السبت 20 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

فيلم يـعيد للسينما المصرية دفء الحلم وملامح النوبة المضيئة:

« سيرة أهل الضى».. ضى حكاية الأمل الذى يغنى فى وجه الظلام

فى زمنٍ تتكاثر فيه الحكايات وتتشابك الهموم، جاء فيلم (ضى ـ سيرة أهل الضى) كنافذة مضيئة تعيد إلينا معنى الصمود والحلم، عبر قصة فتى نوبى صغير مصاب بمرض «الألبينو»، أو كما يُعرف بـ«عدو الشمس». فتى يحمل فى داخله صوتًا ذهبيًا عذبًا، لكنه محاصَر بنظرات المجتمع وقسوة التنمر. ومن بين القرى النوبية البعيدة، تبدأ رحلته التى تتجاوز حدود المكان؛ لينطلق من أسوان إلى القاهرة؛ حيث يضع عينه على حلم كبير: أن يقف يومًا على مسرح برنامج (ذا فويس) ويُسمع صوته للعالم.



الفيلم لا يقدم مجرد سرد تقليدى؛ بل يصحبنا فى رحلة مفعمة بالمشاعر المتناقضة؛ مزيج بين القسوة والرحمة، بين الألم والبهجة، بين الانكسار والإصرار. هى حكاية طفل، لكنها فى العمق حكاية مجتمع بأسْره عن الأمل فى مواجهة التحديات.

 أداء استثنائى وسط كوكبة من النجوم

استطاع المخرج «كريم الشناوى» أن يمنح بطله الصغير «بدر محمد» مساحة واسعة ليُخرج كل ما بداخله من مشاعر. «بدر»، الذى تم اختياره بعد منافسة بين أكثر من 15 طفلاً، حمل الدور على كتفيه بجدارة، مقدّمًا أداءً صادقًا ينبض بالحياة. وبالرغم من صغر سنه؛ تمكن من جذب الأنظار والتقاط قلوب المشاهدين، مؤكدًا أن السينما المصرية قادرة على اكتشاف جيل جديد من المواهب الواعدة.

ولم يكن «بدر» وحده فى هذه الرحلة؛ فقد وقف إلى جواره عدد كبير من النجوم الذين لم يشاركوا بأدوار شرفية تقليدية؛ بل بأدوار إنسانية مؤثرة. الممثلة السودانية القديرة «إسلام مبارك» أبدعت فى تجسيد دور الأم التى تواجه ألمًا مضاعفًا بين حماية ابنها والاعتراف بموهبته. والفنانة السعودية «أسيل عمران»، التى قدمت شخصية المعلمة «أبلة صابرين» بأداء دافئ ومُلهم، جعلها أقرب إلى أى مشاهد كى يتذكر من خلالها معلمًا أثّر فى حياته.

أيضًا شارك فى الفيلم أسماء لامعة كضيوف شرف مثل «أحمد حلمى، محمد شاهين، محمد ممدوح، أمينة خليل، عارفة عبدالرسول، وصبرى فواز»، وكل منهم ترك بصمة خاصة عززت من ثقل العمل.

قلم وكاميرا.. سحر مزدوج

جاء النص الذى كتبه «هيثم دبور» كلوحة متكاملة من المشاعر الإنسانية. جمع بين لحظات موجعة تدفعك للبكاء، وأخرى خفيفة تبعث الضحك والابتسامة. كل تفصيلة فى الحوار وفى بناء الشخصيات تؤكد أن القصة ليست مجرد فيلم؛ بل مرآة لمجتمع يتعلم كيف يواجه التنمر ويحتفى بالاختلاف.

أمّا «كريم الشناوى»؛ فقد قاد العمل بذكاء بصرى لافت؛ حيث نقل المشاهدين من الجنوب للنوبة وحتى قلب العاصمة عبر لقطات تنبض بالجمال. صَوّر الصعيد كلوحة مرسومة بعناية، تكشف زوايا قلّما تراها السينما الحديثة، من الألوان الزاهية للبيوت إلى المراكب على النيل، حتى أزقة القاهرة التى اختلطت فيها قسوة المدينة مع بريق الحلم.

ومن المعروف عن «الشناوى» اختياره موضوعات إنسانية تتعلق بالأطفال بشكل خاص.. كما كان فى تجربتَىّ (خلى بالك من زيزى) و(لام شمسية).. كما أنه يمتلك قدرة هائلة على اكتشاف مواهب الأطفال المتميزة.

 عودة منير

من أبرز مفاجآت الفيلم عودة الكينج «محمد منير» إلى السينما بعد غياب سنوات طويلة منذ فيلم (دنيا) الذى قدمه عام 2005. ظهوره فى (ضى) لم يكن مجرد مشاركة عابرة؛ بل لحظة أعادت للجمهور ذكريات ارتباطهم به كصوت ارتبط بالحلم والحرية. حين ظهر «منير» على الشاشة، شعر عشاق السينما وكأن الزمن عاد بهم إلى الوراء، لكن هذه المرة بأمل متجدد فى المستقبل.

إلى جانب ظهوره الخاص، قدّم «منير» الأغنية الدعائية للفيلم بعنوان (ضى) من ألحان «إيهاب عبدالواحد»، وهى أغنية تحاكى بصدق روح الفيلم. كلماتها وصوته حملا رسالة الأمل والإصرار، فكانت بمثابة الجسر العاطفى بين القصة على الشاشة وقلوب الجمهور. الأغنية أحدثت صدًى واسعًا، حتى إن الفنانة الكبيرة «شريهان» خصّت العمل برسالة مؤثرة عبر حسابها على إنستجرام، مؤكدة أن «القصة كلها مبدعين كبار قوى بيبدعوا فن مصرى عظيم».

 إشادات بفيلم يلامس الروح

الفيلم لم يمر مرور الكرام على النقاد؛ بل حظى بإشادات واسعة منذ عرضه الخاص. الناقد «طارق الشناوى» وصفه بأنه يمتلك «مفتاحًا خاصًا فى جاذبيته القادرة على خلق دائرة جماهيرية»، فيما رأى الناقد «محمود عبدالشكور» أن الفيلم «حلّق فى السماء مثل مناطيد الأقصر الملونة، فصار رحلة شعور بالآخر ومساعدته على قهر الخوف».

هذه الإشادات لا تأتى من فراغ؛ بل من عمل يوازن بين المتعة البصرية والرسالة الإنسانية، ويعيد الاعتبار للسينما الاجتماعية التى تحمل أبعادًا فنية وجمالية.

(سيرة أهل الضى).. مرآة مصر الإنسانية

الفيلم ليس مجرد حكاية عن مرض أو رحلة فتى صغير؛ بل هو سيرة جماعية عن مصر وأهلها. من الجنوب حتى الشمال.. يرصد الفيلم لحظات إنسانية نابضة، ويدعو المجتمع للتوقف أمام آفة التنمر والحاجة إلى مزيد من الرحمة والتعاطف.

إنه فيلم يُعيد الاعتبارَ لسينما تعكس الواقع الاجتماعى برهافة، وفى الوقت نفسه تفتح أبواب الخيال على مصراعيه؛ ليبقى (ضى) شاهدًا على أن الفن، مَهما كانت بساطته، قادرٌ على أن يهزم الظلام ويمنح للحلم جناحين.