الثلاثاء 2 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

فى ذكرى رحيله الـ 19

نجيب محفوظ من الجمالية ل "الكوميكس"

«آفة حارتنا النسيان».. اقتباس هو الأشهر للأديب الراحل «نجيب محفوظ»، من روايته الشهيرة (أولاد حارتنا).. ولكن، ماذا لو جاء جيل يرفض أن ينسى؟؛ جيل قرر أن يعيد تشكيل الذاكرة الجمعية بصيغة تليق بلغة العصر وروح الشباب، من خلال الرسم، اللون، الصورة، والحوار المختصر المكثف.   



 فى ذكرى رحيل الأديب الذى خط للعربية مسارها نحو (نوبل)، تسلط مجلة «روزاليوسف» الضوء على مشروع فنى شبابى جريء، يُعيد روايات «محفوط» إلى الضوء، ولكن من زاوية غير مألوفة، وهى: الـ(كوميكس).

فالمشروع الذى يكسر التابوهات المعهودة للشكل الكلاسيكى للأدب، يهدف لإعادة إحياء إرث «نجيب محفوظ»، لا بالكلمات وحدها، بل بالرسوم والألوان، عبر تحويل رواياته الخالدة إلى قصص مصورة، أو ما يعرف بالكوميكس، التى تنبض بالحياة، وتخاطب أجيالًا ربما لم تعرف «محفوظ» إلا من عناوين مقررات دراسية، أو بعض الاقتباسات على مواقع التواصل، أو من خلال الحكايات التى تتداولها الأجيال السابقة لهم. 

وفى هذا الصدد، أوضح مؤسسا المشروع، الكاتب «محمد إسماعيل أمين»، بالتعاون مع رسام القصص المصورة «ميجو»، تجربتهما الواعدة، فى محاولة فريدة لبعث الروح من جديد فى روايتين من أهم أعمال الأديب الراحل، وهما: (ميرامار)، و(اللص والكلاب).

 مشوار الكلاسيكية إلى الكوميكس

أوضح «ميجو» أن الفكرة نشأت من رؤيته الخاصة للكوميكس، باعتبارها توفر مساحة فنية بصرية يمكن الاستفادة منها، عبر تحويل الأعمال الأدبية المميزة لشكل بصرى مختلف؛ مشيرًا إلى أن هذه الفكرة انبثقت عن خلفيته كصانع قصص مصورة، أو رسام كوميكس، وفى الوقت ذاته من خلال دراسته الإخراج السينمائي؛ فضلاً عن حبه وتأثره بروايات «نجيب محفوط»، وتحديدًا (أولاد حارتنا).

ومن ثم تبلورت فكرة تحويل رواية «محفوظ» إلى (Graphic Novel) أو رواية مصورة، وهو ما دفعه للدراسة فى مدة استغرقت 4 سنوات لعمل بناء كامل لعالم الرواية وشخصيتها بالكامل؛ موضحًا أنه خلال تلك الفترة لم يكن سوق (الكوميكس) متاحة، مما أدى لظهور تحديات خاصة على مستوى الدعم والإنتاج والتوزيع والحقوق، وغيرها.

وأكد «ميجو» أن اسلوب وتصوير المشاهد بكلمات «محفوظ» فى رواية (أولاد حارتنا) كانت الدافع لاختيار الرواية كخطوة بداية، لأنها –حسب رأيه تحفز أى شخص يعمل فى المجال البصرى على تخيل العالم الذى صنعه الأديب الراحل بشخصياته؛ مضيفًا أنه بدأ بعدها على الفور التعاون بينه وبين السيناريست «محمد إسماعيل»، لتتبلور بعدها فكرة القيام بأعمال «محفوظ» إلى (كوميكس).  ومن هنا، صدرت كل من (اللص والكلاب)، و(ميارمار)؛ مضيفًا أنه من المقرر إصدار (أولاد حارتنا) كقصة مصورة قريبًا.

وعلى الصعيد الفنى.. أوضح «ميجو» أن أبرز التحديات التى واجهتهم، هى كيفية التعامل مع الأعمال الروائية لـ«نجيب محفوظ» برؤية بعيدة عن الأفلام التى يحفظها الجمهور بشكل كبير.

وفى هذا الصدد، أشار «ميجو» إلى تفاصيل عمل (اللص والكلاب)، و(ميرامار) المختلفتين فى الفكرة والمحتوى، حيث تميزت الأولى بأجواء تشويقية ومغامرات وأكشن؛ بينما كانت التانية فلسفية ذات طابع حوارى بين الشخصيات؛ إذ أكد أنهم فكروا مليًا فى كيفية تحويل الروايتين إلى شكل معاصر، وملائم بصريًا، يناسب مختلف الفئات العمرية؛ قائلاً، إن: «هذا التحدى كان أشبه برحلة ممتعة، نقابل فيها تفاصيل جميلة، يمكن تحويلها لكوميكس».

وأضاف أنه فى (اللص والكلاب) تم عمل دراسة شاملة بصريًا للفترة الزمنية لأحداث الرواية، ووصف الأماكن، والمواقع الجغرافية المختلفة، والطراز المعماري؛ أما (ميرامار) فكان هناك –أيضًا- دراسة وافية للأماكن، والفترة الزمنية، وغيرها من تفاصيل بصرية، بداية من ملامح الشخصيات، وصولًا إلى الملابس والإكسسوارات.

وأكد «ميجو» أن كل هذا المجهود يهدف إلى إمتاع جمهور من فئات مختلفة؛ مشيرًا –فى الوقت ذاته- إلى أنه يأتى فى مقدمتهم محبو الكوميكس، ومحبو الأديب الكبير «نجيب محفوظ»، ثم الجمهور الذى يتعرف على روايات «محفوظ» من خلال الكوميكس؛ معربًا عن سعادته بفئة الشباب الذين وجدوا من الكوميكس حلقة وصل لمعرفة أعمال الأديب الراحل.

جدير بالذكر، أن الحلم الجريء لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أفاد «ميجو» بأنهم يفكرون فى مشروع مواز، وهو (خريطة «نجيب محفوظ»)؛ موضحًا أنه مشروع بحثى علمى لخريطة مصممة لكل الأماكن التى دارت فيها أحداث وأعمال «محفوظ»، بما فى ذلك: الأماكن التى اندثرت، والمعالم التى اختلفت؛ مؤكدًا سعيهم –أيضًا- لتحويله إلى تطبيق حيث يمكن الناس من متابعة مشروع «نجيب محفوظ» المصور، ويتابعون على الخريطة أحداث الروايات التى يقرأونها.

وفى نهاية حديثه، اختتم كلامه بأن الرسالة التى يريدونها أن تصل من خلال هذا المشروع، هى نشر فكرة (الكوميكس).. ذلك الفن العالمى المهم، عبر مشاريع مهمة مثل روايات «نجيب محفوظ» مؤكدًا أنها رسالة فنية بالأساس، ورسالة محبة للأديب الراحل، عبر تقديم أعماله من جديد بصورة مختلفة.

 الهدف.. شباب الأجيال الجديد

ومن جانبه، قال الكاتب والسيناريست «محمد إسماعيل» إن المشروع بدأ عندما أراد «ميجو» تحويل (أولاد حارتنا) لقصة مصورة؛ بينما أيدت دار النشر فكرة تحويل روايات «محفوظ» عمومًا إلى روايات مصورة. ومن هنا، بدأ المشوار عبر ستوديو خاص بهما لإنتاج القصص المصورة، ليبدأ العمل على أول رواية وهى (اللص والكلاب).

وفى هذا الصدد، أوضح «إسماعيل» أنه عمل أيضًا فى سيناريو (اللص والكلاب)؛ معربًا عن شعوره خلال تلك الفترة بعبء المسئولية لإعادة إنتاج عمل فنى لأديب بحجم «نجيب محفوظ»؛ موضحًا أن ذلك كان الدافع الأساسى للتعامل بصدق وأمانة مع النص الذى كتبه الأديب الراحل، مع تغييرات طفيفة جدًا، بحيث تناسب فكرة الكوميكس، مثل إضافة القليل من التفاصيل فى مشاهد الأكشن، أو تعديلات فى لغة الحوار لتناسب لغة القصة المصورة.

كما أكد أنه استعان بصور واقعية مما ذكرها «محفوظ» فى رواياته، مثل: مسجد السلطان حسن، وأماكن فى القلعة، وغيرها؛ منوهًا لمواجهته بعض التحديات فى تصوير المشاهد التى تتحدث عن خواطر البطل.

وأضاف أيضًا أن إحدى التحديات التى واجهها، هى رغبته فى تقديم مشاهد لا تشبه تلك التى صورتها الأفلام التى تناولت روايات «محفوظ».

فى نهاية حديثه، أكد «إسماعيل» أن المشروع يهدف إلى تعريف الجيل الجديد من الشباب بأعمال «محفوظ»، وأن يكتشفوا أنه من السهل قراءة رواياته؛ معربًا - فى الوقت ذاته - عن سعادته بردود الفعل الإيجابية التى سمعها من الشباب، حول قصص (الكوميكس)، وأنهم تحمسوا لقراءة روايات «محفوظ».

الكوميكس وسيلة تعبير لأعمال أدبية

أوضح كاتب سيناريو (ميرامار) فى مشروع الكوميكس «محمد سرساوي» أن بداية تفكيره فى دخوله عالم الكوميكس كانت فى عام 2006 حينما شاهد فيلمى (V for Vendetta)، و(The Dark Knight)، إذ اكتشف وجود نوع من فن الكوميكس موجه للكبار وليس للأطفال؛ مؤكدًا شعوره حينها بفضول شديد فى معرفة هذا العالم. 

 

وأضاف أنه قرر فى عام 2008 –حينما ظهر فن (Graphic Novel) فى مصر- أن يخوض كتابة قصص مصورة؛ مؤكدًا أن القرار تأجل سنوات طويلة.. حتى بدأ بالفعل فى ورشة عن كيفية كتابة ورسم القصص المصورة، تحت إشراف الفنان «ميجو»، إذ تعلم كيفية كتابة قصة كوميكس؛ مشيرًا إلى تشجيع وترشيح «ميجو» له لتحويل رواية (ميرامار) إلى (Graphic Novel).

وفى هذا الصدد.. وصف «سرساوي» رواية «محفوظ» بأنها شديدة الواقعية؛ قائلاً: «كان التحدى الأكبر هو كيف يمكن نقل خيالى كما تخيلته أثناء قراءة العمل، إذ حاولت أن أجعل النص ذا أجواء واقعية وفانتازيا فى الوقت نفسه»؛ مؤكدًا أنه كان حريصًا على الابتعاد تمامًا عن فيلم (ميرامار). 

كما أضاف أن التحدى الآخر الذى واجهه، هو كيف يمكن اختزال مشاعر الشخصيات، وأفكارها داخل كادرات القصة، والتعبير عنها - فى المقابل- من خلال تفاصيل بصرية.

وأوضح أنه من بين التحديات -أيضًا- التى قابلها أثناء كتابة العمل، هو التعامل مع شخصية «فركيكو» فى الرواية؛ قائلاً: «سألت نفسى: هل هى نظرية، أم شخصية فى عالم «حسنى علام»؟؛ فقررت أن تكون شخصية خيالية، لا يراها سوى «علام»؛ بينما فى فصل «منصور الباهي»، جعلته يحكى تجربته فى بنسيون ميرامار داخل أحد استوديوهات الإذاعة، ويتحدث إلى المستمعين من خلال الميكروفون».

ثم أكد «سرساوي» أن الهدف من المشروع هو تعريف جمهور جديد على عالم «نجيب محفوظ»؛ مشددًا على أن فن الكوميكس وسيلة تعبير لأعمال أدبية، مثل: (مارفل، ودى سى كوميكس) اللذان حولا أعمالا إبداعية عالمية، لأدباء مثل: (ديستوفسكى، وشكسبير) إلى روايات مصورة.

وفى نهاية حديثه.. أعرب «سرساوي» عن أمنيته لتحويل روايتى (السمان والخريف)، و(الشحاذ) إلى رواية مصورة، موضحًا أنها من الأعمال الأولى التى قرأها للأديب «نجيب محفوظ»، كما شخصياتها يحملون بعدًا وجوديًا برؤية مصرية.

هكذا، يعود «نجيب محفوظ» إلى القراء من جديد، لا عبر كتاب أو فيلم، بل من خلال حكايات مرسومة تنبض بالحياة، وتخاطب أجيالًا بلغة بصرية معاصرة، فى عمل يعد جسرًا فنيًا بين زمنين، تُعيد من خلاله ريشة الكوميكس صياغة الذاكرة، لا لتُغير «محفوظ»، بل لتقرب الجيل الجديد من الشباب منه أكثر. 

ففى زمن طغت فيه السرعة، وتراجعت القراءة، تُصبح القصص المصورة إحدى وسائل الإنقاذ لذاكرة أدبية تستحق أن تروى مرارًا، وبكل لغة ممكنة.

فمن الكلمة إلى الصورة.. ومن الرواية إلى الكوميكس.. يثبت الأديب الراحل «نجيب محفوظ» أنه لا يزال حاضرًا بيننا.