون دولار عام 2018.
وهناك المؤثرة الافتراضية «شودو» ذات البشرة السمراء والجمال المميز، فتشتهر بأسلوبها العصرى فى عالم الموضة ودفاعها عن التنوع والشمول فى صناعة الأزياء وتعرف «شودو» بأنها عارضة أزياء من (جنوب إفريقيا) وتهتم بعرض الأزياء ذات التصاميم الإفريقية التقليدية فضلًا عن عرض منتجات لكبرى دور الأزياء العالمية وشركات المكياج مما ساعدها على ترسيخ مكانتها كمؤثرة أزياء موثوقة وأظهر إمكانات المؤثرين الافتراضيين فى تسويق الأزياء الراقية.
أما «إيما» فهى مؤثرة افتراضية يابانية أنشأتها شركة موديلينج كافيه فى (طوكيو) ورغم كونها يابانية إلا أن لها معجبين من جميع أنحاء العالم وبفضل أسلوبها الفريد وحضورها القوى على «إنستجرام» تعاونت «إيما» مع علامات تجارية مثل وفالنتينو وديور وفى عام 2020 ظهرت إيما فى حملة إعلانية لبورشه حيث شوهدت وهى تقود أول سيارة رياضية كهربائية بالكامل. وهو ما يؤكد على إمكانات المؤثرين الافتراضيين فى الترويج للمنتجات الفاخرة والوصول إلى جماهير جديدة.
كما تعتبر «كنزة ليلى» أول مؤثرة عربية تحقق إنجازًا عالميًا غريبًا بفوزها بأول لقب ملكة جمال للذكاء الاصطناعى فى العالم فى مسابقة جمال افتراضية حيث تفوقت على أكثر من 1500 عارضة أزياء حاسوبية وحصلت على جائزة قدرها 20 ألف دولار لمبتكرتها «مريم بيسه». وتتميز «ليلى» بمحتواها الجذاب المرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع المغربي. بل إنها دائما ما تعلن أن هدفها هو المساهمة فى تمكين المرأة فى (المغرب) والشرق الأوسط..وهنا فإن المحتوى تخطى التسويق لمنتجات ووصل إلى التسويق لأفكار ووجهات نظر باستخدام المؤثرين الافتراضيين الناجحين.
وقد أبهرت «ليلى» لجنة التحكيم بقدراتها على التأثير على مواقع التواصل الاجتماعى فضلًا عن جمالها وتقنياتها المتطورة فى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى وأشاد فريق التحكيم بـ«ليلي» لتناسق ملامحها وشخصيتها وطريقة تناولها للقضايا الحقيقية فى العالم مما يظهر أنها تأخذ دورها على المنصة على محمل الجد.
تراجع المكاسب
ومن ناحية أخرى، نجد أن نجاح المؤثرين الافتراضيين الذى يعد نجاحًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى قد أدى فى المقابل إلى انخفاض نسب التفاعل للمؤثرين المعتادين من البشر بشكل ملحوظ وتراجعت العروض الإعلانية التى تصلهم. فالتقدم الذى شهدته تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، دفع الشركات الكبرى إلى إعادة النظر فى جدوى التعاقد الجدى مع مؤثرين مواقع التواصل الاجتماعى.
وبحسب تقرير نشره Influencer Marketing Hub، فإن 38% من العلامات التجارية بدأت بالفعل فى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى فى حملاتها الإعلانية، مما يعنى تقليص الاعتماد على المؤثرين التقليديين خاصة فى ظل قدرة الشركات على التحكم الكامل بالمحتوى فى حالة المؤثرين الافتراضيين. والأهم هو أن توافر البديل الافتراضى يجنب تلك العلامات التجارية الكبرى الفضائح المرتبطة بالمؤثرين والأخطاء البشرية والأهم هنا بالطبع هو التكلفة المنخفضة للمؤثرين الافتراضيين مقارنةً بالحقيقيين الذين يطلبون آلافًا بل ملايين الدولارات من الشركات الكبرى ليشاركوا فى حملاتهم الإعلانية. كما يرجع انخفاض التكلفة أيضًا لأن المؤثرين الافتراضيين لا يحتاجون للسفر أو التصوير فى مواقع حقيقية فكل شيء يتم داخل بيئة رقمية وتفاعل ذكى مع الجمهور فيمكن برمجة المؤثر الافتراضى للرد على التعليقات ومواكبة الترندات وحتى التعبير عن مواقف اجتماعية وهذا التحول قد يؤدى إلى تهميش الأصوات الحقيقية التى تعكس تجارب واقعية ويحول منصات التواصل إلى مساحات مصطنعة.
التأثير الزائف
رغم نجاح المؤثرين الافتراضيين وسهولة التحكم فى المحتوى وقلة التكلفة إلا أن هناك جدلًا كبيرًا قد أثير مؤخرًا فيما يخص غياب الشفافية والوضوح أن الكثير من المتابعين لا يدركون أن الشخصية التى يتفاعلون معها ليست حقيقية. كما يخشى الكثيرون من إمكانية التلاعب بالرأى العام إذ تتم برمجة المؤثر الافتراضى للترويج لأى منتج أو فكرة دون اعتبار للقيم أو السياق الثقافى وهو ما يفتح المجال أمام نشر المعلومات مضللة أو محتوى غير أخلاقى والتلاعب بالرأى العام خاصةً مع وجود ملايين المتابعين وغياب المحاسبة.