ينتهى اليوم بعد أن دعم غزة وانتقد «ترامب»: مهرجان كان 2025.. عندما تفرض السياسة نفسها على السجادة الحمراء

هبة محمد على
على مدار الأسبوع الماضى اتجهت الأنظار إلى مدينة «كان» الفرنسية التى تحتضن مهرجان «كان» السينمائى الدولى فى دورته الـ 78، ذلك المهرجان السينمائى الذى لا يزال يحتفظ بتوهجه الفنى باعتباره المنصة الأهم لاستعراض اتجاهات السينما العالمية، لكن ومنذ تأسيسه عام 1946، لم يكن مهرجان «كان» السينمائى هذا العام مجرد تظاهرة فنية لعرض الأفلام ومنافسة النجوم على السجادة الحمراء؛ بل جاء كساحة مفتوحة للتعبير عن المواقف السياسية، سواء من خلال الأفلام المختارة، أو التصريحات الجريئة، أو حتى الاحتجاجات التى تقام على مرأى الكاميرات وعدسات الصحافة العالمية.
من «كان» هنا غزة
عشية انطلاق المهرجان، وقّع ما يقرب من 400 شخص من صناع السينما، رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية تحت عنوان (فى «كان».. لا يجب إسكات رعب غزة). الرسالة جاءت تنديدًا بالمجازر التى ارتكبها الكيان المحتل فى حق سكان غزة وسط صمت عالمى مُخزٍ، وفى نص الرسالة حمّل الموقعون إسرائيل مسئولية استهداف المدنيين والصحفيين والفنانين بوحشية، مشيرين إلى مقتل أكثر من 200 صحفى فى غزة منذ بدء الحرب، بالإضافة إلى منع دخول أى صحفى أجنبى للقطاع، كما حذرت الرسالة من صمت المؤسّسات السينمائية العالمية عن مواجهة الاحتلال والعنصرية والاستعمار عبر الثقافة والفن، على اعتبار أن السينما ليست ترفًا؛ بل مسئولية ثقافية وأخلاقية فى مواجهة سياسات الاستعمار والعنصرية والاحتلال، وقد كان السؤال الأبرز الذى ضمه الموقعون على الرسالة هو بأى حق نصنع أفلامًا تدّعى الدفاع عن الإنسانية، بينما نتواطأ بصمت مع الإبادة الجارية؟
مآسٍ إنسانية
لم تكتفِ الرسالة بالشجب والتنديد؛ لكنها أيضًا استعرضت بعض القصص الإنسانية التى تعرّض لها صُنّاع السينما داخل القطاع، منها على سبيل المثال واقعة اختطاف المخرج الفلسطينى «حمدان بلال» الحائز على الأوسكار عن فيلم (No Other Land، لا أرض أخرى) كما أشارت الرسالة إلى المصورة الفلسطينية «فاطمة حسونة» تلك الفتاة التى تبلغ من العمر 25 عامًا، والتى قُتِلت فى غارة إسرائيلية بعد يوم من إعلان مشاركة فيلم وثائقى عن حياتها فى المهرجان بعنوان: (ضع روحك على كفك وامضِ) للمخرجة الإيرانية الفرنسية «سبيدة الفارسى» ولهذا الفيلم قصة حكتها «سبيدة» فى أحد حواراتها الصحفية؛ حيث قالت إن «فاطمة» كانت سعيدة جدًا بقبول المهرجان عرض الفيلم الذى يصور حياتها عبر عام كامل، وأخبرت المخرجة فى مكالمة هاتفية- كانت الأخيرة بينهما- أنها رغم الحصار المفروض على سكان القطاع ستحاول جاهدة السفر إلى فرنسا لحضور عرض الفيلم، وفى اليوم التالى لاختيار الفيلم، قُتِلت «فاطمة حسونة» وعدد من أفراد عائلتها جراء صاروخ أصاب منزلهم، وقد دفعت هذه المأساة رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائى، الممثلة الفرنسية «جوليت بينوش» لرثائها فى حفل افتتاح المهرجان، كما ذكرتها النجمة الأمريكية «إنجلينا جولى» خلال كلمتها فى حفل عشاء أقيم على هامش المهرجان؛ حيث استنكرت خلال كلمتها وجود فنانات قُتِلن فى مناطق الصراع فى العالم، منهن المصورة الفلسطينية «فاطمة حسونة» والمغنية «شادن قردود» التى قُتِلت عام 2023 إثر النزاع فى السودان، والكاتبة «فيكتوريا إيميليانا» التى قُتِلت فى أوكرانيا فى العام ذاته.
السياسة الأمريكية
أدّى إعلان الرئيس الأمريكى عن نيته لفرض رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية التى يتم تصويرها خارج الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 100 % إلى جدل واسع بين السينمائيين فى أمريكا، وكان من الطبيعى أن ينتقل هذا الجدل إلى مهرجان «كان»؛ لكن ما حدث هو أن رفض تصريحات «ترامب» تحوّل إلى انتقاد لشخصه ولتصرفاته؛ حيث وصفه النجم الأمريكى «روبرت دى نيرو» بـ (الرئيس الجاهل) وذلك أثناء تسلمه جائزة السعفة الذهبية عن مجمل أعماله فى حفل افتتاح المهرجان، والجميل فى هذا الحدث هو أن لحظة تكريم أحد أشهر رموز السينما العالمية قد تحولت إلى لوحة معارضة لسياسات وقرارات الرئيس الأمريكى؛ حيث لم يكتفِ «دى نيرو» بانتقاد قراره بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة على الأفلام الأجنبية؛ حيث لا يمكن تسعير الإبداع، معتبرًا أن هذه القضية ليست قضية أمريكية فقط؛ بل معركة عالمية ضد تقييد الحريات الثقافية، لا يمكن لأى مبدع الوقوف مكتوف الأيدى أمامها، لكنه أيضًا شن هجومًا عنيفًا على الرئيس الأمريكى، واصفًا إعادة انتخابه بالتهديد العالمى؛ حيث قال فى كلمته: (فى بلدى، نناضل اليوم من أجل ديمقراطية كنا نظنها أمرًا مفروغًا منه، وهذا التهديد لا يطال الولايات المتحدة وحدها؛ بل يشمل العالم بأسْره؛ لأن الفن يوحّدنا، ويكشف الحقيقة، ويحتضن التنوع، ولهذا تهاجمه الأنظمة الاستبدادية، فالفن يقلق الفاشيين).