الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تغيير مقر الانعقاد من مسقط إلى روما دون إبداء الأسباب مع الاحتفاظ بالوساطة العمانية الجولة الثانية من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تنطلق اليوم وسط تفاؤل حذر

فى ظل حالة من السيولة والإحباط وعدم اليقين التى تسرى فى معظم دول العالم بسبب الحالة الفوضوية التى ضربت بها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب النظام العالمى الذى كان مستقرا لطيلة نصف قرن، وإن كان يمر بحالة من الوهن والعجز بسبب فشل المنظمات الأممية فى إنهاء الحروب، وحل الخلافات الدولية، والانحياز الأمريكى السافر للعدوان الإسرائيلى فى المنطقة دون رادع أخلاقى أو أممى، تواصل سلطنة عمان دور الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية فى الجولة الثانية من المحادثات النووية التى تم تغيير مقر انعقادها فجأة إلى العاصمة الإيطالية روما التى كان مقررا لها العاصمة العمانية مسقط دون إبداء الأسباب بعدما جرت الجولة الأولى يوم السبت الماضى بوساطة وزير الخارجية العمانى بدر البوسعيدى وسط أجواء إيجابية وبنَّاءة بين وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى، وستيف ويتكوف مُستشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.



يدخل كل طرف المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق ينقذ ماء وجهه، إيران التى مُنيت بخسائر كبيرة فى لبنان، بإضعاف ذراعها العسكرية القويّة، حزب الله، وفى سورية بسُقوط نظام الرئيس الأسد، وفى اليمن الذى يتعرض فيه الحوثيون للقصف الأمريكى المتواصل، وسعى الوفد الإيرانى إلى طمأنة الأمريكيين خلال اللقاء الأول، السبت الماضى، بأن بلاده يمكن أن تلزم أذرعها بوقف دائم لأنشطتها مقابل تسوية شاملة للخلاف مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووى والعقوبات والاستهداف الإسرائيلى، وفى المقابل دونالد ترامب الذى يعانى من الفشل بعدما اضطرّ مُرغمًا على وقف التعريفة الجمركية بعد أقل من ثلاثة أيّام من إعلانها تحت غطاء تجميد تطبيق الضّرائب الجُمركيّة لمُدّة ثلاثة أشهر، وفشل سياساته الداخلية التى أفضت إلى مظاهرات عارمة ضده فى عدد من الولايات الأمريكية، كما أن السياسة الأمريكية التى تعانى من متلازمة السقوط والانهيار باءت بالفشل فى أوكرانيا وأعلن ترامب استسلامه للشروط الروسية بضم خُمس الأراضى الأوكرانيّة إلى روسيا، ودُون تشاور مع حُلفائه الأوروبيين الذين ورّطتهم إدارة سلفه الديمقراطى جو بايدن فى الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وعلمت «روز اليوسف» من مصادرها أن إيران أجرت مُراجعات سريعة داخليًّا وإقليميًّا، وتخلّت عن الكثير عن سياساتها المُتّبعة فى السّنوات الأخيرة، بعد أن أدركت أن السكّين تقترب من رقبتها، وأن المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة لا تُريد تدميرها ونزع مخالبها وأنيابها العسكريّة فقط، وإنّما تغيير النظام الحاكم فيها أيضًا، وانعكست نتائج هذه المُراجعات، بالانتقال من مرحلةِ الصّبر الاستراتيجى الذى مُنيت فيه بالفشل إلى وضع نزع سلاح أذرعها الإقليمية محل تفاوض على طاولة لقاء مسقط، السبت الماضى، وأفادت التقارير بأن المرشد الأعلى على خامنئى سمح للمفاوضين الإيرانيين بإدراج الدعم العسكرى لأذرع طهران فى المحادثات مع الوفد الأمريكى، مع إمكانية اعتماد نفوذ إيران لكبح جماح الحوثيين إذا تقدمت مفاوضات البرنامج النووى بشكل إيجابى، وسعى الوفد الإيرانى إلى طمأنة الأمريكيين خلال اللقاء بأن بلاده يمكن أن تلزم أذرعها بوقف دائم لأنشطتها مقابل تسوية شاملة للخلاف مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووى والعقوبات والاستهداف الإسرائيلى مقابل تخفيف الضغوط القصوى التى يمارسها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضمن استراتيجيته للتعامل مع طهران التى تراهن على شراء الوقت اعتقادا منها أن ترامب لن يستمر أكثر من أربع سنوات قادمة، وهى فترة يمكن من خلالها مجاراة إدارته وتجنُّب الصدام معها إلى حين قدوم إدارة أمريكية جديدة لن تكون فى كل الأحوال فى مستوى تشدُّد ورعونة دونالد ترامب.

تجرى المفاوضات بين الجانبين فى ظروف تفرض على كل منهما إحراز تقدم يهبط به من فوق الشجرة كى يتم تسويقه إلى شعبه فى ظل عدم وجود ثقة بين الطرفين المتفاوضين، فالجانب الإيرانى لا يثق بالرئيس ترامب الذى مزّق الاتّفاق النووى عام 2018، ويمثله فى المُفاوضات عباس عراقجى وزير الخارجيّة الذى قاد مُفاوضات الاتّفاق النووى مع الدّول السّت الكُبرى عام 2015، ويملك خبرات فى فُنون التّفاوض واستراتيجيّاته، ولم يرضخ الإيرانيون لسياسة «التّهديد والتّرهيب» التى يتبنّاها الرئيس ترامب ضدّهم، وفرضوا شُروطهم بالكامل على خصمهم الأمريكى عندما أصرّوا على حصر المُفاوضات فى المِلف النّووى فقط، وعدم التطرّق إلى مِلفّاتٍ أُخرى مِثل منظومات الصّواريخ والمُسيّرات، كما أن الجانب الأمريكى هو من طلب العودة إلى المفاوضات بُغية الحل الدبلوماسى للأزمة الإيرانية- الأمريكيّة، وتراجع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن تهديداته بالضّربة العسكريّة التدميريّة السّاحقة لإيران ، عندما أدرك أنّ التّهديدات بالضّربات العسكريّة، وإرفاقها بإرسال حاملات الطائرات الأمريكيّة، وأسراب القاذفات العِملاقة B.52 أعطت نتائج عكسيّة، عندما لم تُرهب الإيرانيين، بل دفعت المُرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى إلى إعلان حالة الطّوارئ فى الجيش الإيرانى، ووضع منصّات الصّواريخ العِملاقة، والغوّاصات المُتطوّرة، والقوّات البريّة والبحريّة فى حالة التأهّب القُصوى، وهدّد بإغلاق مضيق هرمز، ومنع صادرات النّفط الخليجيّة إلى العالمِ بأسرِه، وتدمير جميع القواعد العسكريّة الأمريكية المُحيطة بإيران والتى يبلغ عددها 10 قواعد عسكرية ويتواجد فيها 50 ألف جندي.

وتدرك إيران أن الظروف ربما تكون مواتية لإبرام صفقة مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعجل والمتلهف الى تحقيق مكسب تفاوضى، والذى يُطالب بتوصّل مُفاوضات مسقط إلى اتّفاقٍ سريع، وفى غُضون شهرين، تعيد إليه حالة الانتشاء وهو الذى يمر حاليا بحالة من الإحباط فى ظل حالة من الكراهية لسياساته العدائية والأنانية تشمل معظم دول العالم، كما أن الموقف الصلب المتحدى الذى اتخذته الصين ضد الولايات المتحدة الأمريكية فى موضوع رفع التعريفة الجمركية ورفعها الضّرائب الجُمركيّة على البضائع الأمريكيّة بنسبةٍ تاريخيّةٍ زادت على 125 بالمئة، وإعطاء الضّوء الأخضر لحُلفائها فى منظومة البريكس بإعلان الحرب على الدولار، ونظام سويفت المالى العالمى الذى تُسيطر من خِلاله أمريكا على الاقتصاد وحركة المال العالميّة، يشجع إيران ويصب فى مصلحة موقفها التفاوضى ضد الولايات المتحدة الأمريكية التى تعانى اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا بفضل حالة الفوضى وعدم اليقين التى تشمل التوجهات الأمريكية فى كافة الملفات الراهنة حول العالم.

كل المؤشرات تفضى إلى رغبة الطرفين فى تجنُّب الانزلاق إلى هاوية الحرب التى إن وقعت فسوف تؤدى إلى حرب عالمية لن تسلم منها منطقتا الشرق الأوسط والأدنى من أقصاها إلى أقصاها، فهل يتجاهل دونالد ترامب الضغوط والنصائح والإلحاح الإسرائيلى الذى يدفعه دفعا ويسوقه إلى شن حرب أمريكية ضد إيران لا يستطيع أحد التنبؤ بمآلاتها، وعلى أى وضع ستنتهى، وفى منطقة من العالم سوف تضع أوزارها؟، أتمنى أن يتخلى ترامب عن رعونته، وأن يعود إلى حسابات المنطق وحسابات الأرباح والخسائر التى تسيطر على تصرفات وتوجهات رجل المال و الأعمال بداخله، إن كان حقا رجل أعمال!، وليس سمسارا يتكسب من وراء إشعال الفتن والحروب.