الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

روزاليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» لـ«وائل لطفى» شركات توظيف الأموال البيضة والحجر "الحلقة 7"

هناك مدخلان لرواية قصة شركات توظيف الأموال فى مصر (١٩٧٨-١٩٨٩) أحدهما مأسوى والآخر ساخر.. الرواية الساخرة يقدمها أشرف السعد (مواليد ١٩٥٤) صاحب شركة السعد لتوظيف الأموال وشريك آل الريان فى صفقة اندماج شركات توظيف الأموال الكبرى عام ١٩٨٩، والذى ظل لسنوات طويلة يقدم فى وسائل الإعلام على أنه رجل أعمال مصرى هارب فى لندن.



ثم جرت فى النهر مياه كثيرة وصار الرجل يقدم نفسه على أنه من كبار أعداء التيار الإسلامى عمومًا وجماعة الإخوان المسلمين خصوصًا، بعد أن ظل حتى يونيو 2013 يقدم نفسه على أنه معارض تم اضطهاده ماليًا بسبب انتمائه الإسلامى.. فى مرحلته الجديدة كشف أشرف السعد عن حب كبير للظهور فى وسائل الإعلام وكشف أسرار صعوده المالى والاجتماعى من الصفر، وبين السطور كان يكشف أسرارًا مهمة عن علاقة جماعة الإخوان بظاهرة توظيف الأموال بشكل عام، وبه هو شخصيًا بشكل خاص، وكيف أن الشركات التى خرجت من باطن تجارة العملة كانت تابعة إلى حد كبير لجماعة الإخوان أو مملوكة لها من الباطن.. وقد سجل الرجل شهادته فى كتاب لم يلق انتشارًا كبيرًا وضع له اسم (محطات فى حياتى) وذيل العنوان الكبير بعنوان آخر صغير هو (مذكرات مواطن عاش مأساة وطن).. وقد صدر الكتاب فى 2014 عن دار نشر (دار الكتاب العربى).. والكتاب هو مذكرات شفاهية تحتوى على فصول من حياة صاحبها وقصة صداقته فى شبابه الباكر مع أحمد الريان الشقيق الأوسط لآل الريان وهى قصة تشبه فى بعض أوجهها معالجة فيلم (الصعاليك) للمخرج داود عبدالسيد 1985 والذى يحكى فيه قصة صعود صعلوكين من قاع المدينة إلى قمتها فى أواخر السبعينيات، وكيف فرقت بينهما الأيام بعد ذلك.. والحقيقة أن الفصل الخاص بشركات توظيف الأموال فى الثمانينيات ذو علاقة وثيقة بعنوان هذا الكتاب (دعاة عصر مبارك) ليس فقط لأن الظاهرة كانت توظيفًا للدين فى النشاط التجارى، أو تعبيرًا عن إفساح الدولة لجماعة الإخوان للسيطرة على الاقتصاد المصرى فى فترة حرجة ضمن سياسات مهادنة كثيرة، ولكنه ذو علاقة وثيقة بالمعنى المباشر لأن أشرف السعد صاحب واحدة من أشهر الشركات مثلاً يحكى بشجاعة أنه بدأ حياته سكرتيرًا وحارسًا ومريدًا للشيخ إبراهيم عزت (1939-1983) والذى كان واحدًا من الإخوان المتهمين فى قضية 1965، لكنه ترك الجماعة وأسس الفرع المصرى من جماعة التبليغ والدعوة وحقق قدرًا كبيرًا من التأثير والشهرة فى السبعينيات (هناك فصل كامل عنه فى كتاب دعاة عصر السادات 2021- دار العين ).. فى مذكراته يقول السعد إن إبراهيم عزت هو الذى توسّط له ليعمل تاجرًا للعملة مع شخصية اقتصادية مهمة جدًا وغير معروفة للإعلام وهو (الحاج أحمد عبيد)، وهو قيادة إخوانية تاريخيّة تخصص فى إدارة أموال الجماعة، واعتمد على موهبته الفطرية فى التجارة وكان يعرف بأنه نائب المرشد تقديرًا لتاريخه فى الجماعة ولكن الوصف الأدق هو أنه كان (وزير مالية الإخوان)، وهو الأستاذ المهنى لكل من رجلى الأعمال حسن مالك وخيرت الشاطر اللذين واصلا مهمة أحمد عبيد فى تنمية أموال الجماعة وتحقيق التمكين الاقتصادى لها، فى سنوات وقوع الأحداث كان أحمد عبيد هو العضو المنتدب لشركة الشريف للبلاستيك وتوظيف الأموال أولاً..ثم شريكا لأشرف السعد فى شركة السعد لتوظيف الأموال ثانيًا، ثم صاحباً لشركة الحجاز لتوظيف الأموال وشريكًا لمحمد عليوة ثالثًا والأخير هو صهر رجل الأعمال حسن مالك الذى صار شهيرًا جدًا فى عالم المال والأعمال والسياسة بعد ذلك بعقدين من الزمن تقريبًا.

الصعود من القاع 

فى مذكراته يروى أشرف السعد كيف بدأ حياته بالسفر للعمل فى فرنسا شأن معظم الشباب فى النصف الثانى من السبعينيات وكيف أدى فشله فى تحمل العمل الشاق إلى عودته إلى مصر بعد شهور قليلة فى عام 1977 تقريبًا، حيث يسجل اندهاشه من ارتداء كل أسرته للنقاب وانخراطهم فى عادات جديدة مثل التردد على مسجد شهير فى المهندسين يخطب فيه الداعية إبراهيم عزت والذى سبقت الإشارة إليه، ويروى السعد كيف انضم هو شخصيًا لجماعة التبليغ والدعوة التى كانت جديدة وقتها على المجتمع المصرى (جماعة سلفية لا تهتم بالسياسة وتستبدل مفهوم الجهاد بالخروج لمدن وبلاد جديدة لممارسة الدعوة السلمية للدين أو للالتزام الدينى)، من خلال وساطة رئيس الجماعة يعمل أشرف السعد فى أعمال بسيطة لدى تاجر سيارات ثرى ينتمى للجماعة، لكنه أيضًا تاجر عملة ومنه ينتقل للعمل فى مطعم شهير جدًا للوجبات المصرية فى ميدان الدقى هو (رضوان) الذى كان مركزًا كبيرًا  لتجارة العملة فى ذلك التوقيت تماشيًا مع تضاعف أعداد العاملين المصريين فى الخليج وتضاعف دخل مصر من العملة الأجنبية خمسة أضعاف خلال سنوات قليلة، يروى أشرف السعد أنه تعرف أثناء عمله على شاب أصولى هو أحمد الريان الذى كان يعمل تاجرًا للبيض والأدوات المنزلية قبل أن ينخرط فى تجارة العملة تحت إشراف محمد رضوان، يقول السعد: إن الريان فى ذلك الوقت المبكر  كان قائد الجماعة الإسلامية فى كلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة، ويلتزم الزى الأفغانى، ويتحدث العربية الفصحى على عادة كثير من الإسلاميين فى ذلك الوقت، وأنهما اندمجا سويًا على مستوى العمل والصداقة.. يروى السعد أن وساطة شيخه إبراهيم عزت قادته هو وأحمد الريان (1956-2013) للعمل مع أحمد عبيد الذى طلب منهما جمع نصف مليون دولار من السوق لتلبية احتياجات شركة الشريف من العملة الصعبة أو للاتجار بها وأنه مولهما بالنقود اللازمة لذلك بمعنى أنهما كانا يعملان لحسابه هو وإبراهيم عزت زعيم جماعة التبليغ الذى يقول السعد إنه أخبره هو وأحمد الريان أنه سيتوقف عن تجارة العملة بعد ادخار مبلغ معين من المال حتى لا يشغله المال عن ممارسة الدعوة..! يشرح السعد أن تجارة العملة كانت تقوم على التنظيم، حيث لكل محافظة تاجر كبير يجمع العملة منها، ثم يسلمها للتاجر الكبير فى القاهرة، وكان الإسلاميون يسيطرون على تجارة العملة اعتمادًا على صلاتهم التنظيمية والشخصية ببعضهم البعض والتى تقلل من احتمالات التلاعب أو الخداع التى يضطر تجار المخدرات والسلاح مثلاً لاستخدام العنف للتغلب عليها، كان الإسلاميون يرون تجارة العملة تجارة حلالاً ويسيطرون عليها منذ منتصف السبعينيات وحتى سنوات طويلة مقبلة..يروى السعد أن العمل مع أحمد عبيد قاده مباشرة للتعامل مع ساميّ على حسن الذى عرف وقتها بإمبراطور العملة، كان ساميّ مدرسًا للألعاب الرياضية فى مدرسة بالهرم، لكن شقيقه محمد على حسن كان هو إمبراطور العملة الحقيقى، حيث كان محاسبًا ينتمى لجماعة الإخوان، فر من السلطات فى 1965، ثم أصبح مسئولاً عن إخوان الخليج، وعن طريقة شبكة تنظيمية قوية استطاع جمع العملة الصعبة من العاملين المصريين فى الخليج وتسليم المقابل بالمصرى لذويهم فى مصر، فضلاً عن تقديم بعض الخدمات مثل شراء أجهزة كهربائية وتسليمها لذوى المسافر المصرى إذا استدعت الضرورة ذلك، وكان سامى على حسن هو واجهة النشاط فى مصر ومعه عمل الريان وأشرف السعد.. وكانت تجارة العملة تتم فى صالات البنوك التجارية.. حيث يتلقى المندوبون الدولارات ويودعونها فى حساب التاجر الرئيسى ويحررون شيكات بالثمن بالمصرى تصرف من حساب مخصص لذلك، وبذلك تكتسب العملية شرعية مصرفية.. وكانت البنوك تساعدهم فى هذا النشاط الذى يعنى مزيدًا من الرواج والعمليات للبنك.