الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

فى القرآن لا ذكر لأسماء الأشخاص، فيما عدا الأنبياء، وإذا ذكر اسم شخص فهذا الشخص باسمه يصبح رمزًا للموضوع الذى جاء فيه، فرعون رمز لكل مستبد، وقصة الفرعون المستبد تتكرر فى كل زمان ومكان. وقد ذكر تعالى اسم زيد فى موضوع تحريم التبنى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) الأحزاب 37، فتحول زيد إلى مثال.

وبالنسبة للضالين من أقارب أى نبى، ذكر تعالى زوجة نوح وابنه وزوجة لوط بلا أسماء، ولكن ذكر اسم أبو النبى إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ) الأنعام 74، وذكر تعالى لقب أبى لهب واسمه عبد العزى، وهو عم النبى محمد عليه الصلاة والسلام: (تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد) المسد 1-5.

أبو لهب والمال

فى قوله تعالى عن أبى لهب: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)، إشارة لأنه كان ذا مال، وفى سبيله وقف ضد الإسلام، وضد قرابته لابن أخيه النبى، فى الوقت نفسه كان من الهاشميين من ظل مشركًا فى مكة مثل العباس عم النبى، ولكن العباس وقف مع ابن أخيه، ووقف كل بنى هاشم ضد قريش مع النبى حين حوصر المسلمون فى شعب أبى طالب.

وقفوا مع النبى بغض النظر عن الدين انتصارًا للعصبية وللنسب، لم يشذ عنهم سوى أبى لهب، لذلك حين جاءت الأخبار بتربص المسلمين لقافلة قريش عند بدر، كان أبو لهب من أكثر المساهمين فى تلك القافلة، فهو الذى استولى على أموال وممتلكات أقاربه الهاشميين بعد هجرتهم، ومنها أرصدتهم المالية فى حصص تجارة الشتاء والصيف، وعاش على أمل هزيمة المسلمين فى بدر، فلما عرف بهزيمة قومه مات حسرة.

فما أغنى عنه ماله حين مرض وحين مات بالحسرة حزناً على هزيمة قومه، ويوم القيامة سيصلى ناراً وصفها من اسمه، أى ذات لهب.

أم جميل

هى أروى بنت حرب بن أمية أخت أبى سفيان، وتسمى أم جميل، وكان ولداها عتبة وعتيبة متزوجين أم كلثوم ورقية بنتى النبى،  ومن شدة كراهية أم جميل للإسلام وللنبى أرغمت ولديها على تطليقهما. واشتهرت بحمل الحطب والشوك فتطرحه على طريق النبى،  ولهذا قال تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) المسد 4، وهناك روايات آخرها عن تعمدها إيذاء النبى عليه السلام: (فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد) المسد 5، يعنى حبل من نار، أى جزاؤها من جنس عملها.

من الروايات كانت أم جميل الأموية وزوجها يريان فى الاسلام خطرًا على مكانتهما فى قريش ومكة، تزعم قريش فى هذه الفترة الأمويون قادة الحرب وقافلتى الشتاء والصيف، وأبناء عمومتهم الهاشميون القائمون على رعاية الحجيج والكعبة.

ونفوذ أبو لهب جاء لكونه ابن عبدالمطلب زعيم قريش ورأس الهاشميين، ولأنه صهر أبى سفيان والأمويين، ولأنه من أثرياء قريش، الإسلام كان مصدر تهديد لهذا الوضع، وأم جميل فى تعصبها لأهل بيتها من الأمويين ترى أن الصدارة ستكون خارج بيتها ولأهل زوجها بحكم سيطرتهم على البيت وخدمة الحجاج، ثم سيتأكد هذا بظهور نبى منهم، وبالتالى لن يكون للأمويين دور قيادى.

كما أنها كانت شديدة السيطرة على زوجها أبى لهب وولديها، وبتأثيرها ظل أبو لهب شديد العداء لابن أخيه النبى،  لذا استحقت أن يذكرها تعالى مقترنة بزوجها فى اللعن والعذاب الذى ينتظرهما.

كفر أبو لهب

فقد نزل تكفير أبى لهب وهو حى يسعى، وكان يمكنه أن يعلن الإسلام ليثبت تكذيب القرآن، ولكنه ظل على كفره، قد يجد البعض ذلك غريبًا من الله تعالى لأنه حكم مقدمًا على شخص لا يزال حيًا بدخوله النار، أو أن علم الله يتدخل فى مصير الأشخاص.

والواقع أن علم الله تعالى الأزلى هو محيط بنا ولا يمكن أن نخرج عن نطاقه ولكن لا يتدخل فى اختياراتنا، وتكرر التأكيد على أن مشيئة الإنسان بالهداية هى الأساس، وأن الإنسان لو شاء الهداية زاده الله هدى، ولو شاء الضلال زاده الله ضلالاً: (قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) مريم 75، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) مريم 76.

وفى قوله تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد 16-17، أى أن أبا لهب هو الذى شاء الكفر باختياره، ووقف معاديًا لابن أخيه وهو يعلم عن ابن أخيه بالصدق والأمانة، وبنفس الاختيار الحر اختار أخوة أبى لهب الإسلام وهم حمزة والعباس .

ما الذى منع أبا لهب من التوبة؟، فى المقارنة بين أبى لهب وأخيه العباس وصهره أبى سفيان نجدهما قد أسلما فى خريف العمر، بينما مات أبو لهب فى خريف عمره مصممًا على كفره، العادة أن الإنسان فى نهاية عمره يكون أسيرًا لما تعوده طيلة عمره، ومن الصعب أن يتقبل فكرًا جديدًا يتناقض مع فكر اعتنقه وتمسك به طيلة عمره.

لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، وقد أكد فى القرآن الكريم أنه تعالى لو عاقب الناس بظلمهم بالعدل دون عفو لدمر كل دابة على الأرض، ولكنه تعالى قد أجل حسابهم إلى يوم الحساب ليعطيهم فرصة للتوبة ومراجعة النفس: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) النحل 61. 

توقيت التوبة

من الناس من يتوب مبكرًا فيتسع أمامه العمر للعمل الصالح فينجو، وعلى النقيض هناك من يظل فى ضلاله إلى لحظة الاحتضار فيحاول التوبة فلا يقبلها تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء 17-18.

وبين هذين هناك من يتوب فى منتصف العمر بعد أن يكون قد عمل صالحًا وسيئًا، هذا تكون مهمته عسيرة لأن عليه أن يعوض ما فاته بالتوبة ومضاعفة العمل الصالح وتقديم الصدقات: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة 102-104.

ثم هناك من يحاول التوبة فى أواخر العمر حيث يكفى ما تبقى من العمر لكى يصلح ما فات، وهذا أمره متروك لله تعالى إن شاء تاب عليه وإن شاء جعله خالدًا فى النار: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة 106، أى هو تعالى الأعلم بحالهم والأحكم فى القرار المناسب لهم حسب صدق التوبة وصدق الإيمان والعمل الصالح .

حقيقة التوبة تعنى تصحيح العمل فيما يخص حقوق الله، ثم رد حقوق الناس، فمن أمضى عمرًا من حياته يظلم ويسرق ويؤذى الناس ويشرك بعقيدته، ثم أراد التوبة فمن السهل عليه لو شاء الهداية أن يصحح عقيدته وأن يخلص لله قلبه وعبادته.

أما لو مات على شركه العقيدى فلن يقبل الله له توبة، وتبقى حقوق البشر الذين أوقع بهم الظلم والأذى وضيع حقوقهم، يجب أن يعيد لهم حقوقهم، وأن يسامحوه حتى يقبل الله توبته، ثم عليه أن يبدأ الإخلاص فى العبادة والعمل الصالح لكى يعوض ما فاته، وعدم العودة للسيئات والكبائر من الذنوب والإكثار من الصالحات يكون قبول التوبة، حيث يغفر الله الذنوب بتلك الأعمال الصالحة: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان 68-71.

مما سبق يتضح أن أبا لهب كان أسير ماضيه ملتزمًا بما تمسك به طيلة عمره، ولم يرد التوبة، ولا تصحيح ما فات وما أذنب من كبائر.