الثلاثاء 2 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تضليل المستهلك تحت شعار الطاقة النظيفة

«الغسيل الأخضر» أحدث خدع التسويق

مع تنامى الاهتمام العالمى بالتغير المناخى والاتجاه نحو سياسات الاستدامة،سارعت الكثير من الشركات حول العالم إلى الدعاية لمنتجاتها من خلال رفع شعارات «الطاقة النظيفة» و«المنتجات الصديقة للبيئة»، لكن فى كثير من الأحيان لا يتعدى الأمر كونه نوعًا من الحملات التسويقية التى لا تتسق مع حقيقة ما تقدمه تلك الشركات من منتجات، وهو ما أصبح اليوم يطلق عليه «الغسيل الأخضر» أو Green Washing على غرار غسيل الأموال.



«الغسيل الأخضر» هو استخدام الشركات للإعلانات والحملات الدعائية لتقديم صورة زائفة عن التزامها تجاه البيئة، بينما تستمر تلك الشركات فى ممارسة أنشطتها الملوثة للبيئة أو غير المستدامة.وبينما يلقى هذا النوع من الدعاية إقبالًا من المستهلكين إلا أنه فى الوقت ذاته يطرح تساؤلات عميقة حول شفافية تلك الشركات ومدى مصداقيتها، بل يكشف أيضًا الحاجة إلى رقابة أشد وآليات محاسبة صارمة تحمى المستهلك من الخداع وتحمى البيئة من المزيد من التلوث. فهذه الشركات تجذب المستهلك حتى ولو كانت ثقة زائفة، فالمهم هنا هو المكاسب التى ستحققها تلك الشركات خاصًة أن المنتجات التى توصف بـ«الخضراء» غالبًا ما تباع بأسعار أعلى.

أما دوافع الشركات التى تلجأ إلى الغسيل الأخضر فهى أولًا جذب المستهلك المعاصر الذى يعرف تمامًا مخاطر تلوث البيئة، وبالتالى يفضل المنتجات المستدامة..فالحديث عن الاستدامة والمنتجات التى تحافظ على البيئة يساعد تلك الشركات على بناء الثقة بينها وبين هذا المستهلك. 

وقد تعرضت العديد من الشركات فى مجالات مختلفة لاتهامات، بل فضائح مرتبطة بالتورط فى «الغسيل الأخضر» وهو ما أفقدها مصداقيتها أمام عملائها.ونستعرض هنا بعض نماذج لتلك الشركات.

 شركات البترول

نبدأ بشركات الطاقة والنفط التى تحقق أرباحًا خيالية، لكنها لجأت إلى هذا النوع من التسويق الكاذب لزيادة أرباحها وإضفاء هالة من الأخلاقيات الخادعة حول أنشطتها.

كانت واحدة من أكبر شركات البترول البريطانية قد أطلقت حملة إعلانية كبيرة فى بداية الألفية تحت شعار «ما بعد النفط» أو «Beyond Petrolium» لتقدم نفسها ككيان يتجاوز مجرد كونها شركة نفط وتظهر التزامًا زائفا بالاستدامة والطاقة المتجددة. أما الواقع فإن %90 من استثمارات تلك الشركة فى النفط والغاز، بينما لا تعتمد فى أرباحها على مشروعات الطاقة المتجددة بنسبة كبيرة. بينما ادعت شركة أخرى فى حملات دعائية أنها تدعم الطاقة النظيفة والاستدامة، حيث تضمنت إعلاناتها مشاهد لشحن السيارات الكهربائية ومشروعات طاقة منخفضة.

واعتبرت هيئة مراقبة الإعلانات البريطانية ASA هذه الإعلانات مضللة لأن الشركة لم تشر إلى أنها تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفورى الملوث للبيئة. ولذلك قررت الهيئة وقف إعلان للشركة على التليفزيون وإعلان آخر على تطبيق «يوتيوب» موضحًة أن الدعاية التى استخدمتها الشركة تعطى انطباعًا زائفًا بأن أنشطة الشركة تعتمد على المنتجات الخضراء بخلاف الواقع.

وفى عام 2025 أطلقت الشركة نفسها حملة إعلانية جديدة إلا أنها لم تكرر خطأها السابق فضمنت الإعلان إشارة إلى أن ٦٨٪ من إستثماراتها تركز على النفط والغاز و٢٣% تعتمد على الطاقة منخفضة الكربون. وقد سمحت الهيئة بعرض هذا الإعلان لأنه حقيقى وغير مضلل.

أما فى «هولندا» فقد رفضت هيئة الإعلان هناك إعلانًا للشركة البريطانية يصور الانبعاثات التى تخرج من مصافى الشركة أزهارًا بدلا من الدخان، وهو ما اعتبرته الهيئة الهولندية ادعاءات تضليلية تمامًا.

 ملابس «الموضة السريعة»

ننتقل إلى مجال آخر شهد فضائح لشركات كبرى لجأت إلى الغسيل الأخضر لجذب المستهلكين، وهو ما يطلق عليه « الموضة السريعة» أو «Fast Fashion» ويشير هذا المصطلح إلى ظاهرة فى عالم صناعة الأزياء تعتمد على إنتاج كميات كبيرة من الملابس تواكب صيحات الموضة العالمية بأسعار منخفضة نسبيًا مقارنًة بالماركات الكبرى المكلفة وبيوت الأزياء التى تصنع الموضة فى الأساس، لكن الغريب هنا أنه ادعاء شركات «الموضة السريعة» دعم الاستدامة غير منطقى بأى حال لأن الهدف الأساسى لهذه الشركات هو جذب المستهلك لشراء قطع ملابس رائجة وغير مكلفة ثم التخلص منها سريعًا بعد ظهور صيحات جديدة وهو هدف مناقض تمامًا لفكرة «الاستدامة»، فوجود شركات «الموضة السريعة» فى حد ذاته يعيق الاستدامة.

فى أحدث واقعة «غسيل أخضر»، فرضت السلطات الإيطالية على الشركة الصينية، التى تعد «امبراطورة الموضة السريعة» اليوم بلا منازع، غرامة مالية قدرها مليون يورو منذ ثلاثة أسابيع بسبب التصريحات البيئية المضللة، حيث تم رصد إعلانات وُصفت بأنها غامضة ومبالغ فيها بشأن قابلية إعادة التدوير والاستدامة، بينما أثبتت اختبارات قامت بها مؤسسة «جرين بيس» فى (ألمانيا) أن نحو %15 من منتجات الشركة التى اشتراها عملاؤها فى أوروبا تحتوى على مواد كيميائية خطيرة تتجاوز الحدود القانونية بما فى ذلك منتجات الأطفال. هذا إلى جانب بيئة العمل غير الإنسانية والتى تخالف كل قوانين العمل، حيث يصل عدد ساعات العمل إلى 75 ساعة أسبوعيًا. 

وفى واقعة أخرى أطلقت شركة ملابس سويدية عام 2011 خط إنتاج   كامل تحت اسم «المجموعة الواعية» أو «Conscious Collection» وأعلنت أنه خط إنتاج دائم للملابس المصنوعة من مواد صديقة للبيئة مثل القطن العضوى والبوليستر المعاد تدويره.

 

وتحت هذا الشعار أنتجت الشركة عام 2019 مجموعة فاخرة من الملابس المصنوعة من مواد مبتكرة مثل أوراق الأناناس وقشور البرتقال والطحالب، فضلًا عن شباك الصيد المعاد تدويرها.كما أعلنت أنها تستخدم صبغات مستدامة تقلل استهلاك المياه والطاقة ضمن خط أزياء     «المجموعة الواعية».

تعرضت الشركة لانتقادات بسبب حجم الدعاية الكبير لهذا الخط الذى يمثل نسبة صغيرة جدًا مقارنًة بالإنتاج الكلى، حيث بلغ تقييم استخدام الشركة لمواد مستدامة عام 2024 نحو %18 من إجمالى المواد المستخدمة فى تصنيع الملابس، وقد وجهت اتهامات للشركة بـ«الغسيل الأخضر» وخداع المستهلكين وطالب المنتقدون الشركة بإعادة تقييم ادعاءات الاستدامة التى تروج لها.

 

أما الماركة الإسبانية الأشهر حول العالم فقد أعلنت عن استراتيجيتها للانتقال إلى مرحلة استخدام مواد معاد تدويرها أو صديقة للبيئة، لكن الحقيقة أن معدلات الإنتاج المتسارعة والتصنيع الملوث يجعلها واحدة من أكثر الشركات تأثيرًا سلبيًا على البيئة.

كانت صحيفة «لوموند» الفرنسية قد نشرت تقريرًا العام الماضى يشير إلى تأثير التوسع الجائر فى «الزراعة الصناعية» أى زراعة المواد المستخدمة فى التصنيع على غابات السافانا فى «سيلرادو» بالبرازيل، حيث فقد إقليم الغابات، الذى يعد موطنًا لحوالى %5 من التنوع البيئى فى العالم، أكثر من نصف الغطاء النباتى الاصلى فيه. أكد التقرير أن شركتى «زارا» و«إتش أند إم» من أكبر الشركات التى تعتمد على القطن المزروع فى الإقليم المتضرر. التقرير لفت إلى إزالة الغابات الغابات بنسبة تزيد عن %6 بين عامى 2023 و2024، مما يفاقم المخاطر البيئية والاجتماعية على السكان المحليين.

وفى مجال الأغذية والمشروبات أيضًا ينتشر «الغسيل الأخضر» لجذب مستهلكين يقدرون الحفاظ على البيئة ويبحثون عن منتجات تخدم أفكارهم بعد ازدياد الوعى العالمى بأهمية الحفاظ على البيئة.

  الأغذية والمشروبات

قررت حكومة «جزر فيرجن» الأمريكية رفع قضية فيدرالية فى أبريل الماضى ضد شركتى المياه الغازية الأكبر فى العالم بسبب الترويج المضلل لعبواتها البلاستيكية على أنها قابلة لإعادة التدوير، بينما بلغ استخدام البلاستيك المعاد تدويره فى عام 2022 أقل من %14 لدى إحدى الشركتين و%6 لدى الأخرى. وظل إلقاء العبوات فى مكبات النفايات مشكلة بيئية خطيرة خاصًة فى جزر تعتمد على السياحة. نفس المشكلة واجهت الشركتان فى «لوس أنجلوس» بعد توجيه اتهامات لهما بـ«الغسيل الأخضر» وتضليل المستهلكين حول قابلية عبواتهما لإعادة التدوير.

وقد استجابت بالفعل إحدى الشركتين، حيث قامت بتعديل إعلاناتها التى تدعى أن العبوات %100 قابلة لإعادة التدوير وكانت تلك الإعلانات قد انطلقت تحت شعار «عالم بدون مخلفات» قبل أن يتم اكتشاف عدم مصداقيتها.

 

الاتهامات نفسها وُجهت لواحدة من أهم شركات الأغذية السويدية وأشهرها والتى واجهت انتقادات متكررة بأنها واحدة من أكبر ملوثى البيئة بالبلاستيك فى العالم.

هذا بالإضافة إلى شركات الطيران التى تروج لـ«رحلات خضراء» باستخدام وقود حيوى بنسبة ضئيلة، لكنها فى حقيقة الأمر لا تزال الانبعاثات الكربونية من رحلاتها ضخمة جدًا وهناك عدد من البنوك العالمية التى تطلق دعاية كاذبة حول دعمها للطاقة النظيفة ومشروعات الاستدامة، بينما تؤكد تقاريرمتخصصة أنها تمول مشروعات الوقود الأحفورى بشكل هائل.