الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لماذا يسيطر عصام صاصا على التريند دائمـًا؟

حين نتأمل مشهد الأغنية الشعبية فى مصر الآن، نجد أن المعادلة تغيرت تمامًا. لم يعد النجاح مرتبطًا بوسامة الفنان أو صوته العذب أو حتى دعمه المؤسسى. بل بات مرهونًا بالقدرة على التعبير الحقيقى عن الواقع، عن الطبقات التى طالما وُضعت فى الهامش، ثم وجدت لنفسها صوتًا حقيقيا، متمثلا فى وسائط التواصل الحديث.



ومن وسط هذا الهامش، خرج «عصام صاصا»، شاب من «عزبة جبريل» بحى فيصل، تحوّل إلى ظاهرة فنية حقيقية. لا لأنه يغنى جيدًا فحسب، بل لأنه – ببساطة – يشبه الجمهور الذى يغنى له.

كأن «صاصا» يُعيد كتابة معادلة «الصعاليك يحكمون المدينة» التى كتب عنها الراحل «عبدالله كمال»، ورفيقه أستاذى «إبراهيم عيسى» فى كتاب (الأغنية البديلة) سنة 1988. كان الحديث وقتها عن جيل من الفنانين المتمردين، مثل «محمد منير وعلى الحجار»، واليوم يأتى «صاصا» كامتداد طبيعى لذلك التمرد، ولكن من منطقة أشد قسوة، ومن واقع أكثر خشونة.

ولد «صاصا» يتيمًا، ربّته أم مكافحة، وبدأ حياته سائق توك توك. مشهد يعرفه جيدًا من عاش فى العشوائيات، كما أعرفه أنا شخصيًا من نشأتى فى المنيرة العشوائية بإمبابة. وحين دخل عالم الغناء، لم يطرق أبواب القنوات أو شركات الإنتاج، بل صنع قناته على يوتيوب فى 2019، واليوم قاربت أغانيه الوصول إلى حاجز المليارى مشاهدة.

تفوق «صاصا» رقميًا على «تامر حسني، محمد حماقي، ورامى صبرى» فى آخر سنة على موقع يوتيوب، حيث وصل إلى 571 مليون مشاهدة. لكن الأهم من التفوق، هو «لماذا؟». 

ربما لأن «صاصا» يُغنى لمَن يعيشون على الحافة، لمن لا يملكون رفاهية أن «يسهروا تحت القمر» كما يغنى نجوم الـ«بوب»، بل يناضلون من أجل وجبة عشاء.

هو لا يشبه نجوم «البوب»، لا فى الشكل ولا فى الأداء. لا يملك جسدًا منحوتًا ولا لحية مرسومة بالليزر. لم يتربّ فى استوديوهات فخمة، بل فى شوارع مزدحمة بالحياة والضغوط، فى توك توك يسابق الوقت والزحمة والهمّ.

أما على المستوى الفني، فالرجل يملك هوية واضحة. عندما درست ثلاثة من أغانيه الصادرة حديثا (فى زنزانتي، الضرب على العيون، غيبنا)، وجدت أنها من صناعة موزع واحد، بإيقاعات ثابتة. البعض يراها تكرارًا، لكنها فى رأيى دليل على فهم واعٍ لقدراته الفنية ولذوق جمهوره. من يفتح أغانيه بـ«الميترونوم» سيكتشف أن ما يفعله ليس عبثًا، بل بناء موسيقي متماسك فالسراعات متطابقة «110» فى الثلاثة أغانى.

ولا يمكن أن نغفل عن الغزارة الإنتاجية التى يتمتع بها «صاصا». أكثر من 250 أغنية فى أقل من ست سنوات، بمعدل أغنية كل عشرة أيام تقريبًا. هذه وتيرة لا يجرؤ عليها حتى كبار نجوم العالم العربي. ومع كل أغنية، يحافظ على جمهوره ويجذب جمهورًا جديدًا.

«صاصا» ليس مجرد مغنٍ، بل هو ظاهرة اجتماعية، تعبير حيّ عن شريحة واسعة لا تجد من يمثلها فى الإعلام الرسمي، فتلجأ إلى من يشبهها. هو ليس مجرد صوت.. بل صرخة. صرخة من الهامش تقول: «نحن هنا».