السبت 5 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من القاهرة إلى الإسكندرية: وقائع الدم والخيانة

لم يكن سقوط الإخوان فى 2013 مجرد نهاية تجربة سياسية؛ بل كان كشفًا للوجه الحقيقى للجماعة التى تحترف الاختباء خلف شعارات دينية براقة.



سنوات طويلة مرت كانت الجماعة تقوم خلالها بتسويق نفسها على أنها جماعة «دعوية سلمية»، وسرعان ما ظهرت حقيقتها عندما اصطدمت بإرادة المصريين الرافضين لحكمها، وخلال أشهر قليلة كشفت الوقائع عن حجم العنف الذى تحمله جماعة الإخوان، ومدى استعدادها لسفك دماء المصريين للحفاظ على وجودها فى السلطة.من قصر الاتحادية إلى بين السرايات، ومن مسجد القائد إبراهيم إلى ميادين القاهرة والإسكندرية، تركت الجماعة بصمة دموية لا تزال حاضرة فى وجدان المصريين، لا تُنسى ولا تُغتفر.

 

 الاتحادية ساحة إعدام شعبى

فى ديسمبر 2012، خرج آلاف المصريين فى مظاهرات حاشدة إلى محيط قصر الاتحادية الرئاسى، احتجاجًا على الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى. الإعلان الذى حصن قراراته وجعلها فوق الرقابة القضائية، اعتبره المصريون خطوة نحو ديكتاتورية دينية، وبعد إصداره بدأت الجماعة تحشد أنصارها، وتدفع بهم إلى الميدان لـ«تأديب» المعارضين. وفى ليلة 5 ديسمبر 2012، تحول محيط القصر إلى ساحة دامية، حيث هاجمت ميليشيات الإخوان المتظاهرين، وقاموا باعتقال عدد منهم، واحتجازهم خلف أسوار القصر وتعذيبهم بعنف، ولن ننسى أن أحد هؤلاء الضحايا كان الصحفى الحسينى أبوضيف، الذى أصيب برصاصة فى رأسه وتوفى لاحقًا، ليصبح رمزًا لجريمة مكتملة الأركان. شهادات الناجين تحدثت عن تعذيب بالكهرباء، وسحل وضرب مبرح تحت حماية مسلحين من الإخوان. وأكدت منظمات حقوقية محلية ودولية تورط قيادات إخوانية بارزة فى التخطيط لتلك المذبحة، على رأسهم محمد البلتاجى، وأسعد الشيخة، وأحمد عبدالعاطى، فيما أكدت النيابة العامة لاحقًا أن تلك الاعتداءات لم تكن عفوية؛ بل ممنهجة ومقصودة لإرهاب كل من يعارض الجماعة.  

 

 مذبحة بين السرايات

مسجد القائد إبراهيم

فى يوم الجمعة 21 ديسمبر 2012، شهد محيط مسجد القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية اشتباكات عنيفة بين متظاهرين معارضين للإعلان الدستورى، وبين أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين احتشدوا لدعم الرئيس الأسبق محمد مرسى. تحول محيط المسجد إلى ساحة صراع مفتوح، حيث تبادل الطرفان التراشق بالحجارة والزجاجات، وأُطلقت قنابل الغاز من قبل قوات الأمن لتفريق المتظاهرين، فيما تم حصار المسجد لساعات وسط حالة من التوتر الشديد. ورغم أن المسجد كان من المفترض أن يكون ملاذًا آمنًا للمصلين، فإن ما حدث أظهر كيف استغلت جماعة الإخوان دور العبادة إلى بؤر لتسوية الصراعات السياسية، وميادين تعبئة حزبية، دون مراعاة لقدسية المكان أو لحساسية اللحظة. وتسببت الأحداث فى وقوع عدد من الإصابات، فيما تدخلت قوات الأمن لفتح الطريق أمام خروج المحاصرين، وسط إدانات من قوى سياسية ومجتمعية لما آل إليه المشهد من توتر غير مسبوق داخل مسجد تاريخى له رمزية دينية ووطنية.

 إلقاء الأطفال من فوق أسطح المنازل 

فى 5 يوليو 2013، وبعد اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للإخوان فى منطقة سيدى جابر بالإسكندرية، صعد عدد من أنصار الجماعة إلى أحد أسطح العمارات لمطاردة معارضيهم وكان بين المطاردين شاب يُدعى محمود رمضان، يرتدى على كتفيه علم تنظيم القاعدة، ويوثق للحظات إلقاء طفلين من فوق سطح العمارة، ما أدى إلى مقتل أحدهما.

الفيديو الذى انتشر بشكل واسع فى وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، هز وجدان المصريين، وأصبح مشهدًا موثقًا لجريمة مكتملة البشاعة.

وأثبتت التحقيقات أن القاتل اعترف بفعلته، وتم الحكم عليه بالإعدام، ونُفذ الحكم لاحقًا، لكنها كانت واحدة من الوقائع التى مثَّلت علامة فاصلة فى وجدان المصريين عن ماذا يعنى حكم جماعة الإخوان، حيث ظهر أنها وأنصارها لن يترددوا فى قتل المختلف معهم سياسيًا، سواء كان طفلًا أو رجلًا أو امرأة أو شيخًا، بل يعتبرون ذلك فرض عين يستدعى الاحتفال والاحتفاء.

فى 2 يوليو 2013، وبعد إعلان عزل محمد مرسى، قررت جماعة الإخوان معاقبة المصريين على قرارهم التاريخى، حيث بدأت عمليات ممنهجة للعنف فى أكثر من مكان، وكان أحد أبشعها ما حدث فى منطقة «بين السرايات» القريبة من جامعة القاهرة.

فى الساعات الأولى من الليل، هاجمت مجموعات من أنصار الجماعة شوارع المنطقة، وأطلقوا الرصاص من فوق أسطح العمارات على المدنيين، واندلعت النيران فى عشرات السيارات والمحال التجارية، وسقط عدد كبير من القتلى والمصابين، ووجد الأهالى الذين اعتادوا على الهدوء أنفسهم فى ساحة معركة دون سابق إنذار.

ولاحقًا أثبتت تحقيقات النيابة العامة أن منفذى تلك الهجمات تلقوا تعليمات مباشرة من قيادات الاعتصام المسلح بميدان النهضة القريب، وكانت العملية تهدف لبث الفوضى وإجبار الدولة على التراجع عن قراراتها، وكشفت الواقعة أن الجماعة مستعدة لاستهداف الأبرياء فى أحيائهم السكنية إذا كان ذلك يخدم مشروعها.  

 

 اعتصام مسلح فى قلب العاصمة

منذ يوم 30 يونيو 2013، بدأت جماعة الإخوان فى حشد أنصارها فى ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، للقيام باعتصام قالوا إنه «سلمى»، بينما أظهرت الوقائع عكس ذلك تمامًا.

فى أيام قليلة تحول الميدان إلى بؤرة للعنف، حيث أُقيمت متاريس، وتم تخزين الأسلحة النارية والبيضاء داخل خيام المعتصمين، وانتشرت الخطابات التحريضية على العنف من فوق منصة منصوبة لبث خطابات العنف والتحريض ضد الدولة ومعارضى حكم الإخوان، واشتكى سكان حى الدقى والعجوزة المجاورين للاعتصام مرارًا وتكرارًا من الاعتداءات التى طالتهم، ومن تحرش عناصر الاعتصام بالمارة والنساء، واحتجاز مواطنين داخل الخيام وتعذيبهم، كما تم استخدام الأطفال والنساء دروعًا بشرية، فى انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.

وعندما قررت الدولة فض الاعتصام فى 14 أغسطس 2013، وجدت قوات الأمن نفسها أمام ميليشيات مسلحة، تطلق النار بكثافة من داخل الميدان، ولاحقًا عثرت أجهزة الأمن على مخازن للأسلحة والذخيرة، ومستندات تحرض على استهداف مؤسسات الدولة والكنائس، فلم يكن ما جرى مجرد احتجاج سياسى، بل محاولة لبث الذعر وإخضاع المصريين لحكم الجماعة بقوة السلاح.  

 التاريخ لن ينسى  

خلال عام واحد من حكم الإخوان، ثم أشهر قليلة من صراعهم مع الدولة والمجتمع، خلفت الجماعة سجلًا من التعذيب إلى الحرق سيظل شاهدًا على طبيعتها الدموية، ومن التحريض إلى القتل، لم تترك الجماعة للمصريين سبيلًا سوى التخلص منها، فلم يتورع الإخوان عن احتلال المساجد واستخدام الأطفال، ولم تترك الجماعة وسيلة ترهيب للشعب المصرى وكسر إرادته إلا وذهبت إليها، لكنها فشلت وسقطت، وبقيت مصر.

إن توثيق تلك الجرائم ليس تكرارًا للمآسى، بل واجب وطنى لحماية ذاكرة الأجيال من التضليل، وتذكيرهم بأن الحرية ليست شعارات، بل واقع يحمى بالوعى والتضحية.