لبنان تطالب ماكرون بالتدخل لعودة تحالف «توتال» للتنقيب عن الغاز بعد التوقف.. هل يحمل المستقبل غازًا للجميع؟

سمر العربى
تمثل قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بما تتضمنه من حقوق استغلال الثروات الطبيعية وخاصة حقول الغاز الواعدة فى البحر الأبيض المتوسط، ملفًا بالغ التعقيد والحساسية. على مدار سنوات، شهدت هذه القضية مفاوضات متقطعة وغير مباشرة، سعت إلى إيجاد حلول توافقية تضمن حقوق الطرفين وتساهم فى استقرار المنطقة.
ورغم مطالبات الرئيس اللبنانى جوزيف عون مارس الماضى بتدخل الرئيس الفرنسى لإقناع توتال بالعودة إلى التنقيب عن النفط والغاز فى المربعات البحرية؛ فإن المباحثات توقفت مرة أخرى لأسباب غير معلومة.
من جانبه قال ياسر هلال خبير أسواق الغاز اللبنانى فى مقابلة بالتليفزيون اللبنانى إن إصلاح قطاع النفط والغاز قد يكون أكثر أهمية فى هذه المرحلة. والمدخل الرئيسى لإصلاح القطاع وإطلاق ورشة الاستثمار فيه، هو إنشاء هيئة ناظمة للنفط والغاز فعلية وليست هيئة ملحقة بوزارة الطاقة كما هو الوضع حاليًا، مع الاعتراف بالدور الكبير الذى لعبته الهيئة الحالية رغم انعدام صلاحياتها ورغم الإهمال المتعمد لها.
أما المدخل الثانى فهو إعادة النظر بالإطار التشريعى والتنظيمى. وبخاصة الجوانب المتعلقة بمشاركة الدولة فى ملكية الموارد النفطية من خلال إنشاء شركة نفط وطنية. والتى تم استبعادها بموجب المراسيم التطبيقية للقانون واتفاقيات البحث والاستكشاف التى أطلقوا عليها «تحببًا» اسم اتفاقيات مشاركة بالإنتاج.
وأشار هلال إلى أن جو صدى وزير الطاقة الحالى يدرك جيدًا أكثر من غيره، أن إصلاح القطاع هو السبيل المضمون لدفع شركة توتال وقطر للطاقة وإينى وبقية الشركات الدولية، للعمل فى لبنان، وليس ممارسة الضغوط السياسية عليها.
فهذه الشركات يهمها قبل وجود النفط والغاز وجود مناخ استثمارى ملائم، قوامه الاستقرار السياسى والتشريعى والتنظيمى والإدارى. فشركة توتال اكتفت بتنفيذ الحد الأدنى من التزاماتها أو أقل من الحد الأدنى، ليس لأنها مشاركة فى حملة «تركيع لبنان». بل لأنها رفضت «تركيعها» من قبل أركان المنظومة، بتدخلات وملابسات «بهلوانيات» لا تخطر على بال.
تبدأ من القاعدة اللوجستية، وتمر بمسرحية إقفال دورة التراخيص الثانية ومحاولة تغيير شروط العقد بعد تقديم المزايدة. ولا تنتهى بملابسات اتفاقية البلوك رقم 9 و«لغم» ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وسوريا واستكماله مع إسرائيل ويجب أن تعاد قضية ترسيم الحدود إلى الواجهة مرة أخرى فى ظل ما يشهده لبنان من عودة للاحتضان العربى والدولى من خلال العهد الجديد.
تحالف توتال للتنقيب عن الغاز
وقام تحالف توتال وإينى وقطر للطاقة بالتوقف عن التنقيب عن الغاز بعد انتهاء أعمال الحفر فى البئر الاستكشافية فى البلوك رقم 9 فى أكتوبر 2023، وأعلنت الشركة أنها لم تعثر سوى على الماء، ولم تكتشف كميات غاز ذات جدوى اقتصادية مقارنة بالتجارب السابقة وصرح وزير الطاقة اللبنانى وليد فياض فى يناير 2025 أن شركة توتال لم تلتزم ببنود الاتفاقية الموقعة معها، مشيرًا إلى وجود «غموض تام» فى موقف الشركة وعدم إفصاحها عما إذا كانت ستعطى التقرير المطلوب بشأن مربع 9.
كان من المفترض أن تسلم توتال تقريرها التقنى حول أعمال الحفر فى البلوك رقم 9 فى أبريل 2024، لكنها تماطلت فى ذلك، مما أثار شكوك المسئولين اللبنانيين ورأى وزير الطاقة اللبنانى أن قرار توتال مرتبط بالسياسة الفرنسية، وأن الرئيس ماكرون لديه قدرة على الضغط عليها أو التنسيق معها فى هذا الملف.
أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن توقيت إعلان عدم وجود غاز ومغادرة الحفارة قد يكون مرتبطًا بالتطورات السياسية والأمنية فى المنطقة، خاصة بعد اندلاع حرب غزة وتطور الأوضاع فى الجنوب اللبنانى. واعتبر البعض أن ذلك قد يكون ضمن ضغوط دولية لتحقيق شروط معينة من الجانب اللبناني بعد إنهاء الحفر فى البلوك 9، اتجهت سفينة الحفر التابعة لتوتال إلى قبرص للعمل فى أحد حقولها النفطية، مما يشير إلى وجود التزامات أخرى للشركة.
ويرى الخبراء اللبنانيون أن قرار توتال بالتوقف عن التنقيب فى لبنان جاء نتيجة لعدم تحقيق نتائج مشجعة فى الاكتشافات الأولية، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالتزامات الشركة، والغموض فى موقفها، والتطورات السياسية والأمنية فى المنطقة، مما دفع لبنان إلى التفكير فى خيارات أخرى للمضى قدمًا فى استكشاف ثرواته البحرية.
اتفاقية ترسيم الحدود مع إسرائيل
اتفقت إسرائيل مع لبنان على إعادة بنود ترسيم الحدود، وتم التوقيع رسميًا يوم 27 أكتوبر 2022.
وفتحت الاتفاقية الطريق لبدء الإنتاج من الحقل المشترك والمتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل منذ عام 2011، إذ بدأت مفاوضات بصورة غير مباشرة، زار الوسيط الأمريكى، آموس هوكشتاين، لبنان بدعوة رسمية، لمناقشة مخاوف البلاد بعد وصول سفينة إنرجين باور إلى حقل كاريش للغاز.
ونقل الوسيط الأمريكى -حينها- آمال إدارة الرئيس جو بايدن فى التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ما يسمح باستخراج غاز شرق المتوسط.
وترتكز نقطة الخلاف بين لبنان وإسرائيل على منطقة فى شرق البحر المتوسط تبلغ مساحتها نحو 860 كيلومترًا مربعًا فى منطقة يعتقد أنها غنية بالغاز ولا يمكن أن ننسى أن البنية التحتية لحقل كاريش وتركيب الأنابيب الذى استغرق أكثر من عامين كان على مرأى ومسمع قوات حزب الله التى كانت تهدد بين الحين والآخر بقذف الحقل المتنازع عليه بعد بدء الإنتاج.
حقل كاريش
يعتبر الحقل من أكبر الحقول فى منطقة المتوسط فى الحدود البحرية المشتركة بين لبنان وإسرائيل؛ إلا أن الأخيرة ترى أنه ملكها وحدها وأنه داخل حدودها الإقليمية ويبعد حقل كاريش للغاز بنحو 100 كيلومتر عن السواحل الإسرائيلية على البحر المتوسط، ونحو 75 كيلومترًا عن ساحل حيفا.
وتقد ر احتياطيات الحقل المؤكدة من الغاز بنحو 1.3 تريليون قدم مكعبة، بالإضافة إلى 12.7 مليون برميل من المكثفات.
ويبلغ إنتاج آبار الحقل يبلغ 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، تُضخ إلى السوق المحلية بموجب اتفاقيات مع شركات كهرباء ومعامل تكرير، والفائض تصدره إسرائيل إلى مصر.
حقل قانا
يقع حقل قانا قبالة قرية قانا، جنوب لبنان فى قسم من مسطح البلوك رقم 9، مع إضافة إليه جنوب الخط 23. وأظهر وجود مخزون غاز طبيعى بحوالى 25 تريليون قدم مربع.
وفي 2020 تمت عمليات حفر أولية أظهرت وجودت مخزونات دون التحقق من كمياتها.
ورغم احتفاظ إسرائيل بالسيادة الكاملة على حقل الغاز كاريش، فإن حقل قانا المقابل سيكون تحت سيطرة لبنانية، وستحصل إسرائيل من شركة الطاقة الفرنسية (توتال) على إيرادات من الحقل الواقع داخل حدودها. وكان من المفترض أن الاتفاق سيكون مودعا فى الأمم المتحدة وسيدرج قدر الإمكان فى القانون الدولى، وستكون هناك ضمانات أمريكية وفرنسية للاتفاق حال التوقيع عليه.
وفى مايو من عام 2021، عقدت الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبرعاية الأمم المتحدة وبوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، وسط إصرار الجانب اللبنانى على حقه فى حدوده البحرية، وفقًا لقانون البحار المتعارف عليه دوليًا، فقد رأى رئيس مجلس النواب، نبيه برى، فى تصريحات سابقة، أن عملية التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية من شأنه أن يدفع إلى البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى فى القطاعين 4 و9، وسوف يكون من أحد أهم أسباب سداد الديون اللبنانية.
وكان برى قد أكد فى ذلك الوقت، أنه طلب من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الضغط على شركة توتال لعدم تأجيل التنقيب عن الغاز فى المنطقة البحرية الممتدة بطول المنطقة المتنازع عليها.
احتياطيات الغاز اللبنانى
وبحسب دراسة أعدها دكتور أحمد سلطان الباحث فى المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فإن الاحتياطيات النفطية طبقًا للدراسات الفنية والتى تمت بواسطة شركة سبكتروم بحوالى 95 تريليون قدم مكعبة من الغاز و900 مليون برميل نفط (غير مؤكدة) فى المنطقة الاقتصادية الخاصة، ووصلت القيمة المالية المقدرة للغاز الطبيعى إلى حوالى 600 مليار دولار، والقيمة المالية المقدرة للنفط إلى حوالى 450 مليار دولار.
وأضافت الدراسة إن توقعات الخبراء الماليين والاقتصاديين متفائلة بارتفاع قيمة الناتج المحلى إلى حوالى أكثر من 100 مليار دولار فى حال بدء الاستفادة من إنتاج النفط والغاز الطبيعى وإيراداتهما، فقطاع النفط والغاز الطبيعى سيؤثر بشكل إيجابى فيما يتعلق بتوفير إمدادات الطاقة، بما يساعد على خفض معدلات الاعتماد على الموارد الخارجية، وسيساعد على تقليص الدين العام (الذى يأتى جزء كبير منه من دعم قطاع الطاقة وخاصة الكهرباء) وهو الأمر الذى سيؤدى إلى نمو الناتج المحلى اللبنانى.
هناك العديد من الدراسات الواعدة التى تؤكد أن المياه اللبنانية تحتوى على كميات كبيرة من الغاز الطبيعى، ولدى العمل على استخراج هذه الكميات سيتحول لبنان من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة منتجة لديها اكتفاء ذاتى. ذلك بالإضافة لدراسة أخرى أعدها بنك فرنسبنك فى لبنان، ونقلها موقع اتحاد المصارف العربية، وتؤكد أن المسوحات التى قامت بها شركات بريطانية ونرويجية وأمريكية توضح وجود احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعى فى المياه اللبنانية قُدرت بحوالى 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى وحوالى 660 مليون برميل من النفط السائل.
ذلك مع الأخذ فى الحسبان أن مساحة المياه الخاضعة للمسح هى ٪10 فقط، وإن تضاربت الأرقام ولكن تظل هناك كميات اقتصادية من النفط والغاز الطبيعى فى المياه اللبنانية.
وترى تلك الدراسة الفنية أنه بناءً على تقديرات الجهات العالمية المتخصصة بشأن الاحتياطيات الهيدروكربونية المتوقعة، فإن قيمة احتياطات الغاز الطبيعى فى لبنان تُقدر بحوالى أكثر من 160 مليار دولار، فى حين تُقدَّر قيمة احتياطات النفط بنحو بحوالى أكثر من 90 مليار دولار وذلك حتى عام 2040، وبناءً على تلك الحسابات، فإن قيمة إنتاج الغاز الطبيعى سنويًا ستكون فى حدود حوالى 8٫5 مليار دولار، وللنفط نحو حوالى ٥ مليار دولار.
وتضمن أول عقد للتنقيب الذى وقعه لبنان فى عام 2018 قطاعين، يقع إحداهما فى الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل، وهو القطاع رقم 9.