الأربعاء 2 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
  الطبقة المتوسطة.. سيرة وحيرة

الطبقة المتوسطة.. سيرة وحيرة

بعيدًا عن صخب الدراما ومعارك وسائل التواصل الاجتماعى وصراع الشاشات والمنصات، والسباق المحموم لمواقع إخبارية تضخ قشور أحداث وحوادث- من مآسى وأزمات شعوب ودول إلى أردأ أنواع النميمة والتلصص- يصدر عمر طاهر كتابًا رائقًا.. عميقًا فى بساطته جريئًا فى صدقه.



«أخوية الطبقة المتوسطة».. طيف من سيرته الذاتية أراد أن يأتنس به وهو يخطو إلى عامه الخمسين.. يُذّكر نفسَه ويُذّكرنا أن الحياة الحقيقية يصنعها «الأبطال العاديون» لا الأبطال «الخارقين» ولا «المصنوعين» ولا «المشوّهين»، وأن هذه الحياة ليست جولات صفرية ننتصر فيها إلى حد الغرور أو ننهزم إلى حد الانسحاق.. أجمل ما فيها أن نعيش أنفسنا وأعظم ما يمكن أن نحققه أن نفعل ما نحب ولا نكون أبدًا وحيدين، فنحن باقون بمن حولنا ومتحققون بقدر عطائنا- ما استطعنا- للناس.

هذا القبس من مشوار عمر الإنسانى يقدم نفسَه لنا بوضوح بدءًا من عنوانه، فهو ليس سيرة شخص استثنائى بل سيرة وحيرة كل مَن عبر إلى منتصف العمر وكل مَن ينتمى إلى الطبقة التى إن صحّت صحّ المجتمع كله.. وصحا.

فى كل موقف نقرأه وداخل كل التفاصيل تقفز ملامح من حياتنا وذكرياتنا وطقوسنا الاجتماعية، ونرى كثيرًا من أحبائنا وشخوصًا سكنوا أيامنا أو عبروا فيها، ونستدعى نفس اللحظات المبهجة والمؤلمة والشجية، ونفس مشاعر الخوف والحماس والقلق والتحدى والحب والخيبة والأمل، ونعود إلى نفس الأماكن التى تسكعنا فيها أو سافرنا إليها أو عشنا فى حِماها.. نسأل نفس الأسئلة ونداعب نفس الأحلام ونزهو بنفس الانتصارات الصغيرة وتلك التى حسبناها كبيرة.

مناطق كثيرة فى الكتاب يتشارك فيها «أخوة» الطبقة المتوسطة بدءًا من حلم التحرُّر من قيود- أو سجون- تفرضها مسارات وأنماط حياتنا أو نحبها ثم نشكو منها: «أهرب من السجون بمختلف أنواعها».. السجن المعنوى والمادى الذى قد يقود إليه المَنصب.. سجن الحياة الزوجية: «وقعت فى غرامه وأهرب إليه».. سجن المهنة «الكاريير» حين ترهقنا مسئولياته وصراعاته فنضع خططًا- تفشل غالبًا- للهروب إلى عمل حالم نعيش معه سنوات مطمئنة: «محل أبيع فيه البُن والبخور والورق وأدوات الكتابة والسجائر والشاى والمخبوزات الطازجة وشرائط الكاسيت القديمة».. ثم سجن المرض الذى يأتى قبل موعده: «بأغلال جديدة وتعليمات سلامة أكثر تعقيدًا، كنت أنتظره لكنى توقعت أنه ربما بحلول الخامسة والستين.. خانتنى توقعاتى ووجدتنى هناك بينما أحتفل بوداع الأربعينيات».

من وحى غرفة العناية المركزة التى دخلها «عمر» عن «مجمل أعماله» كما يقول يطل على حياته وحياتنا فتتأكد حقائق وتلوح علامات: «فكرت فى عائلتى.. لكل عائلة فترة عِز، صادف أن كانت فترة عِز عائلتى فى الثمانينيات، العائلة كما تحكيها الروايات العالمية، وددت أن تتركنى آلة الزمن هناك قليلًا «.....» فى حضور متوهج يجعل لكل شىء طعمًا.... أمسيات تعج بالضحك والحكايات والونس العجيب «...» أرى فى أبى شخصية منقذ الشاطئ «و.... «أمى هى مراقب الجودة فى حياتى».

عبر صفحات الكتاب التى تجاوزت المائة بقليل نطوف حول «دايرة الرحلة» التى دخلناها جميعًا بشكل أو بآخر:

«أنا هنا منذ خمسين عامًا».. «أشعر بأن المراهق القديم لم يختفِ، هو الذى يدير المشهد».. «لا أومن بأن الفرصة مابتجيش غير مرة واحدة، هناك فرصة كل يوم».. «سأتمرن على تجديد الرؤية، وفى ذلك تجديد لإيمان الواحد بمعنى تجربته، الإنسان مُسير فيما يجرى عليه، لكنه مُخير فى طريقة النظر إليه».. «الشيخوخة ابنة الفراغ، لا يصاب بها شخص مشغول بشىء».

«أخوية الطبقة المتوسطة» طيف من تجربة حياة دَوّنها عمر طاهر بالأصالة عن نفسه وقد تكون أيضًا بالنيابة عن طبقة وجيل يمكن أن يقول: «لن أتورط فى إعادة تقييم ما مررت به، سأستمتع بكونى مررت».

«اركُض فى سلام».