
ماهر فرغلى
ثورة 30 يونيو التى رأيت
حينما يحل يوم 30 يونيو، أتذكر ما رأيته وشاهدته ولم يره الجيل الذى كان صغيرا فى هذا الوقت، وهنا أوجب على نفسى الحكى عن هذه التجربة، حتى يعلم الجاهلون، ويزداد وعيا التائهون، ويعود لحظيرة الدولة الشاردون. قبل هذا اليوم بشهور حولت الجماعة شعارها «مشاركة، لا مغالبة»، إلى «هيمنة واحتكار» لكل السلطات، حتى الاقتصاد المصرى وضعته فى يد اثنين من رجال الأعمال الإخوان (خيرت الشاطر وحسن مالك)، عبر ما يُعرف بجمعية «ابدأ»، التى راحت تهيمن رويدا رويدا على اقتصاد مصر، وقبل 30 يونيو 2013، كافح الشعب المصرى من أجل الحصول على رغيف العيش والدقيق، وعانى من أزمات غير مسبوقة فى الكهرباء، والبنزين والسولار.
حاولت الجماعة أن تؤخون كل المؤسسات والمناصب الحساسة فى الدولة، وبدا أنها تريد قضم كل شيء، وتحالفت مع كل تنظيمات الإسلام السياسى، التى كانت إلى وقت قريب تنتقد تصرفاتها، وتدّعى أن لديها القدرة الوحيدة على مجابهتها، وظهر ذلك جليا فى المؤتمر الذى كان فى الاستاد، الذى دعا إليه السلفيون والجهاديون وعلى رأسهم قتلة الرئيس السادات، ودُعىَ فيه إلى الجهاد فى سوريا.
ووقعت أحداث الاتحادية، وحوصرت كاتدرائية العباسية، والتف الإخوان حول دار القضاء العالى، واعتصموا أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، وتوعّد قادة الجماعة بأن يحكموا مصر لمدة خمسمائة عام، مهددين بالانتقام من معارضيهم.
كانت كل الظروف السياسية والاقتصادية تؤكد بشكل موضوعى أن الثورة مقبلة على حكم الجماعة وإعلانها الدستورى، وديكتاتوريتها التى باسم الإسلام.
وخرج الملايين فى الشوارع، ليخرج مرسى فى المقابل على الشعب المصرى بخطاب مثير للشفقة والسخرية، وبعدها اعتصمت الجماعة فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، وكان الهدف من ذلك هو جر الجيش والداخلية للعنف وإلى معركة يسقط فيها ضحايا وتسال فيها دماء، فيخرج الإخوان يبكون ويولولون ويمزقون الثياب ويخرجون الجنازات ويتهمون القوات المسلحة بقتل المدنيين المسالمين.
فشلت محاولات الجماعة، فاستعانت بالتنظيمات الصغيرة، حيث شهدت مصر مع ثورة 30 يونيو جماعة «وايت بلوك إسلامى»، ومنذ الأيام الأولى أصبح هناك دور كبير لمجموعات «الألتراس الرياضية»، وهى روابط تشجيع الأندية المصرية، الذين لجأوا إلى طرق عنف غير تقليدية، كقطع الطرق، وتعطيل المترو، والتهديد بالانتقام.
وظهرت فيما بعد جماعات مثل «طلاب الشريعة»، و«حازمون»، التى كانت أكبر الجماعات الموالية للإخوان، ووفق حديث مؤسسهم فى أحد مؤتمراته: «أنتم الذين ستفكون أسر مصر... أما هؤلاء الذين رضوا واستكانوا فلا تتباكوا عليهم... إننا فى رباط، والرباط بدأ من الآن».
استطاعت حازمون توليد مجموعات أخرى مثل «أحرار حازمون»، الذين أنشأوا فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعى «حازمون ضد الانقلاب»، و«حازمون ولن نقهر بإذن الله»، و«حازمون حتى نهاية المطاف».
وعادت ما تسمى «جماعة وادى النيل الجهادية»، التى أسسها أبو حاتم الحزام فى عام 2006، وظهرت من جديد مع الأيام الأولى للثورة. كما عاد تنظيم «المنتظرون»، الذى كان يتكون من مجموعة من الشباب المنحدر من أكثر من تيار أصولى، نظّروا لتفجيرات الحادى عشر من (سبتمبر) على أنها عمل بطولى وفتح إسلامى من الدرجة الأولى، وتزعم هذا التيار الطبيب مجدى خفاجة والشاب محمد عبد الدايم.
الأخطر كان ظهور تنظيمات السلفية الجهادية الجديدة فى سيناء، وتنظيمات منها (جند الله – جند الإسلام – أنصار الإسلام – أنصار الشريعة – بيت المقدس) والأخيرة أعلنت مسؤوليتها عن حادث ذبح الجنود فى رفح الأولى والثانية.
وأعلنت «أنصار الشريعة فى مصر» عن نفسها كجماعة منظمة على الأرض، تحت اسم «أنصار الشريعة– الطليعة السلفية المجاهدة»، التى ترأسها أحمد عشوش، و«أنصار الشريعة» التى ترأسها سيد أبوخضرة.
كانت حركة «أنصار الشريعة» التى يقودها أحمد عشوش، قد أصدرت أيضاً وثيقة الإنشاء للطليعة السلفية المجاهدة، أكدت فيه أن مهمتها هى إقامة الخلافة الإسلامية، ودعم جماعات المجاهدين، والقضايا الإسلامية، وتحقيق التوحيد الخالص، مؤكدة عبر موقعها على وثيقة «نصرة الإسلام» التى أصدرها أيمن الظواهرى، ودعا فيها لتحرير ديار المسلمين، والدعوة للتحاكم للشريعة.
كما نشأت الحركة الإسلامية لتطبيق الشريعة، على يد محمد حجازى مفتى تنظيم طلائع الفتح التابع لتنظيم الجهاد، وداوود خيرت، ثم انضم لها محمد الظواهرى فيما بعد.
بعد عدة شهور بدأت التنظيمات تكون فاعلة فى عنفها بقوة وذات ثقل نوعى، مثل (كتائب الفرقان)، (أجناد مصر)، (بيت المقدس)، ومجموعات أخرى لم تكن ذات ثقل نوعى لأنها كانت متناهية الصغر، وتضم عدداً محدوداً من الأشخاص.
وأعلن البيان الأول لـ«أجناد مصر» عن تدشين حملة انتقامية بعنوان «القصاص حياة»، وفى نفس التوقيت ظهرت حركة «ثوار بنى سويف»، التى أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال ضابط بمحافظة الفيوم، ومقتل طفلته، وقالت فى بيان لها: «أوشكنا على اغتيال شخصيات إعلامية معروفة».
كما ظهر ما يسمى (حركة العقاب الثورى)، وكانت أولى عملياتها هو إطلاق الرصاص على كمين شرطة، كما جاء فى بيانها التأسيسى الذى بثته على موقع «يوتيوب»، وقام بإذاعته شخصان يرتديان ملابس سوداء.
كما نشأت بعد عزل مرسى من الحكم ما يسمى بحركة «ثوار بنى سويف» التى أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال ضابط بمحافظة الفيوم ومقتل طفلته، جاء فى بيان للحركة تقول فيه: «أوشكنا على اغتيال شخصيات إعلامية معروفة».
وعبّرت الإخوان عن رؤيتها بعد عزلها من السلطة من خلال الرسالة التى تم نشرها بعنوان (رُؤْيَتُنَا)، والتى جاء فيها أن الدعوةُ التى تربى عليها أجيال الجماعة هى دعوةُ الحقِ، والقوةِ، وأن العودة للحكم ضرورة تستوجب تفكيكِ منظومةِ الدولة الاقتصاديةِ، عن طريق (قيادةٌ مبدعةٌ– فرقٌ جريئة– جماهيرٌ عريضةُ).
وهكذا شرعنت الإخوان للعنف فى رد على الثلاثين من يونيو، لذا ففى الأيام الأولى فقط بعدها أحرقوا حوالى ستين كنيسة، وقتلوا عددا كبيرا من الشرطة، ومنها قسم شرطة كرداسة.
وبدأت الجماعة بعدها الحراك المسلح الذى تم تنظيمه عن طريق لجنة أطلقت عليها (الإدارية العليا) تضم كلًّا من محمد طه وهدان، محمد كمال، محمد سعد عليوة، حسين إبراهيم، عليّ بطيخ، مجدى شلش، عبدالرحمن البر، محمود غزلان، عبد العظيم الشرقاوى.
وحولت الجماعة لجنة نشر الدعوة إلى نشر الوعى من أجل التواصل مع الجماهير وتكوين رأى عام مناهض، كما أنشأت لجنة باسم لجنة الحراك لكى تكون مسؤولة عن تنظيم التظاهرات والفعاليات المناهضة، وتم دمج لجنة الطلاب بلجنة الشباب، وألغت لجان طلاب الإعدادى والثانوى، واستحدثت ما سُمى «بالوحدة الثورية».
ووضعت اللجنة الإدارية استراتيجية جديدة عُرفت لاحقًا بخطة «الإنهاك والإرباك– الإفشال– الحسم» حيث طُرح فيها اللجوء إلى ما سُمى بالعمل النوعى أو السلمية المبدعة والتى كانت تعنى استخدام مستوى أعلى من العنف وبشكل أكثر منهجية من ذلك العنف المحدود والعشوائى، الذى كان يُمارَس من قِبل أعضاء الجماعة فى المرحلة السابقة.
وتم تكليف القيادى «عليّ بطيخ» بإعداد استراتيجية للحراك المسلح أطلق عليها (القيادة العامة للجان الحراك المسلح) حيث اعتمدت هذه الخطة على المناهج الجهادية، وأخذت نفس الهيكل التنظيمى للحرس الثورى الإيرانى وطبقته حرفيًّا، وتوافرت وثائق مهمة تثبت ذلك وهى محضر اجتماع للتنظيم الدولى بإسطنبول فى أواخر عام 2013 قرروا فيه مايلى: تشكيل لجنة إعادة أفكار قطب تشكّلت اللجنة التى عُرفت باسم «الهيئة الشرعية لعلماء الإخوان المسلمين» فى سبتمبر 2014، والتى أصدرت فى أوائل عام 2015 كتاب «فقه المقاومة الشعبية» الذى وضعوا فيه الضوابط لاستهداف الأفراد والمنشآت العامة، وفقه «دفع الصائل»، وتحدثوا فيه عن إلغاء «شعار سلميتنا أقوى من الرصاص» ليصبح «سلميتنا أقوى بالرصاص».
ومنذ عام 2014 وحتى عام 2019 ظل الإخوان يستخدمون ثلاثة مستويات من ممارسة العنف، المستوى الأول العشوائى مثل حرق أعمدة ومحولات الكهرباء... إلخ، المستوى الثانى هو السلمية المبدعة التى تستهدف الإنهاك والإرباك وتتجاوز استهداف المنشآت والطرق والمرافق العامة إلى استخدام أسلحة خفيفة وبدائية تحت مبدأ تم نقله عن قول مرشدهم محمد بديع: «ما دون القتل سلمية»، أما المستوى الثالث فهو العنف العقابى الذى يستهدف التصفية والاغتيال.
وما تم ذكره سابقا هو سيل من فيض كبير وكثير ومتشابك من ذكريات الثورة، ومن أيامها الأولى، ومن عمليات العنف والجريمة المنظمة، التى نفذتها الجماعة، ومن الذكريات التى يجب أن يعلمها الجيل الحالى.