الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من وعود السلام إلى استدعاء حاملات الطائرات

ترامب صانع الأزمات

حمل خطاب ترشح دونالد ترامب لفترة رئاسية ثانية، الكثير من النوايا الطيبة - على حد وصفه - لتعزيز الأمن، وإنهاء الحروب، وتحقيق «سلام تاريخي» فى الشرق الأوسط، استكمالًا لما أسماه «صفقة القرن»، لكنه، وكعادته، يفعل عكس ما يقول، فما إن عاد للمشهد بقوة، مدعومًا بقاعدته الشعبية، حتى بدأت المؤشرات تدل على عودة نهجه التصعيدى، بل وأكثر جرأة وتطرفًا من السابق.



ولم يتورع عن ممارسة الخداع فى أشكال الحروب بداية استخدام تصريحاته ستارًا لقوات الاحتلال الإسرائيلى لمباغتة إيران ومرورًا بخداع إيران نفسها وشن هجومه على المنشآت النووية الإيرانية، فبينما يتحدث عن السلام يطلق العنان لأشكال الحروب.

 

وأشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية، إلى أن الرئيس الأمريكى، الذى تعهّد بإنهاء الصراعات حول العالم، بات يشرف اليوم على تصعيدها، فى وقت تبدو فيه أجندته الخارجية غارقة فى الفوضى والتناقض.

ورغم تعهّده، خلال خطاب تنصيبه فى يناير الماضى، بأن يكون «صانع سلام وموحِّدًا» يعيد الاستقرار إلى عالم مضطرب؛ فإن الواقع يكشف عن صورة مغايرة، فبدلًا من إطفاء الحرائق، يجد ترامب نفسه اليوم يدير عدة أزمات متفجرة، من غزة مرورًا بإيران.

ووفق الصحيفة، فإن ترامب وعد باستخدام القوة الأمريكية لإنهاء الحروب وجلب «روح جديدة من الوحدة»، لكنه بعد 5 أشهر من ولايته الثانية، يبدو أن تلك الطموحات انهارت بشكل درامى.

وتابعت الصحيفة، إن «التسلسل الزمنى للأحداث يكشف عن انفصال صادم بين نوايا ترامب والواقع الميداني»، إذ جاءت الغارات الإسرائيلية المكثفة على إيران بعد ساعات فقط من مطالبة ترامب بعدم التصعيد، ليتبيّن لاحقًا أنه كان على دراية كاملة بالخطط الإسرائيلية، بل حذّر من أن «الهجمات المقبلة ستكون أكثر وحشية».

إيران وإسرائيل

خلال حملته للفترة الثانية، تعهد ترامب بتقليص الوجود العسكرى الأمريكى بالخارج ومنع اندلاع حروب جديدة، بجانب تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط وحماية المصالح الأمريكية دون التورط فى نزاعات طويلة الأمد، إلا أن الواقع رسم صورة مختلفة تمامًا، فقد استخدم ترامب شعار «السلام عبر القوة»، لكنه عمليًا كان يُشعل نيران الأزمات بدلًا من إخمادها، وأعاد إنتاج سياسات الهيمنة والمواجهة.

وكثف ترامب، منذ الأيام الأولى لعودته السياسية، خطابه العدائى تجاه إيران، معتبرًا أن الاتفاق النووى الذى وقّعه بايدن «كارثة أمنية»، متوعدًا بـ«وقف التهديد الإيرانى نهائيًا»، وهو الأمر الذى تُرجم ميدانيًا عبر ضوء أخضر أمريكى غير مباشر لإسرائيل لتوسيع عملياتها ضد أهداف إيرانية فى سوريا والعراق وتعزيز العقوبات الاقتصادية التى طالت حتى الأدوية والمواد الإنسانية، بالإضافة إلى دعم المعارضة الإيرانية علنًا بطريقة أثارت توترًا داخل طهران.

ساهم هذا فى تقويض أى فرص حقيقية للحوار، ودفع إيران إلى التصعيد فى الملف النووى، بل وتهديد الملاحة فى الخليج، مما رفع من منسوب التوتر الإقليمى بشكل غير مسبوق.

وأكد «ترامب» على «الحق الكامل» لإسرائيل فى الدفاع عن نفسها ضد «التهديد الإيرانى»، ونقل سفارة أمريكا إلى القدس (فى ولايته الأولى) لم يكن نهاية الدعم، بل بدايته، ومنح إسرائيل غطاءً سياسيًا فى مجلس الأمن، ودعمها دبلوماسيًا فى كل عملياتها، بما فيها اغتيال قادة من الحرس الثورى الإيرانى.

وقال الباحث نعمان توفيق العابد، لـ«روزاليوسف»: إن نهج صناعة الأزمات الذى يتبناه ترامب هدفه فرض نظام ترامبى عالمى جديد لذلك تحدث الأزمات والصراعات فى محاولات للتصدى له.

وقال د. تريتا بارسى - خبير فى شئون إيران بمعهد كوينسى «كلما زاد ترامب من ضغوطه القصوى على إيران، اقتربنا من نقطة اللاعودة. سياسته لم تكن ردعية، بل استفزازية، وتجاهلت تمامًا طبيعة النظام الإيرانى الذى لا يخضع بالسهولة التى يتخيلها ترامب».

وحمل «بارسي» ترامب مسئولية «الانهيار الدبلوماسى الكامل» مع إيران، بعد انسحابه من الاتفاق النووى وتشجيعه لإسرائيل على ضرب المصالح الإيرانية، مما جعل الحرب احتمالًا قائمًا، لا سيناريو بعيدًا.

وانتهت تناقضات ترامب بتوجيه الولايات المتحدة نفسها الضربات للمنشآت النووية الإيرانية. وأثار إعلان ترامب عن «نجاحه» فى التوسط لوقف إطلاق النار استياءً فى نيودلهى، التى سارعت إلى نفى أى دور أمريكى فى الأمر.

ولم يكن تصريح وزير الدفاع بيت هيغسيث عن وجود خطط للسيطرة العسكرية على غرينلاند وبنما أقل إثارة للدهشة، ما يثير تساؤلات جدية حول معنى «السلام» فى قاموس الإدارة الأمريكية.

رجل صفقات

قال ريتشارد هاس – رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى إن «ترامب يرى السياسة الخارجية من منظور تجارى بحت، هو لا يفهم العلاقات الدولية كعملية توازنات دقيقة، بل كمسألة ربح وخسارة مباشرة. وهذه نظرة خطيرة فى عالم تملؤه الألغام السياسية والدينية».

ورأى أن ترامب «فكك» النظام الدبلوماسى الذى بنته أمريكا لعقود، واختزل العلاقات الدولية فى شعارات شعبوية، وهو ما ساهم فى زعزعة ثقة الحلفاء، وزيادة جرأة الخصوم.

وقال إيلان غولدنبرج - محلل فى مركز الأمن الأمريكى الجديد إن «ترامب لا يملك إستراتيجية، بل سلسلة من ردود الفعل. هو يتخذ قرارًا بحجم ضرب قائد فيلق القدس قاسم سليمانى، دون تصور للعواقب التالية».

ورأى غولدنبرج أن سياسة ترامب «تفتقر إلى الرؤية طويلة المدى»، وأنه تعامل مع الشرق الأوسط كـ«حلبة استعراض»، حيث يُطلق تصريحات نارية لجذب الإعلام، دون أى نية حقيقية لإدارة الأزمات بذكاء سياسى.

وأشارت نعومى كلاين - كاتبة وناقدة سياسية - إلى أن «ترامب يوظّف الأزمات لخلق حالة من الصدمة لدى الجمهور، ثم يعيد تشكيل الواقع بما يخدم مصالحه ومصالح نخبة ضيقة.

هذه ليست مجرد سياسة خارجية… هذه عقيدة اقتصادية مبنية على الفوضى».

وربطت كلاين بين إدارة ترامب للأزمات وبين منهجية «عقيدة الصدمة»، معتبرة أن ترامب يستخدم الأزمات - من إيران إلى الداخل الأمريكى - لصنع واقع جديد يُقصى معارضيه، ويبرر السياسات المتطرفة.

وأوضح مارتن إنديك – السفير الأمريكى الأسبق فى إسرائيل أن «ترامب أعطى إسرائيل كل ما تريد، لكنه لم يحصل منها على شيء يُذكر يخدم الاستقرار، منحهم القدس والجولان والدعم السياسى الكامل، لكنه لم يطلب أى مقابل، ولا حتى التزام بتهدئة».

وأضاف أن سياسة ترامب تجاه إسرائيل «غير متوازنة»، وساهمت فى تآكل ما تبقّى من الدور الأمريكى كوسيط نزيه فى عملية السلام، مما فتح الباب لتطرف الطرفين وغياب أى أفق تفاوضى. 

أفغانستان وأوكرانيا 

ورغم أن قرار الانسحاب العسكرى من أفغانستان تم خلال إدارة بايدن؛ فإن ترامب عاد ليهاجم هذا القرار، متوعدًا بأنه «لن يترك طالبان بدون رد إن عاد للحكم». هذه التصريحات ساهمت فى زعزعة الوضع الأمنى أكثر، خصوصًا مع وجود جماعات متطرفة اعتبرت تصريحات ترامب ذريعة للتصعيد.

بدأ ترامب فى ولايته الثانية اتخاذ خطوات غامضة تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية، فبين التهديد بقطع المساعدات، والتشكيك فى أهمية دعم كييف، بدا وكأنه يمهّد لتفكيك التحالفات الغربية، وهو ما شجع روسيا على توسيع نفوذها.

لم يُبدِ ترامب أى اكتراث بالأبعاد الإنسانية للصراعات، سواء فى غزة التى تعرضت لقصف إسرائيلى مدمر بمباركة أمريكية، أو اليمن التى تجاهلها تمامًا رغم الكارثة الإنسانية المستمرة أو حتى سوريا التى باتت ساحة صراع إقليمى دون أى مبادرات أمريكية للحل.