روضة رمضان.. خواطر فضيلة د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء الطاعة بعد رمضان

هناك من يعبد الله تعالى فى رمضان ظنًّا منه أنه شهر قبول الأعمال وشهر العبادة والطاعات أما بعد رمضان فلا، فكيف نصحح هذا المفهوم؟
الكلام هنا يتسع فى مجالات متعددة ولعلنا هنا نذكر ما قاله الصديق رضى الله عنه عند انتقال الرسول (ص)، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللَّه عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ (ص)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِى نَفْسِى إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَبَّلَهُ قَالَ: بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا (ص) فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.
وَقَالَ تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
ورمضان ما جاء إلا ليذكر الناس بما يجب أن يكونوا عليه فى جميع الأحوال؛ لأن رمضان ما كان رمضان إلا بسبب إنزال القرآن فيه. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.
وحتى ليلة القدر ما صارت ليلة القدر إلا بإنزال القرآن، والقرآن الذى من أجله صار رمضان «رمضان»، وصارت ليلة القدر ليلة القدر، قائم فينا محفوظ بحفظ الله لنا، ليظل يعمل فينا استقامة وخلقًا واستجابة وطاعة وتآلفًا ورحمة، ويبقى على هذه الأمة بقاء هذا القرآن وبيان القرآن من سنَّة الرسول (ص)، فيفتن من يظن أن العبادة فى رمضان، رمضان قد يكون أشد تذكيرًا للإنسان بالجو المحيط فيه ولكن عبادة الله لا تنقطع أبدًا.
والاستجابة لأمر الله يجب أن تكون فى كل حال، وتقوى الله التى جاء من أجلها ويحققها رمضان. عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ (ص): «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». زمانًا أو مكانًا .
ولذلك أنصح الأخوة الذين يتصورون أن رمضان له خاصية خاصة ينفرد بها بأن يستقيم الإنسان ثم يترك هذه الاستقامة إذا مضى رمضان، يكون بالغ الخطأ وبالغ الإساءة، الله تعالى يُعبد فى جميع الأحوال، والقرآن الذى أُنزل فى رمضان قائم فينا محفوظ بحفظ الله لنا وهو حجة لنا أو علينا، حجة لنا إذا استجبنا لندائه فى جميع الأحوال، وحجة علينا إذا نحن خالفناه أو أعرضنا عنه أو تنكرنا له.