السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حرب ناعمة بأسلحة جديدة.. «تيك توك» يتحول إلى سلاح إعلامى الصين تفضح أكذوبة الماركات الشهيرة فى خضم اشتعال الحرب التجارية مع واشنطن

فى خطوة غير تقليدية ضمن فصول الحرب التجارية المشتعلة، أطلقت الصين جولة «ناعمة لكن مؤلمة» ضد الولايات المتحدة وأوروبا، ليس عبر الجمارك أو التعريفات، بل من داخل قلب المجتمع الاستهلاكى الغربى، وبسلاح غير متوقع: تيك توك.



منصة الفيديوهات الصينية الشهيرة تحولت إلى مدفع إعلامى يضرب فى عمق صناعة البراندات الفاخرة، كاشفًا زيف الأسعار، وأكذوبة «صنع فى فرنسا» و«مصمم فى إيطاليا»، ومعلنا للعالم: الجودة الحقيقية تُصنع فى الصين.. لكن تُباع بألف ضعف فى أوروبا وأمريكا!

 

حرب ترندات لا ترحم.. والضحية: فخامة مزيفة

على مدى الأيام القليلة الماضية، اجتاحت تيك توك مئات المقاطع الصينية التى تفضح حقائق كانت مدفونة لسنوات. تُظهر المقاطع موظفين ومصممين صينيين من داخل مصانع حقيقية يعملون لصالح كبرى العلامات التجارية الفاخرة، مثل لويس فويتون، غوتشى، ولولوليمون، مؤكدين أن تكلفة تصنيع حقيبة تُباع بـ5000 دولار لا تتجاوز الـ50 دولارًا، بل أحيانًا أقل من ذلك.

الفيديوهات لم تكتفِ بالفضح، بل كشفت أسماء مدينتين صينيتين أصبحتا نجمتين عالميتين فجأة، هما مدينتا غوانجو وفوشان، حيث تتم صناعة الجزء الأكبر من تلك المنتجات، ثم تُرسل بلا علامات إلى أوروبا، حيث توضع «الملصقات الفاخرة» ويُعاد تغليفها لتباع بأسعار فلكية.

تيك توك.. من منصة ترفيه إلى منصة تحرير المستهلك

ما يحدث ليس مجرد حملة عفوية. تيك توك، الذى تعتبره واشنطن تهديدًا للأمن القومى وتسعى للسيطرة عليه أو حظره، بات سلاحًا استراتيجيًا تستخدمه بكين داخل قلب المجتمعات الغربية، ليس فقط لتغيير المفاهيم بل لإعادة تشكيل علاقة المستهلك الغربى مع «العلامة التجارية».

المقاطع المتداولة لم تفضح فحسب، بل بدأت تقود موجة بيع مباشر من الصين إلى المستهلكين فى أمريكا وأوروبا، بأسعار أُطلق عليها اسم «تراب الأسعار». بل إن بعض التجار الصينيين يقدمون عروضًا على تيك توك لشراء نفس المنتجات مباشرة من المصانع، وتوصيلها خلال أيام، مع «خصم الحرب».

إعادة التسمية.. وقلب الطاولة

الصين بدأت ما يشبه حركة عالمية (إعادة تسمية العلامة التجارية) لصالح نفسها. فقد عدلت قوانين السرية الخاصة بالمصانع، بحيث يمكن لأى مصنع أن يعلن أنه هو من يصنع لصالح العلامات الفاخرة. هذا التعديل أشعل الإنترنت الصينى والعالمى، وأتاح لمئات المصانع أن تعلن بفخر أنها المصدر الأصلى لحقيبة تباع بـ300 ألف دولار.

وفجأة، تحول شعار «صنع فى الصين» من دلالة على الرخص ورداءة الجودة، إلى ختم جديد لـ«الجودة الحقيقية، والفخامة المتاحة»، فى مواجهة «الاحتكار الفارغ» الذى تمارسه شركات الغرب.

سياحة تسوق مدعومة من الدولة

ولأن الحرب تُدار بخطط متكاملة، لم تكتفِ الصين بكشف المستور. بل أعلنت عن برنامج فيزا سياحى جديد للأمريكيين لمدة 10 أيام، بدون رسوم، مع 13 % كاش باك فى المطار، لكل من يشترى من الصين مباشرة. وأصبح بإمكان الزائر الأمريكى أن يعود بمنتجاته الفاخرة، دون أن يدفع جمارك فى بلده، لأنها «للاستخدام الشخصي».

واشنطن تتراجع.. والصين تنتصر دعائيًا واقتصاديًا

النتائج لم تتأخر. بعد أسبوع فقط من التصعيد الأمريكى برفع الجمارك إلى 145 %، تراجعت واشنطن عن فرض الرسوم الباهظة على واردات التكنولوجيا الصينية، وبدأت مؤشرات مرونة فى لهجتها تجاه بكين، رغم التهديدات النارية التى صدرت فى البداية.

تفسير ذلك بسيط، وهو أن الصين قلبت الطاولة، وأعادت تعريف اللعبة، وتحولت من سوق استهلاك رخيص إلى مركز عالمى للموضة الفاخرة.

 حرب ثقافية أيضًا.. لا اقتصادية فقط

الصين، بهذا التكتيك العبقرى، لا تضرب فقط اقتصاد أمريكا، بل تضرب نمطها الثقافى نفسه. نمطًا استهلاكيًّا عالميًّا زرعته هوليوود، ورسخته شركات الإعلان الغربية، ليقود المستهلك العالمى إلى ربط الجودة والهيبة بالغرب.. لكن اليوم، تطعن الصين فى قلب هذا السرد، وتقول: «الفخامة نصنعها نحن، وأنتم تدفعون ثمن وهم اخترعتموه».

نهاية البراندات أم بداية الوعي؟

ربما لن تنهار الماركات الغربية فورا، لكن شيئًا جوهريًا قد تغير.. بدأت موجة من الوعى الاستهلاكى تضرب جدران الأسواق الغربية، وتعيد تعريف القيمة الحقيقية للمنتج. وبات المستهلك العادى أمام سؤال وجودي: هل أدفع 3000 دولار مقابل حقيبة «ختمها» فرنسى لكنها صُنعت فى الصين بـ30 دولارًا؟

حرب بلا دخان.. لكنها تحرق

بكين أثبتت مرة أخرى أنها تفهم اللعبة، وتعرف كيف تناور، وتحدث اختراقات ناعمة لا تقل فتكا عن أى سلاح اقتصادى تقليدى. ومن تيك توك، إلى مصانع غوانجو، إلى لوائح الجمارك، إلى عقل المستهلك العالمى.. يبدو أن الصين لا تحارب فقط أمريكا، بل تحرر العالم من وهم امتد لعقود.

إنها ليست مجرد حرب تجارية، بل معركة على وعى الإنسان، والصين بدأت تكسب.

فى هذا السياق، أشارت صحيفة «تايمز أوف إنديا» إلى أن ما حدث يعد تحولا غير مسبوق فى موازين الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين، فقد أطلقت الأخيرة حملة إعلامية ذكية وشرسة، عبر منصتها الأشهر عالميًا «تيك توك»، استهدفت أبرز الماركات الأمريكية والأوروبية الفاخرة، وفضحت أسرار صناعة حقائبها ومنتجاتها الفخمة فى عمق الأراضى الصينية.

وبحسب تقرير صحيفة تايمز إنديا، فإن هذه الحملة المفاجئة جاءت كردّ صريح وفعال على القرار الأمريكى الأخير الذى رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى ما يقارب 145 %. وردَّت الصين، لا عبر بيانات دبلوماسية تقليدية، بل بمنهج هجومى مغاير: الإعلام الشعبى والتأثير الثقافى المباشر.

فخلال أيام قليلة، انتشرت على تيك توك مئات المقاطع المصورة التى تُظهر بوضوح أن علامات مثل Louis Vuitton، وBirkin، وLululemon، وغيرها من رموز الموضة العالمية، تصنع جزءًا كبيرًا من منتجاتها داخل مدن صينية مثل «غوانجو» و«فوشان»، حيث تُنتج الحقائب التى تُباع بآلاف الدولارات بتكلفة لا تتجاوز 50 دولارًا.

صناعة «الفخامة» فى الصين:

الفيديوهات التى نشرها صناع محتوى صينيون- بعضهم موظفون سابقون فى مصانع تورِّد لهذه البراندات- كشفت المستور، وادعت أن هذه الماركات الشهيرة تخفى هوية الإنتاج الصينى عمدًا، من خلال توقيع عقود سرية تلزم المصانع بعدم التصريح بمكان التصنيع.

لكن الطامة الكبرى جاءت عندما بدأت بعض الصفحات الصينية ببيع نفس المنتجات (أو ما يشبهها حد التطابق) بأسعار منخفضة للغاية، وصلت إلى ما وصفه المعلقون بـ«رُخص التراب»، فى ظاهرة وصفتها الصحيفة بـ«حرق البراندات».

سلاح تيك توك: الدعاية العكسية

تيك توك، التطبيق الصينى الأصل، الذى طالما كان محل شك فى الدوائر الأمريكية، أثبت أنه أداة دعاية صينية فعالة داخل المجتمع الأمريكى نفسه. فمنصة التواصل التى يشاهدها ملايين الأمريكيين يوميًا، أصبحت ساحة للرسائل المضادة، ومسرحًا لحرب باردة من نوع جديد. وبحسب التقرير، فإن كثيرًا من المستخدمين على تيك توك بدأوا يدركون «الخديعة» التى طالما ارتبطت بالعلامات التجارية الفاخرة، حيث يُسوق للمنتجات على أنها أوروبية الصنع، بينما الواقع أنها صينية بالكامل، تُصنع بجودة عالية وتُغلف فقط فى أوروبا لتُباع بأسعار باهظة.

ردود فعل متباينة وارتباك أمريكي

هذه الموجة الإعلامية التى اجتاحت تيك توك لم تمر مرور الكرام. فبحسب صحيفة تايمز أوف  إنديا، بدأ بعض السياسيين الأمريكيين، خاصة الجمهوريين، فى التحرك مجددًا لمحاولة فرض حظر على التطبيق، واتهامه بأنه «بوابة دعائية للحزب الشيوعى الصيني».

وفى المقابل، بدا أن المستهلك الأمريكى- خاصة فئة الشباب- بدأ يتأثر بالرسائل الصينية، حيث ظهرت موجة جديدة من إعادة تقييم مفهوم «البرستيج» المرتبط بالماركات، وازدياد الاهتمام بالشراء المباشر من الصين.

مزايا صينية مغرية وجوازات سفر للتسوق

لم تكتفِ بكين بالحرب الإعلامية، بل أطلقت مؤخرًا تسهيلات سياحية خاصة تحت اسم «فيزا الشوبينغ»، تسمح للأمريكيين بالدخول إلى الصين لمدة 10 أيام من دون تأشيرة، مع استرجاع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13 % فى المطار، وشراء المنتجات مباشرة من المصانع من دون رسوم جمركية عند عودتهم.

 نهاية وهم البراندات

مع هذا التحول، تشير «تايمز أوف إنديا» إلى احتمال حدوث «نهاية عصر» فى فهم المستهلك العالمى لمعنى الجودة والفخامة، إذ بدأ يُعاد النظر فى التصنيف القديم الذى يربط الصين بالمنتجات منخفضة الجودة، مقابل أوروبا وأمريكا كمصدرين للفخامة. بل بدأت تظهر ملامح لـ«إعادة تسويق» الصين كمركز عالمى جديد للموضة الفاخرة ذات الأسعار العادلة.

فالصين لا تخوض فقط حرب رسوم جمركية، بل حربًا ثقافية وإعلامية من الطراز الرفيع. وإن كانت أمريكا تعول على سيطرتها التكنولوجية والسياسية، فإن بكين تلعب أوراقها الأذكى: السيطرة على الواقع الصناعى، وتفكيك سرديات التفوق الغربى من داخل مجتمعاته.