الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرئيس الأمريكى وسباقه الدولى من قناة السويس لجرينلاند.. رحلة البحث عن صفقة العمر

منذ أن عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، بدا واضحًا أن العالم أمام فصل جديد من فصول «العبث» الجيوسياسى،  بطله رئيس لا يعترف بالدبلوماسية التقليدية، بل يفضل التغريدات المتفجرة والعقوبات الاقتصادية على الموائد المستديرة.



العالم منذ 20 يناير 2025، لم يهنأ بلحظة هدوء، عاد الرئيس الأمريكى السابق – والحالى – ممتطيًا صهوة التغريدات، ملوحًا بقبضته التجارية، ومصممًا على إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية ليس وفقًا لمصالح بلاده، بل حسب أهوائه وصفقاته.

 

أوكرانيا منجم لا حرب

عوضًا عن تبنى موقف واضح من استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، قرر ترامب أن ينظر للأزمة من زاوية مختلفة تمامًا: «منجم المعادن النادرة فى شرق أوكرانيا». 

وفى خطاب مبهم لكنه موحٍ، قال: «لماذا نترك كل هذه الكنوز للروس أو الصينيين؟ علينا أن نحمى الديمقراطية... والمعادن أيضًا».

بدأت إدارته تتودد سرًا وعلنًا لمسئولين أوكرانيين للاتفاق على صفقة ضخمة تتيح لشركات أمريكية حق استخراج المعادن النادرة، تحت غطاء «إعادة الإعمار». هذه الخطوة أثارت موجة غضب أوروبية واعتبرت بمثابة خصخصة للحرب وتحويل المعاناة إلى سوق. المعادن النادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم تُستخدم فى صناعة الإلكترونيات والطاقة المتجددة والأسلحة، لذا فإن السيطرة عليها تُعد ورقة استراتيجية رابحة يسعى ترامب إلى اقتناصها مستغلًا نزيف الحرب المستمرة منذ فبراير 2022. 

ليس هذا فحسب، فوفق تصريحات الرئيس الأمريكى الواضحة أنه يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام من خلال صفقة إنهاء الحرب فى أوكرانيا، مؤكدًا أن الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما قد حصل على هذه الجائزة دون حق عام 2009.

وقال ترامب فى مقابلة أجراها معه كلاى ترافيس، مؤسس موقع أوت كيك الرياضى على متن طائرة الرئاسة (إير فورس وان) إن «الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما فاز بنوبل من دون مبرر». فيما رأى ترامب أنه الأحق بالفوز بها لعدة أشياء قام ولا يزال يقوم بها.

تحالفات مشروطة و«قواعد جديدة»

ترامب لم يُضِع وقتًا فى مهاجمة حلف الناتو مجددًا، مكرّرًا أسطوانته القديمة: «لماذا ندافع عن دول لا تدفع ما يكفي؟». هذه التصريحات لم تكن مجرد كلمات، بل رافقتها خطوات تقليص التعاون الاستخباراتى مع بعض دول أوروبا الشرقية وتقارير عن نية نقل قواعد أمريكية من ألمانيا إلى بولندا.

أعلن ترامب سياسة «الدفع مقابل الحماية»، وهو ما أثار غضب القادة الأوروبيين الذين رأوا فى هذه الخطوة تقويضًا لأساس الحلف. فرنسا وألمانيا تحديدًا شعرتا بالإهانة، خاصة بعد دعوة ترامب لإنشاء «ناتو بديل» تقوده أمريكا دون مساهمات أوروبية كبيرة.

عودة دافئة نحو موسكو

وسط هذا التوتر مع الحلفاء، بدت العلاقات مع موسكو وكأنها تخرج من «ثلاجة الحرب الباردة».

 لقاء غير رسمى بين ترامب وبوتين فى جنيف، تبعه إعلان مشترك عن «فتح صفحة جديدة»، أثار زلزالًا فى الأوساط الدبلوماسية الغربية.

ترامب دافع عن التقارب قائلًا: «لا يمكننا أن نعيش فى الماضى، روسيا بلد قوى وذكى ويجب أن نحترمه».

لكن خلف الابتسامات، كانت تلوح صفقة تبادل مصالح: المعادن الأوكرانية لأمريكا، والاعتراف الضمنى بسيطرة روسيا على دونباس مقابل وقف الهجمات السيبرانية الروسية على المؤسسات الأمريكية.

هذا التحول المفاجئ فى موقف واشنطن أثار مخاوف حلفائها التقليديين، واعتُبر بمثابة طعنة فى خاصرة أوكرانيا التى لم تجد دعمًا كافيًا فى وجه موسكو.

الصين: الحرب التى لا تنام

فى آسيا، لم يتأخر ترامب فى إشعال نار حرب تجارية متجددة مع الصين. فرضت إدارته جمارك جديدة على واردات صينية استراتيجية، وردت بكين بإجراءات مضادة شملت التكنولوجيا والسلع الزراعية. بلغ متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين 35 % فى بعض القطاعات، وإجماليًا وصلت إلى نحو 125 % وهو ما أثار قلق المستثمرين.

لكن ترامب لم يكتفِ بالحرب الاقتصادية، بل صعّد لهجته السياسية، متهمًا الصين مجددًا بالتستر على أصول فيروس كورونا، وبمحاولة «شراء أفريقيا» عن طريق قروض مشروطة ومشاريع بنية تحتية ضخمة.

وفى منتدى انتخابى،  قال ترامب: «إذا لم نوقف الصين الآن، فسنضطر إلى تعلم الماندرين خلال عشر سنوات». 

هذا التصعيد فتح الباب أمام أزمة اقتصادية عالمية جديدة، أثّرت على سلاسل الإمداد وأسعار المنتجات فى الأسواق، وكانت الأسواق الأمريكية أولى ضحايا هذه الأزمة حيث ارتفعت الأسعار فى الأسواق الأمريكية بنسبة وصلت الى نحو 2.3 % وفق آخر تحليل لجامة ييل. مما يعد خسارة استهلاكية تقدر بـ3.800 دولار لكل أسرة أمريكية.

كما أشارت مؤسسة الضرائب الأمريكية إلى أن هذه التعريفات تمثل زيادة ضريبية قدرها 1.243 دولار فى المتوسط لكل أسرة عام 2025 مع انخفاض فى الدخل بعد الضرائب بنسبة 1.2 %.

من جهة أخرى تأثرت الثقة الاقتصادية بسبب هذه الحرب الباردة مع الصين، بصورة سلبية حيث انخفض النمو الاقتصادى فى الربع الأول من عام 2025 إلى 0.3 % وهو أضعف أداء منذ عام 2022.

أمريكا اللاتينية: فوضى بالتقسيط

لم تسلم دول الجوار الجنوبى من عبث السياسة «الترامبية»، حيث تصاعدت أزمة المهاجرين مجددًا مع إغلاق الحدود وتعزيز الجدار الفاصل مع المكسيك، باستخدام تمويل جزئى من وزارة الدفاع.

وفى خطوة مستفزة، فرضت واشنطن عقوبات على حكومة البرازيل بسبب ما وصفته بـ«الإخفاق فى حماية المصالح الأمريكية فى الأمازون»، خاصة مع تقارير عن صفقات سرية مع الصين لتوريد الأخشاب والمعادن.

أما فى فنزويلا، فقد عادت الولايات المتحدة لدعم المعارضة بقيادة خوان جوايدو، مع فرض عقوبات على قطاع النفط، ما أدى إلى انهيار اقتصادى متسارع فى البلاد. وصرح ترامب: «نحن نعيد الديمقراطية إلى فنزويلا، شاء من شاء وأبى من أبى».

فى كولومبيا، عُلّقت مساعدات عسكرية أمريكية بعد أن رفضت الحكومة تسليم مطلوبين تقول واشنطن إنهم يشكلون تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى.

جرينلاند: الحلم القطبى يعود

فى مشهد كوميدى مأساوى،  أعاد ترامب طرح فكرته القديمة بشراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك. فى مقابلة تليفزيونية، قال: «أنتم تضحكون، لكن جرينلاند كنز استراتيجى،  وأنا أعنى كل كلمة».

وراء هذا الحلم رغبة فى السيطرة على احتياطات الطاقة والمعادن تحت الجليد، فضلًا عن الموقع الاستراتيجى للجزيرة فى وجه التمدد الروسى والصينى فى القطب الشمالى.

رئيسة وزراء الدنمارك ردت بسخرية على تصريحات رئيس المكتب البيضاوى قائلة: «الجزيرة ليست للبيع، ولا نحن فى سوق الخردة». لكن ترامب لم يتراجع، بل أرسل وفدًا اقتصاديًا لدراسة «فرص الاستثمار»، مما أثار أزمة دبلوماسية مع كوبنهاجن، واحتجاجات داخلية فى جرينلاند.

قناة السويس وقناة بنما: عقدة الجغرافيا

أثار ترامب عاصفة سياسية بعد تصريحات مثيرة للجدل بشأن قناة السويس وقناة بنما. قال: «يجب أن تمر السفن الأمريكية فى قناتى بنما والسويس دون رسوم».

وأضاف: «نحن نخسر تريليونات بسبب احتكار هذه القنوات من بعض الدول!». هذا التصريح اعتُبر تدخلًا فجًا فى شئون سيادية، وأشعل ردود فعل غاضبة من مصر وبنما، وبيانات رسمية شديدة اللهجة.

فى الأوساط الدبلوماسية، اعتُبر هذا الطرح بمثابة دعوة غير مباشرة لفرض النفوذ الأمريكى على طرق التجارة العالمية تحت شعار «الحياد»، ما أثار مخاوف من تصعيد اقتصادى وأمنى فى مناطق عبور الطاقة والتجارة.

لكن رد وزير الخارجية المصرى بدر عبدالعاطى على تصريحات الرئيس الأمريكى كافية وقاطعة، وخلال سؤال طرح على الوزير خلال اجتماع مع وفد مجلس أمناء الحوار الوطنى مساء الخامس والعشرين من أبريل 2025، قال عبد العاطى «الأفضل عدم الرد».. بهذه الكلمات الموجزة، عبّر وزير الخارجية المصرى، عن موقفه إزاء التصريحات التى دأب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إطلاقها منذ تولّيه سدّة الحكم وحتى يومنا هذا، والتى تبدو انفعاليّة ولحظية، فكانت النبرة الحاسمة من عبد العاطى وافية للرد على تصريحات رئيس البيت الأبيض إزاء قناة السويس.

إسرائيل: الحليف الوحيد الأبدى

وسط كل هذا الاضطراب، ظل دعم ترامب لإسرائيل ثابتًا بل ومتزايدًا. استأنف تمويل مشاريع استيطانية كانت قد توقفت فى عهد بايدن، وعيّن مبعوثًا خاصًا جديدًا للشرق الأوسط وُصف بأنه أكثر تطرفًا من سابقه.

وفى مؤتمر صحفى،  قال ترامب: «إسرائيل هى الديمقراطية الحقيقية الوحيدة فى الشرق الأوسط، وسنقف معها مهما كلف الأمر». هذا الموقف أثار غضبًا عربيًا واسعًا، خاصة بعد تصريحاته المبطنة عن أن القضية الفلسطينية «قديمة ومملة ولا تُحل».

نهاية بلا نهاية

السياسة الخارجية لدونالد ترامب فى ولايته الثانية تشبه إلى حد كبير عرضًا مسرحيًا لا يمكن التنبؤ بمشاهده القادمة. قرارات متقلبة، تصريحات مستفزة، وصفقات مشبوهة فى العلن والخفاء.

وبينما ينشغل العالم بمحاولة احتواء الأزمات، يواصل ترامب العزف على أوتار التوتر الدولى، فى سيمفونية لا تبدو نهايتها قريبة.

فهل نحن أمام عصر جديد من السياسة الأمريكية، أم مجرد فصل آخر من كتاب ترامب المليء بالمفاجآت؟