الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مغامرات «القائد الأعظم» فى اقتصاد الأرض تـــرامـــب يرفع التعريفة.. ويخفض العالم!

فى زمن تعودنا فيه على أن تُكتب قواعد الاقتصاد بالحبر الهادئ، خرج دونالد ترامب من البيت الأبيض – فى ولايته الثانية – حاملاً قلمًا أحمر اللون ومسطرة جمركية، يعيد بها رسم خريطة الاقتصاد الدولى.. ولكن على طريقته الخاصة، التى لا تشبه إلا نفسه.



ومنذ الأيام الأولى لعودته إلى السلطة فى يناير 2025، أعاد ترامب تشغيل ماكينة «أمريكا أولاً» بكل قوتها، لكن هذه المرة بشهية أكبر، وببطاقات جمركية أعلى، وبحرب تجارية أكثر جرأة، إن لم نقل أكثر تهورًا.

التعريفة أولاً... الشركاء لاحقًا

مع بداية توليه رئاسة البيت الأبيض خرج ترامب بأولى قراراته المتهورة، وأعاد بها فرض تعريفات جمركية صارمة على واردات الحديد، والألمنيوم، والشرائح الإلكترونية، وحتى السيارات الأوروبية الفاخرة، بحجة «حماية الصناعة الأمريكية» وتوفير وظائف للشعب. لكن الحقيقة التى باتت واضحة كالشمس أن هذه الإجراءات أرهقت المستهلك الأمريكى قبل غيره، وخلقت توترًا اقتصاديًا حتى مع أقرب الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبى وكندا.

فى باريس، وصف مسئول فرنسى السياسات الجمركية الأمريكية بأنها «قنابل ضريبية تُرمى على الحلفاء»، بينما فى برلين، تساءلت الصحف عن معنى التحالف عندما يصبح «الصديق هو مَن يُثقل ميزانك التجارى بالديون».

رحلة المليارات من البيت الأبيض إلى وول ستريت

بجانب السياسة الرسمية، لم ينس ترامب مصالحه الخاصة. ففى خطوة فريدة، دفع الشعب الأمريكى، ربما دون أن يدرى، إلى ضخ المليارات فى شركته المالية الجديدة «Trump Global Equity»، بعدما صورها كأداة قومية للنصر الاقتصادى. حملات دعائية غير مباشرة، وخطاباته المتكررة التى أشارت إلى «ازدهار غير مسبوق» بفضل مشاريعه، دفعت ملايين الأمريكيين إلى شراء أسهم شركته، رافعين قيمتها السوقية إلى عنان السماء.

وعندما فرض ترامب تعريفته الجمركية التى وصل حد الزيادة فيها إلى واردات أمريكا إلى نحو 125 % اكتملت لعبة ترامب الاقتصادية لتصب فى مصلحته، حيث نشر على صفحتة الرسمية على موقع «تروث سوشيال» تغريدة قال فيها إن هذا الوقت المناسب لشراء أسهم فى شركة DJT الاعلامية المملوكة له، وبالفعل ذهب الكثير من داعميه أصحاب الفكر «الترامبى» لشراء الأسهم المالية ليأتى ترامب بعد ساعات ارتفاع أسهم الشركة إلى نحو 22 % ويدخل جيب ترامب مليارات الدولارات.

تلاعب وشبهات.. وتربح غير مشروع

منذ أطلق الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» حملته لزيادة التعريفات الجمركية والتى أدت إلى اضطرابات حادة فى الأسواق العالمية، أكد هو وأعضاء إدارته مرارًا وتكرارًا أنه لا يلتفت إلى تقلبات الأسهم عند صياغة مثل هذه السياسات.. ومع ذلك فإنه يواجه اتهامات بالتلاعب الآن.

-قال «ترامب» عقب إعلانه تعليق الرسوم الجمركية المرتفعة على أغلب الدول، إن قراره جاء مدفوعًا باضطراب سوق السندات وانتشار مشاعر الخوف، وهو ما أكده المحللون الذين يعتقدون أن ارتفاع عوائد الديون الحكومية يشكل عبئًا كبيرًا على الإدارة الأمريكية.

وصحيح أن قرار التعليق الجزئى للرسوم الجمركية أسفر عن بعض الهدوء فى سوق سندات الخزانة، لكن أيضًا حققت الأسهم الأمريكية مكاسب هى الأقوى منذ سنوات، وارتفع مؤشر «داو جونز» بنحو 3000 نقطة، فيما قفز «إس آند بى 500» بنسبة 9.5 % و«ناسداك» المركب 12 %.

مكاسب قياسية للأثرياء

وبفضل هذه المكاسب القوية للأسهم، ارتفعت ثروة أغنى الأشخاص فى العالم بنحو 304 مليارات دولار، وهى زيادة قياسية، وربح الملياردير «إيلون ماسك» وحده نحو 36 مليار دولار، ومع ذلك، فإن ثروته (326 مليارًا) لا تزال متراجعة 107 مليارات دولار منذ بداية العام.

وقبل إعلان قراره بتعليق الرسوم الجمركية جزئيًا، كتب الرئيس الأمريكى فى منشور عبر «تروث سوشيال» تزامنًا مع افتتاح التعاملات فى وول ستريت إن الوقت أصبح ملائمًا للشراء، مطمئنًا المستثمرين بالقول «اهدءوا، كل شيء سوف يسير على ما يرام».

وبعد قراره مباشرة، استقبل «ترامب» فى المكتب البيضاوى الملياردير «تشارلز شواب» وآخرين، وظهر فى مقطع فيديو وهو يرحب بضيوفه ويتحدث عن مكاسبهم الضخمة فى سوق الأسهم مباشرة عقب إعلان قراره، وقال: «هذا ربح 2.5 مليار دولار اليوم، وهذا 900 مليون دولار، هذا ليس سيئًا».

بالتزامن مع ارتفاع الأسهم بشكل قوى، روجت حسابات محسوبة على الجمهوريين عبر منصات التواصل الاجتماعى، لمنشور «ترامب» الذى قال فيه قبل القرار إن «الوقت مناسب للشراء الآن»، حيث اعتبر معلقون هذا المنشور رسالة تمهد لارتفاع الأسهم بقوة.

هل تلاعب الرئيس بالسوق؟

السيناتورة الديمقراطية «إليزابيث وارن» علقت على فيديو استقبال «ترامب» لرجال الأعمال، بالقول إن الرئيس الأمريكى يبذل قصارى جهده «لزيادة ثروات فاحشى الثراء»، داعية للنظر فيما إذا كانت تقلبات السوق الأخيرة الناجمة عن سياسات التعريفات الجمركية كانت «غطاءً للتداول بناءً على معلومات سرية».

وخلال جلسة استماع بالكونجرس، سأل النائب الديمقراطى «ستيفن هورسفورد»، ممثل التجارة «جيمسون جرير»، عما إذا كان ما حدث يعد «تلاعبًا بالبورصة» خاصة أنه ألحق ضررًا جسيمًا بالشعب الأمريكى، ليرد الأخير بأنه ليس كذلك بل كانت محاولة لإعادة ضبط نظام التجارة العالمي.

من بين الأمور التى أثارت اللغط أيضًا، تعليق «ترامب» عندما سئل عن موعد اتخاذه للقرار، حيث رد: «أقول هذا الصباح، وكنت أفكر فى الأمر خلال الأيام القليلة الماضية»، مع ذلك، قال البيت الأبيض إن القرار «كان جزءًا من استراتيجية الرئيس من البداية».

الصين.. التنين الذى لا يحترق

أما على الجانب الآخر من الحرب التجارية الباردة بين ترامب والتنين الصينى، فربما ظن ترامب أن الصين ستنهار أمام إعصار العقوبات والقيود التجارية، لكن بكين أثبتت أنها لا تحنى رأسها للعواصف. فبدلًا من أن تنهار، وسعت الصين تجارتها مع دول الجنوب العالمى، وفتحت أسواقًا جديدة فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعمّقت شراكاتها مع روسيا وإيران.

بل الأكثر إثارة أن الصين استفادت من سلوك ترامب لتبدو كـ«زعيمة اقتصادية عاقلة» فى مواجهة زعيم غربى متقلب. ومع كل تعريفة أمريكية، كانت بكين ترد بخطوات محسوبة تُربك المستثمرين الأمريكيين وتفتح لها نوافذ نفوذ جديدة.

الداخل الأمريكى... بين الوهم والحقيقة

على الورق، تبدو أرقام النمو الأمريكى فى الربع الأول من 2025 مشجعة: ارتفاع فى الإنتاج المحلى، وانخفاض فى البطالة. لكن الخبراء يحذرون من أن هذا الانتعاش مصطنع، قائم على إنفاق ضخم للدولة، وتضخم متسارع فى الأسعار، وتحفيز اقتصادى موجه للمؤيدين السياسيين أكثر من كونه خطة اقتصادية مدروسة.

حتى داخل الحزب الجمهورى، بدأت أصوات خافتة تظهر، تتساءل: هل هذه سياسات دولة أم مشروعات رجل أعمال؟

وفى النهاية، ترامب لا يزال يُتقن فن الإثارة السياسية والاقتصادية. يتحدث عن «استعادة عظمة أمريكا»، بينما العالم يتحدث عن اضطراب الأسواق، وتراجع التحالفات، وتصاعد اللا موثوقية. قد يربح جولة أو اثنتين فى معارك التعريفات والرسوم، لكنه يُخاطر بخسارة الحرب الأهم: موقع أمريكا كقائدة اقتصادية موثوقة فى نظام عالمى مضطرب.

وفى النهاية، قد يحق لنا أن نسأل: هل أمريكا أولاً؟ أم ترامب أولاً؟

والجواب.. فى سعر السهم.