الإثنين 11 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تاريـــــخ الخيانــة الإخوانى

«من حسن البنا إلى دعوة الأسطول الأمريكى»

لكى نتكلم عن الخيانة يجب أن نتحدث أولاً عن الوطنية، فالخيانة لا تكون فى أبشع صورها إلا تجاه الوطن، وهى خيانة حتى لو تلبست ثوب المعارضة، فهناك فرق لو تأمله الناس كما ينبغى، لاستراحوا من كثير من الخلط، ومن كثير من الادعاء، فالمعارضة فى أصلها وجوهرها هى جزء أصيل من أى نظام سياسى صحى.



 

وأن تقول «لا» للسلطة لا يعنى بالضرورة أنك وطنى، كما أن تقول «نعم» لا يعنى بالضرورة أنك تابع.

فالوطنية ليست انفعالاً عابرًا، ولا نشيدًا يُتلى فى المناسبات، ولا علمًا يُرفع لمجرد الزينة. بل هى -فى جوهرها- تجسيد واع لعلاقة الإنسان بالأرض، والزمان، والتاريخ. هى تلك اللحظة التى يُصبح فيها الوطن -ليس كيانًا سياسيًا فحسب- بل قدرًا، ورسالة، ومصيرًا.

أما أولئك الذين يرفعون لافتات المعارضة، بينما يحنون رؤوسهم لكل غريب، ويعرضون بلادهم فى المزاد السياسى، فليسوا معارضين، بل منفيين حضاريًا، مغتربين عن جغرافيتهم، مارقين على هوية أوطانهم.

لقد خلط البعض عمدًا بين الخلاف المشروع والخصومة الهدامة، حتى باتت كل صرخة ضد الدولة تُقدم على أنها بطولة، وكل محاولة لكشف خيانة أو تآمر تُوصف على أنها تصفيق أو تطبيل للحاكم.

المعارضة ليست خيانة، لكن الخيانة -مهما تزيّنت بعبارات الحرية والشرعية- لا يمكن أن تكون معارضة.

فـ«الجاسوسية» مثلاً هى خيانة ناعمة، لا تُشهر السلاح، لكنها تبث السم فى الجسد الوطنى بهدوء، كحية رقطاء.

وهكذا كانت جماعة الإخوان منذ نشأتها…لم تكن معارضة وطنية، بل مشروعًا استعماريًا موازيًا للأمة، لا يؤمن بالدولة، ولا بالوطن، ولا بالمجتمع، بل فقط بالتنظيم، وما عداه إمّا تابع أو عدو.

فمنذ نشأتها عام 1928 على يد حسن البنا، لم تُخفِ جماعة «الإخوان» طموحها السياسى الذى لم يعرف حدودًا.

ولكنه لم يكن طموحًا مشروعًا، بل كان استعدادًا دائمًا للتحالف مع أعداء الوطن فى سبيل تحقيقه، حتى لو كان الثمن هو خيانة الدم والتاريخ.

كانت البداية فى أجواء الاحتلال الإنجليزى لمصر، عندما نشأت الجماعة وتوسّعت بدعم مالى وموافقة وترحيب من الإنجليز التى كانت قبضتهم تخنق كل تيار وطنى حقيقى، ولكن مع الإخوان كان كل شىء متاحًا، ولا أخالنى أقول جديدًا أو أنقل شيئًا مجهولاً عندما أقول إن تقارير بريطانية تم الكشف عنها منذ سنوات تحدثت عن صلات بين حسن البنا وبعض الدوائر المخابراتية البريطانية، سواء بشكل مباشر من خلال لقاءات متعددة أو عبر وسطاء. 

فقد سعى حسن البنا بكل جهده لتقديم نفسه كبديل آمن ومفيد للمصالح الأجنبية، مقابل تسهيلات تنظيمية لجماعته تسمح له بالانتشار فى مصر لكى يكون كيانًا دينيًا موازيًا للأزهر الشريف، ولكى يكون تنظيمًا حركيًا قادرًا على ضرب الأحزاب السياسية الوطنية.

هذه العلاقة الملتبسة ظهرت بوضوح عندما كانت الجماعة تتحرك بحرية فى الأربعينيات، بينما تُحل الأحزاب الوطنية وتُضرب الصحافة الحرة ويُعتقل النقابيون والمناضلون.

ولم تتأخر الجماعة كثيرًا فى كشف وجهها العنيف؛ فقد اغتالت المستشار أحمد الخازندار عام 1948 لا لأنه أصدر حكمًا على أحد أعضاء التنظيم. ولكن لأن تاريخه السياسى خارج القضاء كان معارضًا للاحتلال الإنجليزى، لم يغتالوه بدنيًا فحسب ولكن اغتالوه معنويًا عندما زعموا أنه كان مواليًا للإنجليز وهو المعارض لهم!، وهكذا كانوا يتلاعبون بالتاريخ ويُزيفون حقائقه.

ثم امتدت يد الإخوان إلى رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى العام نفسه، ولا يخدعنك التاريخ الذى زوره الإخوان بأنهم قتلوه لأنه أصدر قرارًا بحل الجماعة، ولكنهم زعموا أنه كان رجل الإنجليز مع أنه فى ثورة 1919 كان من الفدائيين الذين حاكمهم الإنجليز بتهمة مقاومتهم، وهكذا كانوا يتخلصون من خصوم الإنجليز تحت لافتات مزيفة. 

والحقيقة هى أن الخصوم بالنسبة للإخوان لم يكن خروجًا عن منهجهم، بل جزءًا من تصورهم المنحرف لـ«الجهاد السياسى» الذى يخلط بين الدين والاغتيال.

وفى عام 1954، حاولت الجماعة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى «حادث المنشية»، وهى المحاولة التى جاءت بعد سلسلة تحذيرات من نوايا التنظيم، هل يعرف أحد لماذا حاولوا اغتيال عبدالناصر؟ ولماذا أنكروا -فى تأريخهم المزيف للحادث- أنهم حاولوا قتله؟ لو عاد أى باحث لصحف هذه الفترة لأدرك أن جماعة الإخوان كانت تُعارض اتفاقية الجلاء، وكانت تُنظم المظاهرات ضدها، وتوزع المنشورات الرافضة لها، هذا أمر معلوم من التاريخ بالضرورة ولكن الإخوان وضعوا عليه ستارًا من النسيان، حتى لا يربط أحد ما قاموا به لنفس المسعى الذى كانت تقوم به شبكة لافون الصهيونبة فى مصر فى ذات التوقيت.

لكن ما خفى كان أعظم. ففى عام 1965، كُشف عن تنظيم جديد يقوده سيد قطب، كان هدفه ليس فقط إسقاط النظام، بل تفجير مرافق الدولة الحيوية مثل القناطر الخيرية، السنترال، محطة مصر، ومحطات الكهرباء. لقد كانت تلك المخططات بمثابة إعلان صريح بأن الجماعة لا تُعارض الحكم فحسب، بل تستهدف المجتمع ذاته وتعمل على تدميره من الجذور.

وأيضًا لم تكن النكسة العسكرية فى 5 يونيو 1967 نكسة واحدة، بل كانت نكستين: نكسة السلاح، ونكسة الأخلاق، ففى الوقت الذى كان فيه المصريون والعرب يعيشون مرارة الهزيمة وسقوط القدس وسيناء والجولان، خرج الإخوان فى عواصم أوروبا والكويت والسعودية وأمريكا يحتفلون بما وصفوه بـ«سقوط الطاغية» عبدالناصر. كانت خيانة واضحة وشماتة لا تخطئها عين، وكأن الهزيمة لم تكن للجيش المصرى بل لوطن يكرهونه ويتمنون هدمه ليجلسوا على أنقاضه.

ورحم الله الرئيس أنور السادات الذى فتح لهم السجون، وأطلق سراح قياداتهم، وسمح بعودتهم للصحافة والجمعيات، والنقابات، بل واستخدمهم ككارت فى صراعه مع اليسار والناصريين. لكنهم كالعادة ردوا الجميل بالخيانة. ففى 6 أكتوبر 1981، اغتيل السادات على يد فرع من فروع الإخوان.

وحين اندلعت أحداث 25 يناير 2011، ظهر الإخوان فى المشهد كقوة مستعدة لتولى السلطة، رغم أنهم لم يكونوا فى طليعة الثورة. ثم سرعان ما أظهروا وجههم الحقيقى بعد وصولهم للحكم.

فقد أصبح مكتب الإرشاد هو الحاكم الفعلى للبلاد، بينما بدا الرئيس محمد مرسى وكأنه مندوب الجماعة فى قصر الرئاسة. وفى تلك الفترة، تكشّفت سلسلة خيانات على مستوى السياسة الخارجية.

فإذا بالرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر يأتى إلى مصر، ليزور الإخوان ويصافحهم يدًا بيد، فقابل المرشد العام محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، لم يكن اللقاء عابرًا، بل كان جزءًا من تنسيق مباشر بين الجماعة والإدارة الأمريكية.

ثم تكررت اللقاءات مع مسئولين أمريكيين كبار مثل جون كيرى (وزير الخارجية حينها)، وجون ماكين (رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ)، وقد قدّموا للإخوان دعمًا صريحًا، جعل الجماعة تشعر بأنها فوق الدولة.

ثم بلغ الانهيار الأخلاقى ذروته فى اعتصام رابعة، وحين ظهرت الخيانة على وجوه المعتصمين، عندما رُفعت شعارات غير مسبوقة تُطالب بتدخل أمريكى مباشر. ووصل الأمر إلى دعوة الأسطول الأمريكى للتدخل فى مصر بدعوى «حماية الشرعية». كانت هذه لحظة كاشفة للعامة والخاصة: تلك الجماعة لا تؤمن بالديمقراطية، ولا بثورة، ولا بدولة، بل تؤمن بمشروعها وحده، ولو جاء على ظهر دبابة أمريكية. أو من خلال الصهاينة بيريز ونتنياهو.

ومن حسن البنا إلى محمد مرسى، ومن حادث الخازندار إلى دعوة الأسطول، كان هناك خط واحد يربط بين كل أفعال الجماعة: التمكين بأى ثمن، ولو كان الثمن هو خيانة الوطن، أو التعاون مع العدو، أو تدمير الدولة من الداخل.