الثلاثاء 2 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تقدم بيانـا فنيـا بعيدا عن فلسفة التريند:

آمال ماهر تثبت أنها حاجة غير

يبدو أن «آمال ماهر» بألبومها الجديد (حاجة غير) لا تطرح مجرد مجموعة أغانٍ، بل تكتب بيانًا فنيًا بعيدًا عن فلسفة «التريند»، رغم تحقيقها أرقامًا جيدة على منصات الاستماع والمشاهدات على «يوتيوب»، بل وتصدرها للقوائم فى بعض الأيام. وصوتها، الذى يعرفه المستمع منذ سنوات كقوة قادرة على تحويل الجملة الموسيقية إلى سلاح عاطفى، يأتى هنا أكثر نضجًا وهدوءًا، كمن يختار معركته بعناية. وهى أيضًا تقدم نفسها كـ«امرأة قوية» تتعامل مع الطرف الآخر بمفهوم الندية، وهو ما يجعل الألبوم انعكاسًا لصورة شخصية وفنية فى آن واحد.



الألبوم إذن ليس للذين يبحثون عن إيقاع سريع يملأ خلفية مقطع قصير، بل هو عمل لمن يريد الغناء كرحلة. وكما قلت سابقًا: «إنه غير مناسب لأجواء الصيف»، وأكرر أن هذا الألبوم موجه لمن يبحث عن التجربة الكاملة، لا عن الأغنية العابرة. إنه رهان على البقاء لا على اللحظة، وعلى الصدق لا على حسابات السوق، ولو كانت مغرية.

لكن، هل يعنى ذلك أن الألبوم بلا سلبيات؟ بالطبع لا. فالألبوم يفتقد إلى ثقافة الـConcept Album، والدليل أنه يضم 11 موزعًا موسيقيًا، ما يعكس غياب الترابط الموسيقى بين الأغانى. فلا توجد وحدة موسيقية عامة مسيطرة على العمل، بل هناك أنماط متباينة مثل الفلامنكو، والمقسوم، والـ EDM، بل وبعض الأغنيات ذات الهوية الشعبية. ومع ذلك، وللإنصاف، فإن السوق العربية أصلًا لا تقوم على فكرة «الألبوم المترابط»، بل يميل الفنانون فيه إلى محاولة إرضاء أكبر عدد من الأذواق.

وبرغم وجود أسماء لامعة فى مجال التلحين والتوزيع، إلا أن الكلمة تظهر كبطل رئيسى للألبوم، وهو ما يجعلنا نقول بثقة إنه (حاجة غير) هو الأقوى من بين الألبومات الصادرة مؤخرًا على مستوى قوة النصوص.

 حاجة غير

رغم أنها أغنية إيقاعية إلكترونية من ألحان «أحمد إبراهيم» وتوزيع «شريف مكاوى»، ينجح «نادر عبدالله» فى إثبات أن هذا اللون الغنائى يمكن أن يحمل كلمات قوية ومترابطة، بعكس ما يشيع من أن الأغانى السريعة والإلكترونية لا تحتمل نصوصًا متينة. الأغنية تكسر الصورة النمطية وتفتح مجالًا جديدًا لهذه المدرسة، دون أن تقع فى فخ التكرار الممل للكلمات، وهو ما ينسف ادعاءات كثيرة حول ضحالة هذا النوع من الأعمال.

  خبر عاجل

كتبها «أيمن بهجت قمر»، ولحنها «مدين»، ووزعها «توما». ورغم قوة الفكرة وصياغة الكلمات، خصوصًا أنها أغنية مخصصة لمناسبة «الزواج»، إلا أن التوزيع لم يكن موفقًا، خاصة فى المقدمة التى تستخدم «إيفكت» صوتى يوحى بمكالمة هاتفية تعلن الخبر العاجل. المفارقة أن الفيديو المصور لا يتبنى هذه الفكرة إطلاقًا، ما جعل المؤثر الصوتى يظهر غريبًا وقديمًا، خصوصًا أن هذا الأسلوب استُهلك منذ عام 2001 فى أغنية (بعد الليالى) لـ«عمرو دياب» مع «طارق مدكور».

عقدة حياته

من ألحان «نور عز العرب» وتوزيع «على شاكر». هنا يتحدث «نادر عبدالله» بلسان المرأة القوية التى ترفض الانسياق أو الاستسلام. النص يقدم صورة لامرأة متصالحة مع كبريائها، تواجه الرجل بتحدٍ ووضوح، وكأنها تضع حدودًا نفسية صارمة لا يمكن تجاوزها.

رقم واحد

ألحان «أحمد زعيم» وتوزيع «أحمد أمين»، وكلمات «نادر عبدالله» التى تعد من أقوى نصوص الألبوم. تفرد «عبدالله» يظهر فى اختياره لقوافٍ جديدة ونسائية الطابع مثل: «فستانى، برفانى»، و«أنوثتها، نسيتها، حبستها، حسيتها». كما أن اللعب على التضاد فى النصوص مثل: «شايفاها، أغمضها» يمنح الأغنية حيوية خاصة. إنها أغنية تكشف قدرة الشاعر على التجديد فى مساحة شديدة الاستهلاك، خاصة فى النوعية العاطفية.

 مضمونة

نص جريء من «أحمد المالكى»، ولحن ينتمى للروك من «د.يحيى يوسف»، واختيار القالب الموسيقى بهذا الشكل ممتاز لأنه يعبر عن القوة الموسيقية والـ«باور» الذى يتناسب مع مفهوم الغنوة والتى تقدم فيه «آمال» نموذج للمرأة القوية.

 الأغنية تفضح فكرة الرجل الذى يعتقد أن المرأة «مضمونة» مهما أساء معاملتها، لتأتى البطلة ثائرة على هذا التصور. المدهش أن الأغنية كانت محفوظة لدى «آمال» منذ 8 سنوات، لكنها عند طرحها الآن لم نشعر بأنها قديمة، وهو ما يكشف عن ذكاء اختياراتها.

 يا جبروتك

كتبها «عليم»، ولحنها «إسلام رفعت»، ووزعها الثنائى «إلهامى دهيمة» و«أحمد حسام». أغنية مقسوم، ولكنها تحمل موقفًا واضحًا: المرأة تواجه الرجل بأخطائه وتوبخه على فشل العلاقة. النص ساخر وقاسٍ فى آن واحد، واللحن يضاعف من قوة الرسالة.

لو لينا عمر

كلمات «نادر عبدالله»، ألحان «محمدى»، توزيع «مادى». عمل ينتمى لموسيقى الروك، ويؤكد مجددًا براعة «نادر عبدالله» فى التعبير عن مشاعر المرأة المتحدية رغم انكسارها. جملة مثل «زى الألوان مهما تحلى شكل الصورة.. لو فى عيوب مش باينه بتبينها زيادة» تكشف فلسفة النص العميقة وقدرته على تصوير التضاد.

 اتراضيت

من كلمات «أحمد المالكى»، ألحان «عمرو الشاذلى»، توزيع «عمرو الخضرى»، على إيقاع الفلامنكو الإسبانى. هنا نرى «آمال» بصورة مختلفة؛ الفتاة الرومانسية الحالمة التى ترضى وتلين. الأغنية تخاطب ذائقة مغايرة وتكشف عن حرصها على تنويع الألوان.

 نسيت اسمى

كلمات «نادر عبدالله»، ألحان «مدين»، توزيع «أحمد إبراهيم». أيضًا تحمل روح الفلامنكو لكن مع طابع غاضب متوتر. البطلة تواجه شريكها بجملة مباشرة «يا بنى آدم طب ازعل ع اللى سوا عشناه»، وهو ما يكرس فلسفة توظيف العبارات اليومية الحقيقة والدارجة فى الحياة الطبيعية البسيطة فى الغناء.

 ليه سكتوا

كلمات «نادر عبدالله»، ألحان «أحمد زعيم»، توزيع «عمرو عبد الفتاح». محاولة لتقديم اللون الشعبى بشكل عصرى «مودرن»، لكنها لم تنجح، بل جاءت أقل من المتوقع، خاصة فى ظل تشبع السوق من هذه النوعية. النص يتحدث عن جماعة ظالمة افتعلت وادعت، ورغم ذلك انتصرت البطلة، لكن التنفيذ لم يرتقِ لفكرة قوية.

 فى النهاية

ألبوم (حاجة غير) ليس مجرد عودة لـ«آمال ماهر»، بل إعلان صريح عن موقفها من الفن والسوق معًا. فهو عمل ملىء بالتنوع والاختلاف، به نقاط قوة واضحة وأيضًا ثغرات لا يمكن إنكارها، لكنه فى النهاية يضع صاحبة الصوت الاستثنائى فى مكانتها الحقيقية: فنانة تراهن على القيمة لا على الضوضاء، وعلى الكلمة لا على التريند. فى وقت صار فيه الغناء عند كثيرين سلعة موسمية، وهو ما يضع الكثير من الآمال على «آمال» لمواصلة مشوارها، وخلق حالة فنية ومشروع غنائى خاص بها لا تتشارك فيه مع أخريات فى السنوات القادمة، ولعل (حاجة غير) يكون بذرة كل ذلك.