الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الأكثر تنوعًا فى المنطقة اقتصاد مصرى يمتص الصدمات

تناغُمٌ مُتفردٌ لتركيبة الاقتصاد المصرى، التى أكسبته قُدرة تاريخية على امتصاص الصدمات، وقد قامت الدولة المصرية بتطوير وإصلاح ما كان قد تأخر إصلاحه فى سبيل مزيد من التثبيت للمُقدرات الاقتصادية لتكون قادرة على بناء جمهورية جديدة تُحافظ على الثوابت التاريخية، وتنطلق لآفاق المُستقبل.



فالاقتصاد المصرى يُعتبر الأكثر تنوعًا فى المنطقة؛ حيث يتكون من قطاع خدمات يُشكل ما بين 50 % إلى 55 % من الناتج المحلى الإجمالى، الذى يضم أنشطة أهمها السياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتجارة الداخلية، والتعليم، والصحة، والنقل واللوجستيات. كما يُساهم فى تركيبة الناتج المحلى الإجمالى قطاع صناعى بنسبة ما بين 15 % إلى 17 %، وقطاع تشييد وبناء بنسبة ما بين 6 % إلى 8 %، وقطاع زراعى بنسبة ما بين 10 إلى 12 %، وقطاع استخراجات بنسبة تزيد على 10 %، وكذا قطاع قناة السويس الذى يُساهم بنسبة 2 %.

ويُعتبر هذا التنوع بمثابة الأساس الذى يُعبر عن طبيعة الاقتصاد، الذى إذا تأثر قطاع أو بعض قطاعاته بثمّة تأثيرات سلبية؛ نجد أن بقية القطاعات تكون قادرة على أن تكون حائط الصد للحد من أية خسائر.

والاقتصاد المصرى يمتلك قدرًا كبيرًا من الموارد الطبيعية، منها نحو 10 ملايين فدان أراضٍ زراعية، واحتياطيات متنوعة من الحديد، والفوسفات، والمنجنيز، والذهب، والرمال السوداء، وغيرها من المعادن، فضلاً عن احتياطات أخرى من البترول والغاز الطبيعى، وكذا ميزة تنافسية كبرى كبيئة جاذبة لمشروعات الطاقة المُتجددة، وغير ذلك من الموارد الطبيعية المُختلفة. وإلى جوار الموارد الطبيعية فإن مصر تمتلك موارد بشرية هائلة بتعداد سكانى يتجاوز 105 ملايين نسمة، منهم نحو 30 مليونًا يشكلون قوة عاملة بالفعل.

وكان امتلاك الاقتصاد المصرى لكل ما سبق؛ هو الأساس الذى جعله قادرًا بصورة تاريخية على مواجهة الكثير من الصدمات الداخلية والخارجية، كان منها فى العصر الحديث نجاحه فى تجاوز الصعوبات الضخمة التى رتبتها تحمله تكاليف الحروب حتى تم استرداد سيناء كاملة بنصر أكتوبر 1973 والذى كان له وما سبقه من حروب تكاليف اقتصادية كبيرة، وأزمة الاقتصاد العالمى المُترتبة على انهيار النمور الآسيوية فى نهاية تسعينيات القرن الماضى، وأزمة الرهن العقارى بالولايات المُتحدة الأمريكية التى عصفت بالاقتصاد العالمى بنهاية عام 2007، وعام 2008.

والاختبار الأصعب للاقتصاد المصرى تمثل فى تداعيات الاضطرابات السياسية التى حدثت بعد يناير 2011 والتى دفعت كل المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات كارثية ظن البعض أن مصر أمامها عشرات السنوات حتى يمكنها تعويض خسائر تلك الأحداث، وفى لحظة فارقة ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم؛ كان قراره بصياغة وتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى حقيقى، ورغم أن هذا البرنامج قد اتسم بالخشونة وقِصَر المُدة؛ فإن المواطن المصرى تحمله ثقةً فى القائد الذى كان قد اتخذ قرار الإصلاح واثقًا فى شعبه، وخلال الفترة من نوفمبر 2016 حتى نوفمبر2019 عادت المؤشرات الاقتصادية تتجه إلى مسارات تصاعدية؛ لينتهى عام 2019 بتحقيق الاقتصاد المصرى أعلى نسبة نمو فى الشرق الأوسط وإفريقيا بنحو 5,6 %، والنزول بمعدل التضخم لنحو 9,2 %، وانخفاض البطالة لنحو 7,8 % وتحسن تصنيفات مصر الائتمانية عند مستويات الـ B لدى مؤسّسات التصنيف الكبرى (ستاندر آند بورز- موديز- فيتش)، كل ذلك كان قد تحقق فى ظل حرب انتصرت فيها على الإرهاب الداخلى؛ ليتهيأ الاقتصاد المصرى لمزيد من الانطلاق، إلاّ أن عام 2020 أتى بأزمة جديدة وهى جائحة «كورونا» التى قلصت من مُكتسبات نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، سيما أن المالية العامة كانت قد تحمّلت كل آثارها مُنفردة، وهى الأزمة التى لا يزال الاقتصاد العالمى يُعانى منها حتى الآن، والأمر لم يقتصر عند هذا النحو، ولكن اندلعت الحرب الأوكرانية فى فبراير 2022 لتشتعل الأوضاع فى العالم، وترتفع أسعار الطاقة، والطعام، والنقل واللوجستيات لمُستويات لم تصل إليها من قبل مُحملة الاقتصاد المصرى أعباءً بالغة القسوة، وتزداد الأمور صعوبة مع اندلاع حرب غزة فى أكتوبر 2023 لتتأثر إيرادات قناة السويس بشدة، فى ظل حالة من عدم اليقين لمسارات الاقتصاد العالمى، والشكوك من بعض المُراقبين فى قدرة الاقتصاد المصرى على العبور من كل ذلك، ولكن الحكومة استخدمت إحدى أوراقها الاقتصادية بعقد صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات العربية الشقيقة فى فبراير 2024 التى من خلالها تم ضخ نحو 35 مليار دولار فى جسد الاقتصاد المصرى مع تقديرات بضخ نحو 150 مليار دولار أخرى خلال تنفيذ المشروع، وقد مكنت تلك الصفقة أن تعود المُبادرة للحكومة وهو ما مكنها من اتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية، والانخراط فى برنامج إصلاحى فاعل بالتعاون مع صندوق النقد الدولى بدأت نتائجة تظهر تباعًا فى دفع المؤشرات الاقتصادية إلى مسارات إيجابية؛ حيث ارتفعت نسب تحويلات المصريين بالخارج داخل الجهاز المصرفى، واتجهت مُعدلات التضخم نحو الانخفاض، وتم الحفاظ على مُعدلات البطالة فى أقل مستوياتها، ومع هذا النجاح وتوقع أن تهدأ الأوضاع ويتم تعويض الخسائر خلال عام 2025 نجد أنه يحمل للاقتصاد المصرى والعالمى صدمة جديدة باشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، وتلك الأزمة التى تأتى لتصب مزيدًا من الوقود على جراح الاقتصاد العالمى المُشتعلة، وتزيد من حالة عدم اليقين، وتدفع المُستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة فتذهب رءوس الأموال للذهب والمعادن النفيسة بدلًا من ذهابها للاستثمار والتنمية، وتضطرب البورصات، وتتذبذب أسعار الطاقة، والنقل، ومُستلزمات الإنتاج. ووسط كل ذلك نجد أن الاقتصاد المصرى كأنه اعتاد الأزمات، وأصبح لدى الإدارة الاقتصادية قدرة أكبر على العمل تحت ضغط، ففى اللحظة التى توقفت فيها إمدادات الغاز من الشرق؛ كانت الإدارة المصرية قد قامت بالفعل بالتعاقد على ثلاث وحدات تغييز تؤهلها لتنويع مصادر وارداتها من الغاز الذى وقّعت عقودًا لاستيراده بالفعل، لحين إعادة تطوير حقولها بشرق المتوسط، كما أنها تنتظر نهاية عام 2028 الذى سيتم فيه افتتاح المُفاعل الأول للطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة النووية ليقوم بحل نهائى لملف الطاقة، ويذهب الجانب الأكبر من استكشافات الغاز للتصدير، وفى جانب آخر نجد أن سنوات التنمية السابقة جعلت مصر تمتلك رصيدًا كبيرًا من السلع الاستراتيجية تستطيع من خلالها السيطرة على الأسواق، والأهم هو حالة الثقة التى تبدو واضحة على الجميع فى قدرة الدولة المصرية شعبًا وحكومة على الاستمرار وتجاوز الأزمات، سيما أن التاريخ يشهد بأن أوقات الأزمات هى الأوقات التى يظهر فيها المعدن المصرى الحقيقى القادر على تجاوز الأزمات بروح مُتفائلة واثقة تستند إلى قُدرات اقتصادية حقيقية، وقيادة أثبتت الأزمات قُدرتها على تحقيق كل ما هو فى صالح مصر والمصريين.