السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الشرق الأوسط على موعد مع صفقة إيرانية أمريكية جديدة: لماذا قرر ترامب الاتفاق مع إيران؟

تنفس ملالى قم وطهران الصعداء على وقع الاتفاق مع إدارة ترامب على الذهاب إلى مائدة المباحثات فى مسقط عاصمة سلطنة عمان، وهى خطوة كانت حلمًا مستحيلاً فى مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية لولا سلسلة تفاعلات سياسية وجيوسياسية جعلت إدارة ترامب تقرر الذهاب إلى المباحثات بدلاً من الحلول الأخرى.



 

وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ولايته الأولى ما بين عامى 2017 و2021، قد غير السياسة الأمريكية التى كانت تنسق مع إيران عبر قناة جنيف، كما حدث فى سنوات ريجان وبوش الأب وكلنتون وأوباما، إضافة للولاية الأولى لبوش الابن وعامى 2021 و2022 إبان ولاية بايدن، حيث قام ترامب بإلغاء سياسة الوفاق النووى مع إيران وإلغاء الاتفاق الخاص ببرنامجها النووى، كما فك الارتباط بين الأجندة الأمريكية والدور الوظيفى لحكومات وجماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها حكومة طهران.

ولكن الحسابات الإقليمية والإيرانية تغيرت على وقع حربى أوكرانيا 2022 وطوفان الأقصى 2023، إذ أخطأت إيران بالتورط فى الحرب الأوكرانية لصالح روسيا، وهكذا صدر القرار الغربى بتأديب وتهذيب النظام الإيرانى أو حتى التخلص منه لو رفض المطالب الغربية الخاصة بالتوقف عن سياسة التواصل مع المعسكر الشرقى الجديد الذى يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية، ثم أتت حرب الشرق الأوسط مع اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023 لتكتشف طهران بداية العام 2024 أن الغرب قرر تصفية مشروعها الإقليمى وأذرعها الإقليمية.

ناور المرشد الإيرانى فى سنوات بايدن، فى صفقات إقليمية تفوح منها رائحة الخيانة، إذ تفهمت طهران أن الهدف هو رقبة نظامها الإسلامى، وبالتالى أمام النجاة من سيناريو سوريا والعراق وليبيا، يستلزم الأمر سلسلة من التضحيات.

وافقت طهران وباعت وخانت وهزمت فى سوريا ولبنان وغزة، تخلت عن البعث السورى واللبنانى، وحركة حماس وحزب الله وحركة أمل والجماعة الإسلامية اللبنانية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الفلسطينية، عن بشار وماهر الأسد، عن حسن نصر الله وهاشم صفى الدين ونبيل قاووق، عن إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، وحتى عن الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى.

واستمر سيناريو الصفقات والخيانة مع إدارة ترامب، ممثلًا فى إعلان طهران الانسحاب من اليمن الشمالى وترك تنظيم الحوثى بوجه العدوان الأمريكى، وقيام الميليشيات العراقية الموالية لإيران بإلقاء السلاح، ولكن الفارق بين الخيانة الإيرانية فى عصر بايدن عن عصر ترامب، أن إيران فى ولاية بايدن انتظرت سير العمليات العسكرية وحينما شارفت على الهزيمة قامت بالصفقة العار، ولكن مع إدارة ترامب الثانية لم تنتظر إيران العمل العسكرى، وأبرمت صفقات العار والخيانة مقدمًا.

ويعود السبب فى ذلك إلى أن ترامب كان ينوى فعلًا قصف إيران بشكل شامل وحقيقى، وليس مسرحيات متفقًا عليها كما جرى بين إيران وإسرائيل عام 2024، حيث كانت إدارة بايدن تضبط إيقاع المسرحية البالستية بين البلدين.

ولكن ماذا يريد ترامب من إيران؟ يسعى ترامب إلى تهدئة صراعات أوروبا الشرقية والشرق الأوسط من أجل نقل المعركة إلى الشرق الأقصى أو شرق آسيا، تحديدًا الصين، يريد ترامب التفرغ للمعركة الرئيسة مع الصين، ويرى أن صراعات الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية خنجر فى ظهر الولايات المتحدة أثناء ذهابها للمعركة الرئيسية، لذا يسعى لتسوية تلك الصراعات أولًا قبل التفرغ للصين.

وبحسب سياسات ترامب، رغم أنه أعلن عزمه عن قصف إيران، فإنه فى واقع الأمر لا يريد توريط بلاده فى حرب جديدة، وما القصف الأمريكى لليمن سوى رسائل لإيران، تحولت اليمن إلى مجرد صندوق بريد إقليمى من واشنطن ولندن إلى طهران وأخواتها.

وقد ساهم فى تغير رأى ترامب عدد من العوامل، بداية تعمد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إبطاء مباحثات اتفاق نهاية حرب أوكرانيا، وربطه بعدم قصف إيران، إذ تدرك روسيا أن انفجار الفسيفساء الإيرانية بوجه روسيا يعنى سلسلة تفاعلات جيوسياسية سلبية بحق العالم الروسى والفضاء الحيوى الروسى، فى القوقاز الروسى، ودائرة القوقاز ما بين أذربيجان وأرمينيا، وأفغانستان، إضافة إلى آسيا الوسطى، وحتى البلقان وتركيا.

بالمثل فإن الصين ضربت حصارًا بحريًا عسكريًا على جزيرة تايوان، وكانت رسائل بكين واضحة، أن إسقاط النظام الإيرانى يعنى إسقاط النظام التايوانى.

ولم تتحرك بكين وموسكو بهذا الشكل حبًا فى طهران، فقد تأذت الدولتان من صفقات إيران مع الغرب كثيرًا، ولكن الصين بدورها سوف تنزف استراتيجيًا وجيوسياسيًا حال سقوط الدولة الإيرانية، كما أن موسكو وبكين يستخدمان النظام الإيرانى كحائط صد، بل كصانع أزمات يتم إلهاء بها الغرب عن التركيز مع روسيا والصين.

ترامب يريد من طهران تسليم البرنامج النووى كاملًا، ونسيان أمر السلاح النووى، وترك فلول المشروع الإقليمى الإيرانى يلقون حتفهم على يد منافسيهم، والتسليم بأن محور الممانعة الإيرانى فى الشرق الأوسط قد انتهى، وعدم إزعاج إسرائيل إقليميًا، وفك الاتصال مع روسيا والصين، وأخيرًا المساهمة مع أمريكا فى تطويق روسيا والصين، وذلك عبر الجماعات الوظيفية الإسلاموية التى تمتلك إيران مفتاح قرارها.

تبدو قائمة المطالب الأمريكية خيالية، أو بعيدة عن واقع إيران، ولكن فى واقع الأمر أن طهران أرسلت إشارات إيجابية لقبول الصفقة أيًا كانت تفاصيلها، إذ تسعى طهران للنفاذ برقبتها حتى لو تطلب الأمر ممارسة التقية لأربع سنوات هى ولاية ترامب الثانية، إذ يمكن تجميد المشروع النووى والمشروع الإقليمى ومحور الممانعة وخفض مستوى العلاقات مع روسيا والصين وكوريا الشمالية طيلة سنوات ترامب، خاصة أن هنالك رأيًا عامًا سائدا حول العالم، أن ترامب فى ولايته الثانية هو النسخة الفاشلة من ترامب فى ولايته الأولى، وأن الرجل قد لا يستمر فى البيت الأبيض، إضافة إلى أنه غير قادر دستوريًا على الترشح للولاية الثالثة وحتى لو لجأ إلى أى من الألعاب الدستورية فإن الشعب الأمريكى لن ينتخبه لولاية ثالثة ولن ينتخب أيًا من رجالاته لولاية جديدة ما يعنى أن البيت الأبيض فى يناير 2029 على موعد مع رئيس أمريكى من الحزب الديموقراطى على شاكلة باراك أوباما وجو بايدن، شاكلة الرؤساء الأمريكان الذين تعرف إيران جيدًا كيف تنسق وتعمل معهم فى لعبة تبادل الأدوار الأمريكية بين إيران وإسرائيل.

كما أن ترامب قد تورط فى إشعال حرب تجارية وجمركية تعتبر فصلاً جديدًا فى حرب العملات العالمية المشتعلة منذ عام 2010، مع بدء تصدع تشكيلته الحكومية الأولى بقرب رحيل إيلون ماسك، وفشل مشروع وزارة الكفاءات الحكومية وقرب تفكيكها، وخلافاته مع الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، والدانمارك وكندا وفنزويلا والمكسيك، وخطته الهزلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

إيران بدورها وظفت الفيتو الروسى الصينى على قصفها، وأرسلت إلى حكومات الدول المضيفة للقواعد العسكرية من حولها، تركيا والعراق والأردن والخليج العربى، بأن العدوان الأمريكى على إيران انطلاقًا من دولة عربية أو إسلامية لن يمر دون رد، سواء قصف تلك القواعد الأمريكية أو حتى قصف بعض المنشآت العسكرية للدولة المضيفة، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تنقل قيادة ومنصة عملياتها ضد اليمن إلى قاعدة دييجو جارسيا، وتعتبر جزيرة دييجو جارسيا هى جزء من إقليم المحيط الهندى البريطانى، إحدى محافظات مملكة بريطانيا، وتقع فى قلب المحيط الهندى جنوب شبه جزيرة الهند.

وتتفق تركيا مع روسيا والصين فى التخوف من انهيار إيران، على وقع وجود عشرات القوميات والعرقيات والطوائف الإيرانية التى لها امتداد تركى وحتى روسى وصينى، ما سوف يؤدى إلى سلسلة تفاعلات إيرانية خطيرة بحق الأمن القومى التركى.

وحال انهيار النظام الإيرانى، فإن هنالك سلسلة من الحركات الانفصالية ذات أجنحة مسلحة سوف تعمل منذ اليوم الأول على إعلان الاستقلال، على وقع الخلافات الداخلية التى عاصرها أهل الشرق الأوسط عقب انهيار النظام العراقى عام 2003، والنظام الليبى عام 2011، والنظام السورى عام 2024.

محافظة كردستان الإيرانية سوف تعلن قيام جمهورية كردستان الشرقية أو جمهورية مهاباد، وهى جمهورية كردية نشأت لفترة فى القرن العشرين برعاية الاتحاد السوفيتى، محافظة أذربيجان الشرقية ومحافظة أذربيجان الغربية سوف يعلنان قيام جمهورية أذربيجان الجنوبية، محافظات خراسان الشمالية وخراسان الوسطى وخراسان الجنوبية سوف يعلنان قيام جمهورية خراسان.

محافظات أصفهان وهمدان وكرمانشاه وقم سوف يعلنان قيام جمهورية عراق العجم، محافظة خوزستان سوف تسترد اسمها القديم دولة الأحواز أو عربستان، محافظة سيستان بلوشستان سوف تنقسم إلى دولتين، بلوشستان وسيستان.

نفس الشىء بالنسبة لمحافظة لرستان ومحافظة جلستان، كلاهما سوف يعلنان الاستقلال بنفس الاسم، ومحافظة هرمزغان سوف تعلن الاستقلال باسمها الأصلى بندر عباس، وهكذا لن يتبق لإيران سوى محافظتى طهران وفارس.

إيران تضم شعوبًا تركية وصينية وروسية، مسلمين سنة وشيعة، عرب وفرس وكرد وتركمان، أرمن ويهود ومسيحيين، الزرادشتيون والأرثوذكس والآشوريين والكلدان والإنجيليين، الصوفيين والبهائيين والمانوية، الشيعة الإسماعيليين.

لهذا السبب قررت روسيا احتلال إقليم قزوين الإيرانى فورًا حال بدء انهيار إيران، وذلك للحفاظ على بحر قزوين من أيدى وكلاء أمريكا فى إيران ما بعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويضم إقليم قزوين محافظات قزوين وكيلان وجيلان وجلستان ومازندران، محافظة قزوين كانت عاصمة سابقة للإمبراطورية الفارسية وتضم قاعة ألموت عاصمة دولة الحشاشين فى زمن حسن الصباح، وسبق لروسيا أن قصفت واحتلت إقليم قزوين فى الحرب العالمية الأولى والثانية لنفس السبب.

ختامًا يدرك النظام الإيرانى أن ترامب ليس أوباما أو بايدن ولا حتى بوش الابن، وأنه حال المماطلة فى المباحثات فإن ترامب عازم فعلًا على قصف المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية قبل العودة لمباحثات مسقط وإذا ما طلت إيران وقتها مرة أخرى فإن هذا معناه أن النظام الإيرانى قد كتب شهادة وفاته بيده. هى فرصة استثنائية نادرة من ترامب لإعطاء قبلة الحياة للنظام المتهالك الإيرانى الذى يعانى من مشاكل بالداخل أكبر من مشاكل مشروعه الإقليمى أو النووى، وعلى ما يبدو أن طهران عازمة على اقتناص فرصة «هدنة ترامب» بغض النظر عن أى خسائر أخرى.

ورفضت طهران وساطة قطر والإمارات، وفضلت أن تستمر الوساطة فى سلطنة عمان كما الحال فى زمن السلطان العمانى الراحل السلطان قابوس، وذلك بعد تفجر فضيحة التمويل القطرى للاحتلال الإسرائيلى، إضافة إلى الاتفاق الإبراهيمى بين الإمارات وإسرائيل والتطبيع الاقتصادى الدافئ بينهما، لذا تتخوف إيران من أن تكون إسرائيل طرفًا خفيًا فى المباحثات، وتسعى إلى حصرها مع إدارة ترامب قدر الإمكان.