خراب بيوت «اللى بيبنوا البيوت»!

عبد الله بدر
فى وقت لا تزال تتخبط فيه حكومة محلب فى حل مؤقت على الأقل أزمة الوقود، وتزيد الأحاديث على زيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه، مع العودة للفحم والمازوت، لا تزال أزمة مصانع الطوب متفاقمة رغم ارتفاع أسعارها واشتعال أسعار الأسمنت لقرابة الضعف. ولذلك اهتممنا بالقيام بجولة على مصانع الطوب للاطلاع على حقيقة المشهد، وفوجئنا بتوقف عدد منها وتشرد العاملين فيها وتهديد أصحابها بتغيير نشاطها مما يؤثر على السوق ليزيد الأمر سوءًا.
كالعادة الاتهامات متبادلة بين الحكومة وأصحاب المصانع والعمال، لكن قاعدة العودة للفحم والمازوت أسهل من مواجهة الكبار وتزيد الأزمة تفاقما وموقف الحكومة ضعف فى مواجهة هذه الأزمة!
رصدنا حالة من الارتباك والخوف تسيطر على محيط مصانع الطوب لعدم قدرة الحكومة على توفير المواد الخام واتهموها بالبلطجة والوعود الكاذبة، فيما دافع المسئولون عن أنفسهم بنفس هذه الاتهامات.
فأوضح د. حسام عرفات - رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية - أن المواد الخام من مازوت وخلافه متواجدة ومتوافرة وحصص المصانع تصرف لأصحابها المستوفين الشروط والإجراءات القانونية والمرخصة.
فيما قال أحمد توفيق النمر - صاحب مصنع طوب بالقناطر : تعبنا من مناورات الحكومة وقمنا بالكثير من الإضرابات ولم يستجب إلينا أحد كأنك تنفخ فى قربة مقطوعة!
والسيسى لن يصلح الأمور وحده ويجب على الكل أن يسعى وراء المصلحة العامة لا الشخصية، وأوضح (النمر) أننا نعانى من ندرة فى الطاقة والمواد الخام والمتمثلة فى المازوت و(الزيت الوسخ) مع ارتفاع أسعارها فوق المعتاد، وارتفاع سعر الطفلة التى يتم شراؤها من الجبل، حيث وصل سعر عربة النقل الثقيل سعة 40 مترا إلى 2000 جنيه بخلاف المصاريف النثرية الأخرى مثله رسوم الوزن وخلافه.
كل هذا فى مقابل قلة الدخل اليومى للعامل لأنه يعمل بالإنتاج وعدم توافر المواد الخام يقلل من إنتاجية المصنع، وبالتالى يقل الدخل.
وأشار صاحب المصنع إلى أن الحكومة ليست لديها القدرة على تلبية المطالب وتحقيقها، مضيفا أنه يجب النظر إلى مثل هذه المصانع الموجودة فى الأرياف لأنها تغذى أكثر من 150 قرية ابتداء من القناطر الخيرية إلى بنها ثم طوخ والعمل على توفير المواد الخام والعمل على تحديث هذه المصانع، فبدلا من تشغيلها بالمازوت والزيوت الملوثة للبيئة يجب إدخال خطوط غاز مثلما حدث فى عهد مبارك فى مصانع الجيزة، وإذا تم ذلك فسوف تحل الكثير من المشاكل أولها سعر الألف طوبة سوف يقل فى الثمن مع الغاز، فبدلا من 380 للألف سيكون 250 وسوف يكون فى متناول الجميع، وسوف تحل مشكلة تلوث البيئة من الأدخنة الناتجة عن الحريق والتى تتم عن طريق المازوت والزيوت، بالإضافة إلى زيادة الكفاءة الإنتاجية للمصنع فبدلا من أن يقوم المصنع بإنتاج 50 ألف طوبة فى اليوم سينتج 100 ألف طوبة إلى جانب التسويق.
وعندما تزيد حصة المصنع من الإنتاج سوف يزيد الراتب اليومى للعامل.
وحذر العديد من أصحاب المصانع خلال حوارنا معهم من أن عدم توفير المواد الخام اللازمة لتشغيل هذه المصانع فسوف يتم إغلاقها، ويقوم بعضهم بالفعل بتصفية مصانعهم لعدم قدرتهم على تشغيلها وتوفير المواد الخام، خاصة أنه لا يحق لأحد أن يخاطبنا بعدم غلق هذه المصانع إلا عند توفير الحكومة للمواد الخام ومواد التشغيل بالسعر الذى يتلاءم مع الجميع.
أحمد مصطفى - صاحب مصنع - قال لنا إن السبب الرئيسى وراء حدوث المشكلات فى مصانع الطوب هى ندرة المواد الخام وعدم تواجدها إلى جانب ارتفاع أسعارها بطريقة (فظيعة) ابتداء من المازوت إلى الطفلة، وقمنا بعرض مشاكلنا على الرأى العام لوضع حلول منطقية لحلها، ولكن لم يستجب إلينا أحد، مؤكدا أن خوفنا الوحيد على العامل الضعيف الذى لا يملك حولا ولا قوة، ولكن ما باليد حيلة، الكل متخوف من غلق هذه المصانع ووقفها سوف يكون مجبرين لعدم قدرتنا على شراء المواد الخام.
لا توجد إمكانيات لدى الحكومة لحل الأزمة بتوفير الخامات اللازمة لتشغيل هذه المصانع رغم الكثير من الإضرابات، ويؤكد العمال أن أملهم كبير فى حل أزمة توفير المواد الخام لاستمرار هذه المصانع تجنبا من غلقها أو تصفيتها لأنها تمثل ثورة اقتصادية للبلد، وتحمى أسرنا من خراب البيوت ومن الفقر.
وقال لنا مجموعة من العمال خلال جولتنا فى أحد هذه المصانع الموقوفة عن العمل: إن غلق المصانع يتسبب فى تدمير الكثير من البيوت وتخريبها وفشل أولادنا فى مراحل التعليم المختلفة، وتعلمون جيدا أن الدروس الخصوصية الآن باهظة التكاليف، لذلك نناشد المسئولين بتوفير كل مستلزمات المصانع حتى لا نلجأ إلى الطرق غير المشروعة المتوفرة الآن من السرقة والنهب، وتجارة المخدرات والسلاح، وتكون الحكومة هى السبب الأساسى فى ذلك لعدم قدرتها على تحقيق مطالبنا، وهذه ليست مطالب فئوية وإنما عامة للمواطن قبل العامل وصاحب المصنع!
وقال لنا عمال آخرون فى مصنع بميت غمر إن عملية توفير مستلزمات الإنتاج والوقود ليست صعبة لكن تحتاج تشغيل مخ بس، ونطالب الحكومة بتوفير الرعاية الصحية لعمال هذه المصانع لأنهم عماد التنمية ولولاهم ما تم تشغيل قطاع البناء، الأهم فى دعم الاقتصاد المصرى فى كل وقت!
وأوضح العمال خلال حوارهم معنا أنهم قاموا بعمل الاحتجاجات والإضرابات مضطرين لحل الأزمة، وتم غلق المصانع لمدة شهر بالكامل بسبب قلة المواد الخام وقلة الدخل اليومى للعامل لتراجع الإنتاج، لكن لم تستجب لنا الحكومة وكأننا كلاب أو ذئاب ضالة تعوى فى الطريق، فحكومتنا تضع يدها فى المياه الباردة لعدم قدرتها على توفير المواد الخام الخاصة بالمصنع، لكننا نريد أن نعمل والحل الوحيد فى توفير المواد الخام.
وأوضح العمال أن حكومتنا تطالبنا بعدم الإضراب، نظرا لظروف البلد ويخدرونا بحلول غير صادقة، ويرددون وعودا كاذبة وكل هذا سوف تكون له آثار سلبية على الحكومة أولا وخطر على صاحب المصنع والمواطن الغلبان، متسائلين لماذا لا تعاملنا الحكومة مثل المصانع الأخرى فى الجيزة والمنصورة، هل لأننا لسنا على بالهم أو بالقرب منهم وليس لدينا من يوصل أصواتنا ومطالبنا إليهم، إننا نناشد رئيس الوزراء اتخاذ اللازم والعمل على توفير الخامات وتطوير المصانع من الأسوأ إلى الأحسن، وعندما يحدث ذلك سوف نكون أشد الناس خوفا على تلك المصانع والمحافظة على استمرارها والحرص على عدم إغلاقها.
وقال أحمد السيد صاحب أحد مصانع طوب: إن هذه المشاكل التى تحدث عنها العمال وأصحاب المصانع قبلى ليست هى الأزمة فقط فى حد ذاتها بل هناك مشكلة انقطاع التيار الكهربى وقلة الطفلة وعدم توافرها بالكميات المطلوبة مما يتسبب فى خسائر مادية كبيرة تعود علينا بالضرر لأننا نلجأ إلى شرائها من السوق السوداء، وعرضنا مشاكلنا على الغرف التجارية للمواد البترولية وعلى الجهات المتخصصة المشرفة على تلك المصانع ولم يحلها لنا أحد، مطالبين بالحفاظ على قطاع مصانع الطوب لأهميته الاقتصادية والاجتماعية!
ودعا هو أيضا للعمل بالغاز الطبيعى تجنبا لأى تلوث بيئى أو مخاطر تعود على الكتل السكنية المحيطة بالمصانع، وتحسين أدائها ونشدد على توفير حصصها تبعا للشروط المقننة والتى تحددها الغرف التجارية للمواد البترولية!
من جانبه اعترف حسام عرفات رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، وأوضح لنا الأمور بعدما أطلعناه على نتائج جولتنا على المصانع ونقاشنا مع أصحابها والعمال بها : بأن المازوت ليس متوافرا بالشكل الكافى لأن الحصص الموجودة على قدر المصانع المرخصة، وغير المرخص لا يملك حصة لأنه غير مستوفى الشروط.
نطرح يوميا ألف طن من المازوت لماذا لم أطرح أكثر من ذلك هذا حسب الأوراق التى أمامى، ولكن لو الكل مقنن أوضاعه رسميا وبيئيا سوف يظهر لى ذلك فى الأوراق، وهيروح يأخذ حصته، هل هو ذهب لطلب حصته وفقا للاشتراطات وتم رفضه ؟!
وأضاف عرفات أن المواد الخام متوافرة للمرخص والمقنن أوضاعه وبسعره الرسمى، لماذا المنصورة وميت غمر والجيزة لم تفعل مثلما فعل هؤلاء، مشيرا إلى أن بعض المصانع تريد زيادة الطاقة الإنتاجية لها فى اليوم،والمصنع طاقته الإنتاجية اليومية على سبيل المثال 100 ألف طوبة يحتاج إلى 10 أطنان مازوت، وصاحب المصنع يريد العمل ليلا ونهارا لزيادة الإنتاجية.. أوفر له مازوت منين.. هيطر يشتريه من السوق السوداء، موضحا أن كل هذه التكاليف تكون على حساب الزبون وصاحب المصنع يريد ربحا.
أوضح عرفات أن الشبكة القومية للغاز الطبيعى غير قريبة من تلك المصانع لبعد المسافة بينهما ، فعلى سبيل المثال إذا قمنا بإدخال هذه الخطوط إلى تلك المصانع كام واحد هيشترى ويشترك معايا ممكن أعمل هذا كله ويأتى وقت الجد الناس ترفض الاشتراك وتكبر دماغها فمن لديه القدرة على دفع 500 ألف جنيه فى شعلة الغاز على سبيل المثال.
وفى السياق ذاته قال لنا عرفات: إن أصحاب المصانع أصحاب مصلحة لأنه لا يوجد واحد فيهم يبيع بما يرضى الله كله يتعامل حسب العرض والطلب.. فيه طلب يرفع الأسعار.. مفيش طلب يندب حظه لعدم وجود سوق، وهذا ملحوظ الآن بسبب زيادة سعر الأسمنت.
وأضاف عرفات أن كل صاحب مصنع يهدد بالتصفية والغلق كذاب، لأن من يريد التصفية لابد أن يكون عنده بديل وأنشطة أخرى.
ووجه عرفات كلمة إلى أصحاب المصانع بقوله: عليهم أن يقننوا أوضاعهم ويستوفوا الشروط والإجراءات وأن يذهبوا إلى الهيئة العامة المصرية للبترول وسوف تعطيهم كل شىء يريدونه!