مصر الصامدة.. القاهرة تصمد أمام نيران صراع الجنوب تأثير إيجابى فى حرب السودان

آلاء شوقى
فى قلب منطقة تمر بالاضطرابات، وتشتعل بين ألسنة النزاعات، والضغوط السياسية، والاقتصادية، تقف مصر بثبات، حاملةً رسالة الاستقرار، وتضطلع بمسئولياتها فى دعم الأشقاء، حيث لم تتخل «القاهرة» يومًا عن دورها العروبى والأفريقى. . وكانت الدولة المصرية ولا تزال السند الحقيقى للشعب السودانى فى محنته، حين اندلعت شرارة الحرب فى السودان فى أبريل 2023، الذى لم يكن مجرد نزاع داخلى بين فصيلين، بل كانت زلزالًا أحدث صدعًا هائلًا فى جسد الدولة السودانية، وانعكست آثارها على دول الجوار.
وسط هذه الفوضى، ظهرت «مصر» كفاعل إقليمى رشيد، لم يغرق فى الانفعال، ولم يستغل الفوضى، بل قدم نموذجًا فريدًا فى إدارة الأزمات، يقوم على التوازن بين كل من المبادئ، والسيادة، والبعد الإنسانى، والحسابات الاستراتيجية، تمد له يد العون، وتؤكد روابط الدم والمصير، انطلاقًا من المبادئ المصرية وثوابتها، المتمثلة فى استقرار ووحدة «السودان»، وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، وسلامة أهله، وتقديم كل المساعدات الممكنة له.
ولم تقتصر مواقف «القاهرة» على شعارات رنانة، بل تجسدت فى جهود حثيثة تعكس التزامًا عميقًا بمبادئها الثابتة فى السياسة الخارجية. وتجلت تلك الجهود فى عدد من التحركات السياسية والدبلوماسية، من أبرزها: حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتأكيده على نزع فتيل الأزمة، واتصالاته مع جميع الأطراف الأفريقية، والعربية، والدولية، وكذلك تحركات وزارة الخارجية والهجرة بالتنسيق مع المؤسسات الأخرى، لمعالجة الأزمات.
وفى الأيام الأولى للنزاع السودانى، استضافت القاهرة فى 13 يوليو 2023، مؤتمر (قمة دول جوار السودان)، الذى بحث سُبل إنهاء الصراع، والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة فى «السودان» بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى؛ بالإضافة إلى استضافة «مصر» مؤتمر (القوى السياسية والمدنية السودانية) فى يوليو 2024، تحت شعار (معًا من أجل وقف الحرب)، الذى بحث ضرورة الوقف الفورى للحرب، بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف العدائيات.. واستمرت الجهود المصرية الحثيثة لحل الأزمة طوال الفترة الماضية، جنبًا إلى جنب مع الدعم المصرى للشعب السودانى على المستوى الإنسانى، إذ فتحت ذراعيها لملايين السودانيين الفارين من جحيم الحرب، كضيوف فى وطنهم الثانى.
مصير مشترك
أكد نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، أن العلاقات بين مصر والسودان علاقات مصير مشترك، تتعدد فيه الروافد، التى تجعل هذه العلاقة فريدة ومتميزة، كما تجعلها مختلفة عن أى علاقة أخرى بين دولتين، متمثلة فى الروابط الجغرافية، والتاريخية، والثقافية، وغيرها، إلى جانب رابطة مياه نهر النيل، والبحر الأحمر.
وفيما يخص الموقف المصرى تجاه الأزمة السودانية قال إنه كان –دائمًا- واضحًا، وهو التأكيد على وحدة السودان وسلامته الإقليمية، وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، إلى جانب التشديد على ضرورة أن يتوصل طرفى النزاع إلى حوار (سوداني-سوداني) شامل لا يتدخل فيه أحد، من أجل تسوية القضايا المطروحة.
وأوضح السفير حليمة، أنه انطلاقًا من تلك النقطة، كانت هناك رؤية مصرية بأربعة مسارات فى هذا الحوار، وهو مسار أمنى عسكرى (يتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى رؤية فيما يتعلق بوضعية «الدعم السريع» باعتبارها ميليشيات لديها من الاتهامات التى تدينها فى مخالفة للقوانين الإنسانية)؛ ومسار إنسانى (يتعلق بمعالجة الأوضاع الإنسانية بشكل شامل فى إطار سودانى، وإقليمى، ودولي)؛ ومسار سياسى (والهدف منه تشكيل حكومة انتقالية مدنية، ذات كفاءات مستقلة، والترتيب لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، إلى جانب وضع دستور دائم من خلال لجنة متخصصة)؛ ومسار إعادة الإعمار.
كما أشار إلى أن الدور المصرى فى أزمة السودان لم يتوقف عند الشق السياسى فحسب، بل كان لها دور بارز إنسانيًا، حينما استقبلت الإخوة السودانيين، الذين عوملوا كمواطنين وليس لاجئين، عبر توفيرها الدعم اللازم فى كافة المجالات رغم عددهم الكبير الذى تجاوز 6 أو 7 ملايين مواطن سوداني؛ وذلك إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين فى أراضى «السودان»؛ موضحًا أن «مصر» أكبر دولة تحملت هذا العبء.
وفى السياق ذاته، نوه السفير حليمة، إلى رسائل مصر القوية الواضحة، والتى برزت من خلال تحركاتها، وهي: ضرورة احترام سيادة «السودان» ووحدته، ورغبة الشعب السودانى، والتأكيد على حماية المؤسسات الوطنية، عبر حل الأزمة داخليًا، بدون تدخل أطراف خارجية تهدد سلامته الإقليمية.
وشدد على أن المصالح المشتركة، والأمن المتبادل بين البلدين، يعدان عنصرين أساسيين فى العلاقة المصرية السودانية، لأن «السودان» امتداد لمصر، والعكس.
وحدة السودان
من جانبه، قال الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية، الدكتور أحمد عبد الدايم: إن التحركات المصرية حافظت على وحدة السودان وبقائه متماسكًا، كما أوقفت كل المؤامرات وحافظت على بقاء الدولة السودانية؛ معتبرًا أن الغطاء السياسى المصرى وفر الفرصة الجيدة لاستعادة الجيش السودانى لزمام المبادرة، وإعادة السيطرة على غالبية المناطق، التى كانت ميليشيا الدعم السريع تسيطر عليها.
وأشار إلى الموقف المصرى الصريح بشأن الأزمة فى السودان، والتى تجلت فى أحاديث الرئيس عبد الفتاح السيسى المتواترة فى هذا الشأن؛ وكذا فى بيانات وزارة الخارجية الرسمية، والمؤتمرات التى استضافتها مصر منذ اندلاع الحرب فى أبريل 2023.
وفيما يتعلق بالصمود المصرى أمام التحديات التى فرضتها الحرب السودانية، أوضح الدكتور عبد الدايم، أن الدولة المصرية تحملت العبء الأكبر فى تكلفة هذه الحرب من النواحى الاجتماعية، والاقتصادية، وحتى السياسية؛ مستدلًا باستضافة مصر لملايين السودانيين، ما يثبت أن مصر تقاسمت مع السودانيين اعباءهم؛ ولا تتعامل مع السودانيين باعتبارهم لاجئين، بل قدمت معاملة مختلفة؛ وهناك الخدمات الطبية، والتعليمية التى قدمتها الدولة المصرية، وتقاسم الظروف المعيشة، وتيسير الإجراءات القانونية، وتسهيل الإقامات، ما يدلل على المعاملة الخاصة التى أولتها «مصر» للسودانيين.
كما أوضح أن الرسائل الإنسانية والسياسية التى بعثت بها مصر، من خلال تعاملها مع القضية السودانية كثيرة؛ مؤكدًا أن دفاع الدولة المصرية عن السودان، ووحدته، وسيادته فى المحافل الدولية، والإقليمية، سواء فى (الأمم المتحدة)، أو (جامعة الدول العربية)، و(الاتحاد الأفريقى) يثبت العناية الخاصة التى أولتها الدولة المصرية بالسودان؛ مضيفًا أن تعامل المصريين بشكل عام مع السودانيين، يشهد بقوة العلاقات الشعبية وبروزها.
فى النهاية.. يمكن القول، إن «مصر» قدمت درسًا فى الصمود والعقلانية، وفى أن القيادة الرشيدة، ليست فى حجم ما تملكه من أدوات ضغط، بل فى كيفية استخدام تلك الأدوات لبناء الاستقرار.
وفى زمن تتبدد فيه التحالفات، وتتفكك فيه الدول تحت سطوة البنادق، وقفت مصر جدارًا منيعًا أمام رياح الانهيار التى هبّت من الجنوب. فلم تسعَ الدولة المصرية –خلال أزمة «السودان- إلى النفوذ، ولم تجر وراء مصالح خاصة، بل انحازت للمبدأ، للدولة، للمؤسسة.. والأهم للإنسان.