(رسينى)... حين غنـّى «بهاء سلطان» ولم يجد المرفأ

محمد شميس
ما زال «بهاء سلطان»، برغم كل الإمكانات، غير قادر على إثبات نفسه كمحترف واعٍ بأدواته. المينى ألبوم (رسينى) كان يمكن أن يكون نقلة نوعية، لكنه خرج كفرصة فنية غير مكتملة الملامح.
بداية مرتجفة!
الأغنية الأولى، التى حملت اسم الألبوم، جاءت بتوقيع «تامر حسين» و«مدين»، وتوزيع «أحمد عبد السلام».. موضوعها عاطفى بحت، يدور فى فلك الحيرة والارتباك العاطفى، من شريك غير واضح الموقف. رغم محاولات «تامر حسين» التجديد فى القوافى فى أغانى مع مطربين آخرين، إلا أن الكلمات بدت تقليدية وتكررت قوافى مثل: «رسينى، خلينى، ملينى». أما لحن «مدين» فقد ارتكز على مقامى النهاوند والكرد، لكنه افتقر للتماهى مع الحالة الشعورية للنص. التوزيع، رغم اجتهاده فى تفادى التكرار فى الفواصل الموسيقى، لم يقدم مفاجآت أو دهشة موسيقية. النتيجة: أغنية «آمنة»، لكنها لا تُشتاق بعد انتهائها.
«ميدالية مفاتيح»... فكرة جيدة
تجربة فكرية جيدة فى الألبوم. كلمات «أيمن بهجت قمر» استخدمت المفتاح كرمز مادى لحل أزمات شعورية ونفسية يعانى منها الإنسان المعاصر، فى مجتمع يفرض عليه الركض المستمر. المفاتيح هنا تفتح نوافذ نفسية: أوضة للراحة، عربية للهرب، أو بحر للاتساع والتأمل. لحن «عزيز الشافعى» بمقام الكرد عزز هذه الرؤية؛ شجن مفرغ بالأمل. «فهد» كموزع نجح فى خلق خليط بين الشرقى واللاتينى، ما بين الناى والرق من ناحية، والجيتارات والإيقاعات الصيفية من ناحية أخرى. المفارقة أن هذه الأغنية كانت الأقل استماعًا، رغم أنها فنيًا الأكثر اكتمالًا!
«اترموا»... نسخة مكررة من الغضب الشعبى
أغنية شعبية بامتياز، كلماتها لـ«أحمد عيسى» ولحن «مدين»، بتوزيع «أحمد عادل». الفكرة مستهلكة:
الشخص الذى يهجرونه فيندمون لاحقًا. القوافى تقليدية ومكررة «اترموا، اتعموا، يندموا». «مدين» استخدم مقام الكرد وأضفى عليه لمحة من البياتى، بينما قدم «عادل» توزيعًا شرقيًا كثيفًا بالأداء الآلى القوى. الأغنية مناسبة للسوق الشعبى، لكنها لا تُضيف جديدًا لمسيرة «بهاء سلطان».
«الطيبين»... الفراق بشياكة
كلمات «خالد تاج الدين» وألحان «عزيز الشافعى» وتوزيع «يوسف علاء الدين». الأغنية تبتعد عن البكائيات المعتادة لتقدم نهاية العلاقة بأسلوب حضارى: «الطيبين بقوا معجزات»، كما تقول كلماتها. الألحان من مقام النهاوند حملت طاقة تعبيرية خاصة فى جمل مثل «سكة سفر» و«على سننا مبقاش يليق». التوزيع حمل مزيجًا من الشرقى والإلكترونى، ما منح الأغنية هوية موسيقية مزدوجة بين الشجن والحداثة. فكرة الأغنية عميقة لكن القوافى ظلت مألوفة.
«بتشوف فلان»... صرخة ضد العلاقات الاستهلاكية
من أنضج أغانى الألبوم، كلمات «تامر حسين» وألحان «عزيز الشافعى» وتوزيع «أمين نبيل». الأغنية تتناول العلاقات الاجتماعية الزائفة، وتُدين فكرة أن اللمة لم تعد إلا مصلحة. القوافى ليست جديدة «فلان، زمان» لكن التعبير عن المضمون جاء مؤلمًا وصادقًا. اللحن بمقام الكرد عزز الشجن، خاصة فى مقاطع مثل «والله متفاتة» و«الوحدة أرحملك». التوزيع الشرقى القائم على القانون عزز الحالة، وكان أحد عناصر التفوق فى الأغنية.
وبشكل عام.. رغم أن الألبوم يفتقر للتماسك المفهومى، إلا أن بعض أغانيه كانت قابلة للترتيب لتكوين سردية شعورية متكاملة بمفهوم الـ«Concept album»:
• نبدأ بـ«رسينى»: الحيرة.
• ثم «الطيبين»: اكتشاف عدم صلاحية العلاقة.
• يليها «بتشوف فلان»: مرارة الوحدة.
• ثم «ميدالية مفاتيح»: اللجوء للطبيعة والبحث عن السكينة.
• وتُختتم بـ«اترموا»: استعادة الثقة بالنفس.
لو كان المينى ألبوم صادرًا بهذا الترتيب، لكان الألبوم أشبه برواية موسيقية قصيرة. لكن غياب الرؤية الإخراجية جعل التجربة الفنية متقطعة.
ولذلك يعتبر المينى ألبوم كالفرصة المهدرة، خاصة أن مقام الكرد هو العنصر المشترك فى معظم الأغانى، ما كان يمكن استخدامه لخلق وحدة موسيقية، إلا أن غياب موزع موسيقى موحد أضاع فرصة صياغة هوية صوتية ثابتة.
كما أن اختيار اسم الألبوم (رسينى) فتح باب المقارنة مع أغنية (رسينى) الشهيرة لـ«جمالات شيحة» وتوزيع «فتحى سلامة»، وهو ما يضع «بهاء» فى مواجهة خاسرة من البداية.