الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مرحلة جديدة من المواجهة: شوارع باريس.. تشويه الإسلام برعاية الإخوان

فى مواجهة تصاعد نفوذ الإسلام السياسى فى فرنسا، دخلت السلطات الفرنسية مرحلة جديدة من المواجهة الصريحة، مع تركيز خاص على جماعة «الإخوان المسلمين»، التى تُتهم بالسعى لتقويض مبادئ الجمهورية عبر اختراق المجتمع من بوابات التعليم والمساجد والمجتمع المدني. وجاء التحرك الرسمى الأخير بعد تسلُّم الرئيس إيمانويل ماكرون تقريرًا حكوميًا يحذر من الطابع «التخريبى والانفصالى» للجماعة، ويدعو إلى تبنى استراتيجية شاملة لاحتواء تمددها، فى ظل مخاوف متنامية من تأثير هذه التيارات على تماسك الدولة وهويتها العلمانية.



ويحاول تيار اليمين زيادة المخاوف من الأصولية الإسلامية، حيث اتّهمت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان الحكومة بعدم التحرّك، مشيرة إلى أنها لطالما اقترحت إجراءات للقضاء على ما أسمته «بالأصولية الإسلامية».

من جانبه أعلن قصر الإليزيه أن بعض الإجراءات ستُنشر علنًا، فى حين ستبقى أخرى سرية، مشددًا على أن المعركة ليست ضد الإسلام كدين، بل ضد الأيديولوجيات المتطرفة التى تستغل الدين كغطاء سياسى.

محطات المواجهة 

يذكر أن هناك محطات رئيسية فى المواجهة الفرنسية للإسلام السياسى بدأت فى 2 أكتوبر 2020 عندما أعلن الرئيس ماكرون عن خطة لمكافحة «الانعزالية الإسلامية»، محذرًا من خطر الإسلام السياسى على وحدة الجمهورية الفرنسية، وجمدت الحكومة الفرنسية فى أكتوبر 2021: 25 مليون يورو من الأموال التى يُشتبه بارتباطها بجماعات إسلامية، خصوصًا الإخوان المسلمين. وفى فبراير 2022 تم تأسيس «منتدى الإسلام فى فرنسا» ليعيد تنظيم التمثيل الإسلامى وفق معايير الجمهورية، بعيدًا عن تأثير الدول الأجنبية.

وفى مايو 2023، كشف تقرير حكومى عن استخدام الإخوان واجهات جمعيات وشركات عقارية لاختراق المجتمع الفرنسى ونشر أفكارهم، وفى فبراير 2024، تم إغلاق مدارس ومراكز ثقافية ثبت تورطها فى نشر أفكار تتعارض مع قيم الجمهورية والعلمانية الفرنسية، وفى مايو 2024، قدّمت الحكومة تقريرًا مفصلًا للرئيس ماكرون حول انتشار الإسلام السياسى فى فرنسا، مع تركيز خاص على «الإخوان المسلمين»، واعتبارهم تهديدًا استراتيجيًا لـ«التماسك الوطنى». ووصف التقرير الجماعة بأنها تمارس تأثيرًا «تخريبيًا ناعمًا» عبر المدارس، والمساجد، والمنظمات غير الحكومية المحلية، دون الدعوة العلنية لتأسيس دولة دينية، لكن بهدف تقويض مبادئ العلمانية والمساواة بين الجنسين.

معركة ضد توظيف الإسلام 

وعن التحرك الفرنسى الأخير تجاه الإسلام السياسى وجماعة الإخوان يتساءل الدكتور محمد بشارى أمين عام المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمى فرنسا السابق: هل بات واضحًا أن معركة الجمهورية الفرنسية ليست مع الإسلام، بل هى مع توظيف الإسلام لأجندات أيديولوجية تخريبية تهدّد السلم المدني.

وقال فى تصريحات لـ«روزاليوسف»: إن الوثيقة الحكومية الفرنسية الأخيرة كشفت، فى لحظة شديدة الدقة، عن مسار مقلق تتخذه بعض الجماعات ذات الخلفية الإخوانية، التى تُعيد صياغة وجودها فى فرنسا من خلال أدوات غير عنيفة ظاهريًا، لكنها تهدف إلى بناء بيئة ثقافية موازية تحاكى قيم الجمهورية ولكن لتقويضها لاحقًا. . وأضاف: نحن إزاء مشروع مزدوج اللغة: يخاطب الدولة بمفردات التعايش، بينما يزرع فى الأحياء والمدارس مسلكًا انغلاقيًا يرفض الاندماج الحقيقى ويؤسّس لانفصال ثقافى هادئ لكنه خطير.

ويرى أنّ التحدى الأكبر الذى تواجهه فرنسا ليس الدين الإسلامى بحد ذاته، بل تلك الاستراتيجية السياسية التى تحتكر الحديث باسمه، وتُقحم النصوص الدينية فى لعبة الصراع السياسى والهيمنة. فالمدارس القرآنية، والجمعيات الخيرية، والمنظمات الشبابية التى تنشط تحت مظلة القانون، تُستخدم فى كثير من الأحيان كواجهات لترويج خطاب لا يتوافق مع القيم الفرنسية فى المواطنة والمساواة.

فصل صارم

وشدد البشاري، على أنه حان الوقت للفصل الصارم بين الإسلام كمرجعية روحية وسلوك حضاري، وجماعات تتخذ من الإسلام ذريعة لبناء جزر فكرية مغلقة، لا تؤمن إلا بمرجعيتها الحزبية العابرة للحدود.

ومن مصلحة الجمهورية، بل من صميم قيمها، أن تعترف بإسلام المواطنين كجزء أصيل من هويتهم، وأن ترفض احتكار تمثيله من قبل جماعات عقائدية ترى فى فرنسا مجرد مرحلة فى مشروع عالمى لا يعترف بالحدود ولا بالتعدد. إن معركة الجمهورية فى هذا السياق مع التوظيف السياسى للإسلام، لا مع الإسلام نفسه، وهذه المعركة تقتضى تفكيك البنية الفكرية التى تسمح لهذا التوظيف بالتمدد.

دعم الوجود الإخوانى 

ويؤكد د. البشارى أن التقرير الصادر عن السلطات الفرنسية لا يدين فقط جماعة الإخوان  كجسم أيديولوجى يعمل تحت الأرض، بل يفتح بابًا صريحًا للتساؤل حول الجذور الخارجية للظاهرة.

ويرى أن دعم بعض العواصم فى الشرق الأوسط، وبعض الشبكات المرتبطة بتمويلات غامضة ومنصات إعلامية دعوية، يكشف عن مخطط متكامل يسعى لاختراق العقل الأوروبى المسلم، لا عبر الإقناع الحرّ بل من خلال استغلال الثغرات القانونية، واللعب على وتر الحريات الدينية، لتثبيت خطاب متطرف. 

وأوضح، من هنا، يصبح الصمت الأوروبى أمام هذا التواطؤ شكلاً من أشكال التخاذل. فالدول التى تحتضن على أراضيها مؤسسات دينية ممولة من جهات خارجة عن الرقابة، وتسمح بعمل شبكات تابعة أيديولوجيًا لعقيدة “التمكين”، تجد نفسها عاجلًا أو آجلًا أمام موجات من التوتر المجتمعى والعنف الرمزي، وأحيانًا المادي، الذى تزرعه هذه الشبكات فى النسيج الوطني، كما أن حرية المعتقد لا يمكن أن تكون بوابة لإرهاب فكرى يمهّد للإرهاب الفعلي، ولا يمكن أن تُستغل قيم التسامح لاستنبات خطاب رفضى يفتّت المجتمع. ويرى البشارى أن المطلوب اليوم من الحكومات الأوروبية أن تعيد النظر فى سياساتها المتعلقة بتمويل المؤسسات الدينية، وأن تميّز بين الإسلام الأوروبى الذى نشأ فى سياق الحداثة والقانون، وبين “الإسلاموية” التى تُستورد من بيئات مأزومة وتُستخدم كأدوات لتصفية حسابات سياسية عابرة للقارات.

وشدد على أن التهديد الحقيقى لا يكمن فى مجرد وجود مسلمين فى الفضاء العمومى الفرنسي، بل فى تعاظم صوت أولئك الذين يزعمون تمثيلهم الحصرى للإسلام ويصنعون من أنفسهم وسطاء بين الدولة والمجتمع المسلم. وهذه الظاهرة هى نتاج غياب استراتيجية دولة تعترف بالإسلام كمكوّن حضاري، وتُؤسّس لتدبيره ضمن مقاربة حقوقية وثقافية متكاملة، كما أن فرنسا، بحكم التاريخ والجغرافيا، ليست فقط دولة ذات غالبية مسيحية علمانية، بل هى اليوم أيضًا موطن لملايين المسلمين، الذين لا يمكن اختزالهم فى مشاريع جماعات ضغط أو شبكات أيديولوجية، لذلك فإن التعامل مع الإسلام من زاوية أمنية فقط يعمّق مشاعر التهميش ويُغذّى الخطاب المتطرف، بينما المطلوب هو إعادة الاعتبار للمسلمين كمواطنين كاملى الحقوق، لهم الحق فى التعبير عن إسلامهم فى أفق يحترم قوانين الجمهورية.

ويؤكد أن المسار الصحيح لا يكمن فى المزيد من المراقبة فقط، بل فى الاعتراف المؤسسى بالإسلام كدين رسمى مدني، يُعبّر عنه من خلال أطر قانونية مستقلة عن التأثيرات الخارجية، ومتماهية مع القيم الدستورية الفرنسية. ويجب فتح المجال أمام التكوين الأكاديمى المحايد للأئمة، ودعم المبادرات الثقافية الإسلامية التى تُعيد صلة المسلم بمفاهيم الجمال والحرية والعدالة، لا بالخوف والانعزال والكراهية.

من جانبه يرى الدكتور عبد الحميد متولى رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بأمريكا اللاتينية والكاريبى أن ما اعلنته جهات رسمية فرنسية مؤخرًا عن «تحركات قانونية ومؤسساتية» جديدة للتعامل مع ما تصفه بـ«الإسلام السياسى»، فى إطار ما تزعم أنه حماية للعلمانية ومواجهة التطرف يثير موجة من القلق المشروع فى الأوساط الإسلامية والدينية عمومًا، لما تحمله من تعميم خطير وتشويه لجوهر الدين الإسلامي. 

وقال فى تصريحات لـ«روزاليوسف»: إن الإسلام دين شامل وليس مشروعًا سياسيًا بالمعنى الغربى الضيق ، ولا يسعى لفرض سلطته على الآخرين بالقوة، وإنما يدعو إلى العدل والتكافل والسلام والتعايش ولا يمكن اعتبار المسلمين الذين يمارسون شعائرهم، أو يدعون لمبادئ دينهم فى المجال العام، هم «إسلام سياسى»، لأن ذلك يعد تعسفا فكريا وظلما اجتماعيا.

وأكد د. متولى أن الإسلام بريء من كل جماعة إرهابية، سواء ادّعت الانتساب له أو لا، والمسلم الحقيقى هو الذى يُصلح، لا يفسد، محذرا من التضييق الفرنسى على المساجد الجمعيات الإسلامية بحجة «الإسلام السياسى» أو «العزلة المجتمعية»، وهو اعتداء على الحريات الدينية والفكرية التى يكفلها الدستور الفرنسى نفسه.

وأوضح أن الخطر الحقيقى ليس فى الإسلام، بل فى تهميش المسلمين وشيطنة هويتهم، وهو ما يُولّد فعليًا الانغلاق والتوتر، وأن المسلم الفرنسى أو المقيم فى فرنسا جزء من نسيج الدولة، لا يجوز معاملته بريبة دائمة لمجرد التزامه الدينى أو حفاظه على ثقافته.

وطالب متولى، الحكومة الفرنسية بالاستعانة بالعلماء الحقيقيين والمجالس الإسلامية فى صياغة أى سياسة دينية تخص المسلمين فى فرنسا.

وشدد على أن المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بأمريكا اللاتينية يؤكد أن الإسلام دين عالمى يدعو للسلام والرحمة والتسامح ، وأن كل محاولة لربط الإسلام بالإرهاب أو «السياسة التخريبية» هى ظلم فكرى واستعداء اجتماعى، وأنه لا بد من احترام الخصوصية الدينية للمسلمين فى كل دولة، دون أن تُفرض عليهم قراءات مشوهة لثقافتهم وهويتهم.