الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سياسة سيد البيت الأبيض فى الشرق الأوسط دبلوماسية الصفقات والنيران

منذ عودته إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، أعاد دونالد ترامب رسم ملامح السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بأسلوبه المعهود: تغريدات صاخبة، تحالفات غير متوقعة، وصفقات كبرى تُدار كما لو كانت مشاريع عقارية.



وعاد الشرق الأوسط إلى تقاطع نار السياسة الأمريكية الترامبية مرة أخرى، حيث لا مكان للثوابت ولا اعتبار للتحالفات التقليدية. بمنطق رجل الأعمال لا رجل الدولة، تعامل ترامب مع قضايا المنطقة كفرص استثمارية لا كملفات أمنية، فاختزل الصراعات فى أرقام الصفقات، وقلّص الحلفاء إلى أدوار ثانوية أمام الأولوية المطلقة: إسرائيل أولًا.

 

من غزة إلى الخليج، ومن طهران إلى قناة السويس، أعاد ترامب تشكيل السياسة الخارجية بمنطق «افعل واعتذر لاحقًا»، تاركًا وراءه توازنًا هشًّا، ومشهدًا إقليميًا يزداد اشتعالًا مع كل تغريدة أو صفقة. وهنا نستعرض خريطة سياسات ترامب المتشابكة، ونحلل تداعياتها السياسية والاقتصادية فى منطقة لا تحتمل المزيد من المغامرات.

حرب غزة: دعم بلا حدود لإسرائيل

مع اندلاع الجولة الجديدة من الحرب بين إسرائيل وحماس فى مارس 2025، كانت مواقف ترامب صريحة وحاسمة. فى أول تصريح له بعد القصف الإسرائيلى المكثف على غزة، قال: «إسرائيل تدافع عن نفسها، ولها الحق الكامل فى القضاء على الإرهاب مهما كلف الثمن».

أعادت إدارته تسليح الجيش الإسرائيلى عبر شحنات عاجلة من الذخيرة والصواريخ، ومررت صفقة أسلحة بقيمة 18 مليار دولار شملت أنظمة دفاعية متطورة وقنابل موجهة، فى خطوة أثارت انتقادات داخل الكونغرس والأمم المتحدة.

وفقًا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، أدت الهجمات إلى مقتل أكثر من 8000 فلسطينى خلال أول شهر من الحرب، من بينهم 3200 طفل، وهو ما قوبل بصمت أمريكى شبه كامل.

الضفة الغربية: ضوء أخضر للاستيطان

فى موقف يعاكس جهود الإدارات السابقة، شجعت إدارة ترامب التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية.

فى خطاب ألقاه مبعوثه للشرق الأوسط فى مؤتمر بالقدس المحتلة، قال: «الاستيطان ليس عائقًا للسلام، بل ضمانة لأمن إسرائيل».

وبالفعل، تم الإعلان عن بناء 12000 وحدة استيطانية جديدة منذ فبراير 2025، بزيادة 40% عن العام السابق، وهو ما فجّر موجات احتجاج فى رام الله ونابلس، وأعاد توتر العلاقات مع الأردن.

العلاقات مع السعودية: نفط واستثمارات

ترامب استأنف تحالفه الوثيق مع السعودية من جديد، وخلافًا لإدارة بايدن، رفع القيود عن صفقات الأسلحة، ووقّع اتفاقية بقيمة 22 مليار دولار تشمل مقاتلات F-15 مطورة وأنظمة دفاع جوى.

من الناحية الاقتصادية، أعلن ترامب عن مشروع «رؤية أمريكا الخليجية»، وهو إطار استثمارى جديد يهدف لجذب 100 مليار دولار من رؤوس الأموال الخليجية إلى قطاعات الطاقة والبنية التحتية فى ولايات أمريكية متأرجحة سياسيًا.

مصر.. علاقات وثيقة رغم الأزمات

العلاقات الأمريكية المصرية دائمًا قوية وثقة متبادلة مع اختلاف الإدارات الأمريكية، ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض ورغم بعض الأزمات التى ظهرت مؤخرًا، مثل رفض مصر والأردن لفكرة «التهجير» التى أثارها الرئيس الأمريكي، إلا أن سياسيًا واقتصاديًا ما زالت العلاقات الأمريكية المصرية قوية، وقد أشاد ترامب بالرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، واصفًا إياه بأنه «رجل قوى وصديق حقيقى لأمريكا».

كما عُقدت عدة اتفاقيات اقتصادية مع مصر، شملت تسهيلات لشركات الطاقة الأمريكية فى البحر المتوسط، واستثمارات مشتركة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

لكن تصريحات ترامب الأخيرة حول ضرورة عبور السفن الأمريكية من قناة السويس بدون رسوم أثارت غضبًا رسميًا وشعبيًا واسعًا، رغم محاولات واشنطن التهدئة بالإشارة إلى أن التصريحات «فُهمت خارج سياقها».

الخليج العربي: إيران فى المرصاد

أعاد ترامب تفعيل حملة «الضغط الأقصى» على إيران، وانسحب مجددًا من الاتفاق النووى المؤقت الذى وقعته إدارة بايدن. كما فرض عقوبات جديدة على القطاع النفطى والبنكى الإيراني، مما أدى لانخفاض صادرات النفط الإيرانى بنسبة 25% خلال النصف الأول من 2025.

لكن اللافت فى سياسة ترامب الجديدة تجاه إيران هو سعيه لعقد اتفاق نووى بديل، خارج الإطار الأوروبى التقليدى. ففى أبريل ومايو 2025، عُقدت قمتان أمريكيتان إيرانيتان فى سلطنة عمان، حضرها مسئولون رفيعو المستوى من الطرفين.، هذا بالإضافة إلى قمة أخرى عقدت فى روما.

وبحسب تسريبات صحفية، تركزت المحادثات حول صفقة «خفض مقابل نفوذ»: تلتزم إيران بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى أقل من 5% مقابل رفع تدريجى للعقوبات وتوسيع التبادل التجارى الثنائي، خصوصًا فى قطاعى الأغذية والأدوية.

الصفقة المقترحة لا تتضمن أى دور أوروبي، وهو ما أثار امتعاض العواصم الأوروبية، التى اعتبرت أن واشنطن تسعى لتهميشها فى ملفات أمنية أساسية. ورغم نفى المتحدث باسم البيت الأبيض وجود «اتفاق وشيك»، فإن مصادر دبلوماسية ألمحت إلى أن الإطار الجديد أقرب إلى تفاهم سياسى طويل الأمد منه إلى اتفاق تقنى ملزم.

الانعكاسات الاقتصادية للاتفاق الإيراني

إذا تم الاتفاق، فمن المتوقع أن تستفيد إيران اقتصاديًا عبر زيادة صادراتها النفطية إلى الصين والهند، وكذلك من خلال استثمارات محدودة أمريكية فى قطاعات الصحة والزراعة. وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلى الإيرانى قد ينمو بنسبة 2.5% إضافية خلال عام 2026 حال رفع العقوبات تدريجيًا. أما أمريكا، فترى فى الاتفاق فرصة لخفض أسعار الطاقة عالميًا، ما ينعكس على خفض التضخم الداخلى الذى ارتفع بنسبة 5.2% منذ بداية عام 2025 بسبب سياسات ترامب الحمائية وفرضه تعريفات جمركية جديدة.

العراق وسوريا: انسحاب بالقطعة

فى العراق، قرر ترامب تقليص عدد القوات الأمريكية بنسبة 50%، معلنًا أن «مهمة أمريكا انتهت وعلى العراقيين أن يدافعوا عن أنفسهم». هذا القرار قوبل بترحيب شعبى فى بغداد، لكنه أقلق المؤسسة العسكرية العراقية التى تخشى فراغًا أمنيًا.

أما فى سوريا، فقد احتفظ بعدد محدود من القوات فى الشرق السورى لحماية حقول النفط، مع تعزيز التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية. لكن فى الوقت نفسه، تجاهل بشكل واضح التصعيد التركى ضد الأكراد، مبررًا ذلك بأنه «خلاف محلى لا يعنينا».

الأردن ولبنان: دعم محدود بشروط قاسية

قلّصت إدارة ترامب المساعدات الاقتصادية للأردن بنسبة 30%، وذلك بعد إعلان الإدارة الأمريكية إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مما أثار كثيرًا من الأزمات والتأثيرات الاقتصادية على الأردن، الذى يعد واحدًا من أكثر الدول تلقيًا للمساعدات الأمريكية خلال العقود الماضية، كما أن الوكالة الأمريكية تمول عديدًا من المشاريع الضخمة والحيوية والتنموية فى المملكة.

ورغم العلاقات الأمنية القوية، فإن عمّان عبّرت عن استيائها من تهميشها فى أى خطة مستقبلية لتسوية النزاع الفلسطينى الإسرائيلي، كما وقفت الأردن ضد مخطط ترامب الداعم لإفراغ القضية الفلسطينية ومحاولات تهجير أهالى غزة، مؤكدة على دعمها للمشروع المصرى العربى الداعى لإعمار غزة ووقف الحرب من قبل قوات الاحتلال بصورة نهائية.

أما لبنان، فتعامل معه ترامب باعتباره «رهينة لحزب الله»، وفرضت واشنطن حزمة عقوبات جديدة على مصارف ورجال أعمال، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد اللبنانى المأزوم.

تركيا: بين التحالف والنزاع

العلاقة مع تركيا بقيت متذبذبة. من جهة، أشاد ترامب بالرئيس أردوغان واصفًا إياه بـ«الرئيس القوي»، ومن جهة أخرى، هدد بعقوبات بسبب توسيع التعاون العسكرى بين أنقرة وموسكو.

فى المقابل، توصل الطرفان إلى صفقة تجارية بقيمة 15 مليار دولار شملت صناعات دفاعية وزراعية، مع اتفاق ضمنى على تجاهل التوترات فى الشمال السورى.

فوضى مُدارة أم انفجار قادم؟

ربما يرى البعض أن سياسة ترامب تنجح فى إبقاء أمريكا فى موقع القيادة دون الانخراط فى حروب كبرى، لكنها فى المقابل تخلق واقعًا هشًا ومشحونًا بالتوترات.

الشرق الأوسط تحت إدارة ترامب يبدو كلوحة مليئة بالخطوط الحمراء: دعم غير مشروط لإسرائيل، خصومة حادة مع إيران أو صفقة تصب فى المصلحة الأمريكية أولًا، وتجاهل ممنهج لقضايا الإنسانية أو إنهاء نزيف الدعم بالحروب الممنهجة من قبل الابن البار لواشنطن، تل أبيب.

فهل يستطيع ترامب الحفاظ على هذا التوازن الخطير، أم أن أحد هذه الخطوط سيتحول يومًا ما إلى شرارة لانفجار كبير؟.