تعيد ذكرى مأساة بيسان الفلسطينية إلى الواجهة «عربات جدعون» تفاصيل خطة تهجير سكان غزة واحتلال القطاع

مرڤت الحطيم
يواصل الجيش الإسرائيلى توجيه ضربات واسعة النطاق وتعزيز قواته فى مناطق محددة بقطاع غزة، ضمن مراحل ما أسماه عملية عربات جدعون، والتى من خلالها سيتم اجتياح عموم القطاع، ودفع سكانه نحو محافظة رفح، ومن ثم مطار رامون.. وفقاً للخطة التى وضعها رئيس الأركان إيال زامير وقيادة الجيش، وتمت المصادقة عليها من قِبل وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بدأ الجيش الإسرائيلى تعزيز قواته للتحرك بقوة من أجل تدمير حماس عسكرياً، مع خلق ضغط شديد من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى، ومنح غطاء حماية قوى للقوات المناورة براً وجواً وبحراً، من خلال استخدام أدوات ثقيلة لتفكيك العبوات الناسفة، وتدمير المبانى المهددة.
يعتمد جوهر الخطة العملياتية على إخلاء جميع سكان قطاع غزة ودفعهم إلى منطقة رفح، فى الحيز الواقع بين محور فيلادلڤيا ومحور موراچ. ويهدف تجميع السكان فى هذه المنطقة إلى تمكين الجيش الإسرائيلى من تحقيق هدفين: احتلال ما تبقى من المنطقة من عناصر حماس والبنى التحتية، وتحرير إسرائيل من القيود المرتبطة بوجود السكان فى المنطقة، وتشجيع الهجرة الفلسطينية إلى خارج قطاع غزة.
والعنصر المركزى فى الخطة هو إجلاء واسع النطاق لجميع سكان غزة من مناطق القتال، بما فى ذلك شمال غزة إلى المناطق الجنوبية من القطاع، مع فصلهم عن عناصر حماس من أجل تمكين الجيش من حرية عمل عملياتية.. وعلى خلاف ما سبق، سيبقى الجيش الإسرائيلى فى كل منطقة يتم السيطرة عليها لمنع عودة الإرهاب وفقا لزعمهم، وسيتم التعامل مع كل منطقة يتم تطهيرها وفق نموذج رفح، حيث تم تحييد جميع التهديدات وتحويلها إلى جزء من المنطقة الأمنية.
ووفقا للخطة، سيستمر الحصار الإنسانى بعد بدء العمليات القتالية والإجلاء الواسع للسكان إلى الجنوب. وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية مراحل العملية العسكرية التى أعلن الجيش الإسرائيلى عنها أنها فى مرحلتها الأولى التى بدأت بشن ضربات واسعة فى قطاع غزة.
والخطة الإسرائيلية التى تسمى بعربات جدعون هى عملية عسكرية من ثلاث مراحل، الأولى بدأت فعلياً من خلال توسيع الحرب فى غزة، وتم تنفيذها والمرحلة الثانية فى طور التحضير من خلال عمليات جوية بالتزامن مع عمليات برية، فضلاً عن العمل على نقل معظم السكان المدنيين فى قطاع غزة إلى الملاجئ الآمنة فى منطقة رفح.
أما المرحلة الثالثة من العملية العسكرية فستعمل على دخول قوات عسكرية براً لاحتلال أجزاء واسعة من غزة بشكل تدريجى، والإعداد لوجود عسكرى طويل الأمد فى القطاع.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الجيش الإسرائيلى يعتزم السيطرة التدريجية على قطاع غزة، وتستمر لعدة أشهر بهدف القضاء على حركة حماس، والعمل على هدم الأنفاق بشكل كامل على حد قول الصحيفة.
وفى وقت سابق ذكرت هيئة البث الإسرائيلية بأن عملية عربات جدعون تهدف إلى احتلال كامل غزة، ويشير إطلاق اسم عربات جدعون على عملية توسيع الحرب فى غزة إلى طابع الاحتلال المزمع تنفيذه فى القطاع ضمن الخطة الإسرائيلية، وهذه العملية التى من المرجح أن تستمر لعدة أشهر، وتتضمن الإخلاء الشامل لسكان غزة بالكامل من مناطق القتال بما فى ذلك شمال غزة إلى مناطق فى جنوب القطاع، حيث سيبقى الجيش فى أى منطقة يسيطر عليها، ولا تشمل العملية تنفيذ خطة إنسانية تفرق بين المساعدات وحماس، إلا بعد بدء العمليات الميدانية وإخلاء السكان على نطاق واسع إلى الجنوب، كما سيتم تفعيل شركات مدنية وترسيم المنطقة التى سيتم تأمينها من قبل الجيش، بما فى ذلك منطقة آمنة فى منطقة رفح جنوب خلف محور موراچ بين رفح وخان يونس، حيث سيتم فحص الداخلين لمنع تواجد عناصر حماس.
تسمى العملية بالعبرية ميركافوت جدعون، وتعنى عربات جدعون التى تحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، حيث أطلقت إسرائيل على إحدى عملياتها فى نكبة 1948 اسم عملية جدعون، والتى هدفت إلى السيطرة على منطقة بيسان الفلسطينية وطرد سكانها، وإطلاق اسم عربات جدعون على عملية توسيع الحرب فى غزة، يشير إلى طابع الاحتلال المزمع تنفيذه فى القطاع ضمن الخطة الإسرائيلية.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاماً، وبات نحو 1.5 مليون فلسطينى من أصل حوالى 2.4 مليون بالقطاع بلا مأوى، بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ويعانى القطاع مجاعة قاسية جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية، وبدعم أمريكى مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر2023 جرائم إبادة جماعية فى غزة خلفت أكثر من 173 ألف فلسطينى بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.. لكن ماذا يعنى اختيار جيش الاحتلال معبر كيسوفيم للتوسع البرى؟ اختيار جيش الاحتلال الإسرائيلى لمعبر كيسوفيم كمنفذ للتوسع البرى فى قطاع غزة، جزء من استراتيچية عسكرية تستند إلى خطة تقضى بتقسيم القطاع إلى 5 محاور هجومية.
وفى تحليل للمشهد العسكرى بالقطاع، فإن هذا التقسيم يذكر باستراتيچية الأصابع الخمسة التى كان يتبناها أرييل شارون، وتعنى عمليا تشريح القطاع إلى أجزاء يسهل السيطرة عليها ميدانياً، ومن ثم إضعاف قدرة المقاومة على التحرك بين مناطقه. ومعبر كيسوفيم يتمتع بأهمية استراتيچية مزدوجة، إذ يتيح التقدم نحو مناطق الوسط والجنوب كمدينة القرارة وخان يونس، كما يفتح الطريق باتجاه دير البلح التى وصفها بأنها خاصرة لينة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، ودخول قوات الاحتلال نحو وسط القطاع يعد تطورا لافتاً، نظرا لأن المنطقة بخلاف خان يونس أو جباليا لم تشهد عمليات عسكرية برية واسعة منذ بدء الحرب، وهو ما يعكس تحولاً فى مسار التوغلات البرية.
وحول طبيعة التوغل البرى فإن ما يجرى لا يرقى بعد إلى مستوى عملية واسعة النطاق، إذ لم يتم الدفع بعد بأى تشكيلات بحجم الألوية، بل تقتصر المشاركة البرية حتى اللحظة على مستوى كتيبة أو أقل، مقابل اعتماد مكثف على التمهيد النارى الجوى، والخطة الإسرائيلية التى أعدها رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال إيال زامير، تنص على 3 مراحل تستغرق حوالى عام، تبدأ بعملية جزئية على مدى 3 أشهر، يليها استكمال السيطرة على كامل القطاع خلال 9 أشهر، عبر قتال تقدره القيادة العسكرية بمستوى 6 ألوية فى المجمل، والغارات الجوية المكثفة تستخدم لتعويض محدودية القوات البرية والمرحلة الأولى ركزت على استهداف المقاومين الذين كانوا يستعدون لصد الاجتياح البرى، بينما تسعى المرحلة الثانية إلى تهجير المدنيين تحت الضغط النارى؛ كما أن الغارات استخدم فيها حوالى 40 قنبلة خارقة من نوع بونكر باستر أو بلو 109، وهى القنابل نفسها التى استخدمت سابقا لاستهداف أمين عام حزب الله حسن نصر الله، فى محاولة لتدمير البنية التحتية للمقاومة، واغتيال قيادات بارزة للمقاومة مثل محمد السنوار الذى عثر عليه مقتولا بالفعل فى أحد الأنفاق.
وفيما يخص التطورات الميدانية شمال القطاع، فإن العمليات هناك تهدف إلى تقطيع الجبهة وعزل مناطق مثل بيت لاهيا وبيت حانون، لإجبار المقاومة على الانتشار والاشتباك فى أكثر من محور، مما يرهق قدراتها القتالية ويمنعها من التركيز فى نقطة واحدة.
وعلى جانب آخر، فقد أثارت هذه الخطة موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعى، حيث اعتبر ناشطون ومغردون أن عربات جدعون ليست مجرد عملية عسكرية، بل تعكس نزعة توراتية متطرفة تهدف إلى إبادة جماعية وتهجير قسرى.
يرى ناشطون أن ما يتعرض له سكان غزة من قصف عنيف يمثل نسخة موسعة وأكثر شراسة من خطة الچنرالات السابقة، لكنها هذه المرة باتجاه الإبادة لا الإدارة، مشيرين إلى أن الفكرة لا تقتصر على تطهير عسكرى، بل تشمل هندسة ديمجرافية مكتملة الأركان عبر تجميع السكان وحشرهم جنوب محور موراچ، فى منطقة معزولة ومراقبة، وتجريف البنى التحتية، وتدمير أى قدرة على الحياة، بينما أشار آخرون إلى أن الهدف من هذه العملية هو تنفيذ تهجير قسرى شامل لسكان شمال القطاع ووسطه باتجاه رفح، تمهيدا لترحيلهم. كما أن الاحتلال الإسرائيلى يحاول تأكيد وحشيته وطبيعته العدوانية، مستذكرين عملية جدعون عام 1948 خلال نكبة فلسطين، والتى استهدفت مدينة بيسان وأدت إلى طرد سكانها الفلسطينيين.
من المتوقع أن تفرض عملية عربات جدعون تكاليف مالية باهظة على إسرائيل، وتقدر تكاليف تشغيل إدارة عسكرية والحفاظ على بقاء القوات فى قطاع غزة بنحو 25 مليار شيكل سنويا على الأقل، بما فى ذلك التمويل المستمر للعمليات الأمنية الروتينية والخدمات اللوچستية، والبناء، والبنية التحتية الأساسية.
وبالإضافة إلى ذلك، سوف تضطر إسرائيل إلى تحمل عبء توفير الخدمات المدنية لسكان غزة ــ المياه والغذاء والصحة والإسكان ــ فى ظل واقع من التدمير شبه الكامل للبنية الأساسية فى المنطقة.
وتقدر التكلفة الإضافية لهذه الخطة بنحو 10 مليارات شيكل على الأقل، وعلاوة على ذلك ووفقا لتقديرات بنك إسرائيل، فإن امتداد القتال سوف يضر بالناتج المحلى الإجمالى بنحو 0.5 % (حوالى 10 مليارات شيكل سنويا)، وذلك بشكل رئيسى بسبب التأثير على عرض العمالة والخدمة الاحتياطية.