الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى نسخته الـ 39 شبح الفشل يطارد المؤتمر الصهيونى العالمى

خمسة مليارات دولار لدعم مستقبل إسرائيل والقضايا اليهودية باتت على المحك بعد اتهامات بالتزوير وشراء الأصوات والانقسامات الداخلية وتقلب الهوية الدينية التى لطخت الانتخابات الأمريكية لمقاعد المؤتمر الصهيونى العالمى فى نسخته التاسعة والثلاثين، الذى يعتبر البرلمان الحقيقى للشعب اليهودى والهيئة التشريعية للمنظمة الصهيونية العالمية التى أسسها ثيودور هرتزل فى عام 1897، وأعطى الحق لليهود حول العالم فى التصويت فى انتخاباته التى تجرى كل خمس سنوات لتحديد قيادات وميزانيات وسياسات المنظمة الصهيونية العالمية والصندوق القومى اليهودى الإسرائيلى (KKL-JNF)، الذى يملك 13 % من الأراضى الإسرائيلية والوكالة اليهودية التى تلعب دورًا مركزيًا فى الهجرة إلى إسرائيل والاستيعاب، وتبلغ ميزانيتها بالإضافة إلى التعليم الصهيونى 475 مليون دولار سنويًا ومنظمات أخرى تتدخل بشكل مباشر فى مستقبل إسرائيل.



تعتبر هذه النسخة من المؤتمر الصهيونى العالمى نسخة مهمة بشكل خاص، والتى من المفترض أن تقام فى أكتوبر المقبل فى القدس، فى وضع تخوض فيه إسرائيل تهديدات وجودية من خلال حرب متعددة الجبهات فى أعقاب هجمات حماس فى 7 أكتوبر 2023، إلى جانب وضع الرهائن المفرج عنهم والذين لا يزالون قيد الأسر، وأولويات إعادة بناء المستوطنات التى دمرتها المقاومة الفلسطينية فى غلاف غزة وفى الشمال من قبل حزب الله، وتعد هذه الانتخابات هى الأولى للمؤتمر منذ نهاية جائحة كوفيد والصراع السياسى الإسرائيلى الداخلى، ويرى الكثيرون أنها بمثابة استفتاء على الحكومة الإسرائيلية والقيادة التنظيمية اليهودية.

 تزوير الانتخابات

هزت العملية الانتخابية للمؤتمر الصهيونى العالمى فى الولايات المتحدة الأمريكية اتهامات بتزوير التصويت بعد اكتشاف عدد كبير من الأصوات المرتبطة برسائل إلكترونية مشبوهة وبطاقات ائتمان مدفوعة مسبقًا وفقًا لاتصالات داخلية حصلت عليها منظمة eJewish Philanthropy، وفى رسالة إلى القوائم الانتخابية الـ21 المشاركة فى الانتخابات كتب رؤساء لجنة الانتخابات المحلية التى تشرف على الانتخابات أنهم تمكنوا عبر مراقبتهم المستمرة لنشاط التصويت فى المنظمة الصهيونية العالمية من اكتشاف نمط مقلق ومخالفات تصويتية منظمة بأعداد كبيرة، وأن معظم الأصوات المدلى بها كانت مخصصة لقائمتين محددتين، وأن كل الاتهامات تندرج تحت التصويت الوهمى بأشكال مختلفة، إذ يجب على الناخبين تقديم أسمائهم وعناوينهم وبريدهم الإلكترونى ودفع رسوم قدرها 5 دولارات وتقديم رقم هاتف، ويمنع منعًا باتًا على القوائم دفع رسوم التصويت أو تعويض الناخبين عنها بأى شكل من الأشكال، وقد تم الإدلاء بجميع الأصوات المشبوهة بأعداد كبيرة فى غضون دقائق من بعضها البعض، وشملت مزيجًا من نفس المخالفات الأربع: «عنوان بريد إلكترونى مشبوه، بطاقة ائتمان مدفوعة مسبقًا، أو مرفق ائتمانى غير شخصى لدفع الرسوم، ونفس العنوان المنزلى، وعدم وجود رقم هاتف مدرج» وكان أكثر من نصف التسجيلات التى رصدتها لجنة الانتخابات الأمريكية مرتبطة بعدد من عناوين البريد الإلكترونى المتشابهة، وفى كثير من الحالات كان عنوان البريد الإلكترونى الأساسى هو نفسه مع رقم مختلف فى نهايته.

 كما تشاركت العديد من المواقع التى تتطابق عناوينها مع عناوين مدارس دينية فى نيويورك وبنسلفانيا وميريلاند بما فى ذلك 430 صوتًا منهم مرتبطة بمدرسة دينية فى بروكلين، وقد صدرت جميع بطاقات الائتمان مسبقة الدفع من قبل نفس مقدمى الخدمة بنك ترانسبيكوس وباثوارد، وأكد رؤساء لجنة الانتخابات أن هذا النوع من النشاط يهدد نزاهة العملية الانتخابية برمتها، كما يثير تساؤلات جدية حول معرفة القوائم المعنية أو تشجيعها أو غض الطرف عنها بأنماط متكررة من أنشطة الاحتيال المتعمد لزيادة أعداد الأصوات فى الانتخابات، ورغم المخالفات الجسيمة والتزوير لم تحدد لجنة الانتخابات القائمتين، واكتفت بالإشارة إليهما بـالقائمتين المستهدفتين.

 وقد أمهلت اللجنة القائمتين وقتًا محددًا لتفسير الوضع، والجدير بالذكر أن الوفد الأمريكى فى المؤتمر الصهيونى العالمى هو الأهم والأكثر فاعلية وسيحصل على 152 مقعدًا أى ما يقرب من ثلث أعضاء المؤتمر، لذلك تهدد عدم نزاهة الانتخابات الأمريكية المؤتمر الصهيونى والتى تقام فى لحظات محورية فى تاريخ إسرائيل، ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها مسابقة مهمة فى المعركة من أجل مستقبل البلاد غير المؤكد.

يرى المحللون أن الأسباب الرئيسية لتزوير انتخابات المؤتمر الصهيونى العالمى خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية تعود إلى تراجع الناخبين الحقيقيين فى دعم إسرائيل والمنظمات الصهيونية، حيث أصبحت المواقف العامة فى الولايات المتحدة تجاه إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو سلبية بشكل متزايد على مدى السنوات الثلاث الماضية، ووفقًا لاستطلاع رأى جديد أجراه مركز بيو للأبحاث فى الولايات المتحدة كرر فيه أسئلة طرحت فى استطلاعات سابقة بين مارس 2022 و2024، أكدت النتائج أن %53 من المشاركين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه إسرائيل مقارنة بـ43 % فى عام 2022، وتوافقت النتائج مع استطلاع للرأى آخر أجرته مؤسسة جالوب ونشر فى فبراير الماضى، والذى وجد أيضًا انخفاضًا فى التأييد لإسرائيل بين الأمريكيين، وعند سؤالهم عن رأيهم بنتنياهو أعرب %52 من المشاركين عن ثقتهم الضئيلة أو المعدومة بقدرته على القيام بخطوات صحيحة فيما يتعلق بالشئون العالمية، مقارنة بـ %32 ممن يثقون به، وأشار مركز بيو إلى أن هذا الرقم مماثل للعام الماضى، ولكنه أفاد بأن نسبة الأمريكيين الذين لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة بنتنياهو ارتفعت بشكل ملحوظ بين عامى 2023 و2024، وأن %53 من اليهود الأمريكيين لا يثقون بنتنياهو، بينما يثق ٪45 منهم به، وأن المجموعة الدينية الأمريكية الوحيدة التى تبدى ثقتها به هى البروتستانت الإنجيليين البيض.

 المعارك والانقسامات 

تدور معارك أيديولوجية شرسة بين الفصائل الليبرالية واليمينية الأرثوذكسية داخل انتخابات المؤتمر الصهيونى، حيث يسعى كل منهما إلى تشكيل مستقبل المؤسسات الصهيونية وأولوياتها المالية فى مرحلة مفصلية من تاريخ إسرائيل مما سيؤثر على قضايا رئيسية مثل التعددية الدينية وتمويل التعليم اليهودى وتوسيع المستوطنات اليهودية والعلاقات بين إسرائيل والشتات التى توترت بشكل كبير فى الفترات الأخيرة إذ أعربت فئات من يهود الشتات عن قلقها إزاء تحالف نتنياهو مع الأحزاب اليمينية التى يرى منتقدوها أنها تسعى إلى تقييد الحقوق وخاصة مع اليهود غير الأرثوذكس، كما أثارت جهود الحكومة لنقل بعض الصلاحيات من القضاء إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية حفيظة عدد كبير من اليهود خارج إسرائيل مما أدى إلى تحريض عدد كبير من اليهود الليبراليين الآخرين على الامتناع عن المشاركة فى منظمة تجاوزت غرضها وتديم نفس المشاكل التى يدعى اليهود الليبراليون معارضتها مؤيدين أنه لا معنى لاستمرار هيئة سياسية تؤثر على حياة الملايين من الفلسطينيين دون أى تمثيل لهم، ورغم أن هذه الوكالات الصهيونية لها إرث عريق فى سجلات التاريخ الصهيونى فإنها تعمل أيضًا على إدامة الاحتلال الإسرائيلى غير الشرعى للضفة الغربية وسياساتها الرامية إلى فرض التفوق اليهودى فى جميع المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل وتسعى لتقويض الديمقراطية.

لاشك أن الأحداث فى غزة أثرت تأثيرًا بالغًا على كل فرد من أفراد المجتمع الإسرائيلى سواء كانوا يهودًا أو غير يهود، وعلى اليهود فى العالم أيضًا، وخلقت أنواعًا مختلفة من الكراهية وغيرت أيضًا تركيز المنظمات الصهيونية ووجهت جهودها إلى أهداف ليست أساسية مثل إعادة جميع الرهائن من غزة فى أقرب وقت ممكن، ولا يقتصر الأمر على المواطنين الإسرائيليين فحسب، بل يشمل أيضًا سلامة الجاليات اليهودية فى العالم التى تضررت بشدة جراء التزايد الحاد فى كراهية الصهاينة وإعادة بناء المستوطنات التى تضررت بشكل كبير، وأيضًا محاولة استعادة العقول التى فرت من إسرائيل وكفرت بالمبادئ الصهيونية فى أعقاب الحرب وبذل المزيد والمزيد من الجهد لإعادة ترتيب أولويات وأفكار الصهيونية العالمية.