الأربعاء 2 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فرعون ليس لقبا ولم يكن مصريا (2-2)‏ فضح الأكاذيب الإسرائيلية عن مصر والمصريين

فرعون ليس لقبا ولم يكن مصريا (2-2)‏ فضح الأكاذيب الإسرائيلية عن مصر والمصريين

جاءتنى رسالة لم أفهم هل هى عتاب أم غضب لأننى نفيت عن ملوك مصر القديمة لقب ‏‏«فرعون»، وأن قدماء المصريين ليسوا «فراعنة»، كما لو أننى أسحب «العظمة والرقى ‏والقيم الرفيعة» عن حضارة مصر القديمة..‏



مبدئيا.. حضارة مصر القديمة تتسم بقدر هائل من النبل وسمو القيم والعدالة واحترام الإنسان ‏والحيوان والطبيعة، حتى وصفها العالم بأنها «فجر الضمير»، ما يصعب علينا أن نصدق ‏أن أهلها تصرفوا مع بنى إسرائيل على النحو الذى امتلأت به الإسرائيليات، ونقلنا عنهم ‏ورسخناها فى تراثنا دون تمحيص وتحقيق.

وليس غريبا أن يستغل المتطرفون الإسرائيليون هذه الأكاذيب ويروجوا لها، لكى يحفزوا ‏أنفسهم على الانتقام من مصر، ويحرضوا على الحرب ضدها، ردا على موقفها الرافض بقوة ‏لجرائم جيش الإبادة الإسرائيلى فى غزة، وتهجير أهلها من أرضهم.‏

وإزالة هذه الإسرائيليات عن قدماء المصريين وملوكهم مهم للغاية، حرصا على نقاء تاريخنا، ‏ونفى أكاذيب بأن اليهود هم الذين بنوا الحضارة المصرية القديمة بأيديهم المستضعفة وتحت ‏وطأة استغلال المصريين لهم، مع أن تاريخهم القديم كله ليس فيه أى رائحة من عظمة ‏الحضارة المصرية، وهذا طبيعى فكيف يشيدون ما لم يعرفوا به أبدا.‏

والأهم تصحيح تفسيرات رجال دين للآيات القرآنية الراوية لقصة سيدنا موسى، وهو فرض ‏علينا أيضا!‏

بالقطع لا يمكن أن ننزع وصف الفراعنة عن قدماء المصريين كأنه لم يكن، فقد شاع الوصف ‏وصار بديهية فى العصر الحديث، لكننا نريده دون «التشوهات» التى ألحقها به بنو إسرائيل، ‏وأن نفهمه على حقائق تاريخ مصر وحضارتها، وليس على أكاذيبهم.‏

هنا يحتار المرء ويسأل: كيف فهم كثير من مفسرى آيات القرآن التى وردت بها قصة سيدنا ‏موسى أن فرعون لقب وليس اسما، مع أن الآيات واضحة وضوح الشمس، فى سورة غافر ‏يقول الله تعالي: «ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ‏ساحر كذاب»، وفى سورة العنكبوت: «وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات ‏فاستكبروا وما كانوا سابقين»، أى ثلاثة أسماء لا يعقل أن يكون أحدهما لقبا!‏

‏ «وموسي» نفسه اسم عبرانى، قد أطلقته عليه زوجة فرعون حين انتشلوه من الماء، ومعناه ‏‏ «المنتشل»، وليس معقولا أن زوجة ملك مصرى تسمى ابنها بالتبنى باسم عبرانى، وكان اسم ‏الزوجة هو آسيا بنت مزاحم كما تروى كتب التراث، وهو اسم عبرانى، وهامان أيضا اسم ‏عبراني!‏

نعم هؤلاء هم قوم سيدنا موسى.. كيف؟ ‏

للباحث عاطف عزت تفسير أورده فى كتابه فرعون موسى من قوم موسى، وللباحث مؤمن ‏محمد سالم تفسير مماثل فى كتابه «فرعون وقومه كانوا هكسوسا ولم يكونوا مصريين»، وقدم ‏الباحثان رؤية مدعمة بالأدلة والأسانيد من أول شكل العمارة واللغة والأسماء.. إلخ، لينتهوا ‏بأن فرعون كان ملكا من الهكسوس، وأن القصة التى دارت على جزء من أرض مصر، لا ‏تخص المصريين مطلقا، وكتب كل منهما رؤيته بأسلوبه الخاص ونسج مختلف وأن كان ‏المحتوى واحدا تقريبا.‏

‏ ونبدأ الحكاية من «يوسيفوس» وهو مؤرخ يهودى عاش فى القرن الأول الميلادى، كان ‏مهموما بالدفاع عن قومه، ضد المؤرخ الإغريقى «ابيون» الذى نسب لليهودى كل نقيصة ‏علم بها البشر، وسبهم، وسمى كتابه الدفاعى «الرد على أبيون»، واستعان فى رده بما كتبه ‏مؤرخ مصرى هو مانيتون، عاش فى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو من مواليد سمنود، ‏وكانت مركزا اقتصاديا ودينيا كبيرا فى ذلك الزمان، وهى من أعمال محافظة الغربية حاليا.‏

وكتب مانيتون فى كتابه «تاريخ مصر»: فى عهد تيماوس أصابنا، ولست أدرى لماذا؟، نقمة ‏من الإله، فاندفع نحونا أقوام أسيويون من أصل وضيع، جاءوا من المناطق الشرقية، هذه ‏الأقوام كانت تدعى هكسوس ومعناها الملوك الرعاه».‏

نقل يوسيفوس هذه العبارات دون أن يتوقف عند وصف «أصل وضيع»، وأكد أن بنى إسرائيل ‏كانوا من الهكسوس، متباهيا بأنهم احتلوا جزءا من مصر.‏

احتل الهكسوس شمال شرق مصر، أجزاء من الدلتا وليس كل مصر، حوالى سنة 1650 ‏قبل الميلاد، وقد جاءوا إلى الدلتا فى البداية كمهاجرين، قبل أن يتحولوا إلى قوة غازية، ‏ربطت بين الجزء المحتل وبلادهم الأصلية..‏

ومن هنا قد نفهم أسباب تحريض الإسرائيليين الحالى على حرب مصر واحتلال سيناء ثم ‏التمدد غربا إلى الضفة الشرقية لنهر النيل، وهو الجزء الذى احتله الهكسوس، وأسسوا فيه ‏عاصمة لهم «هوارة» ومعناها المدينة، والتى وقعت فيها أحداث قصة سيدنا موسى، حيث ‏قصر فرعون.‏

ويقول عالم الآثار مارييت إن الهكسوس كانوا خليطا أو أحلافًا من جماعات وقبائل، من ‏الأعراب (قبائل العماليق العربية)، والكنعانيين (من بنى يهوذا وبنى إسرائيل وكانوا ‏الأكثرية).‏

ويقول زينون كاسيدوفسكى فى كتابه «الواقع والأسطورة فى التوراة»: ويتوقع أن تكون ‏عشيرة يعقوب قد جاءت إلى مصر مع زحف الهكسوس، أو بعد أن فرضوا سيطرتهم فيها، ‏وقد استقبلوا يعقوب ومن معه استقبالا طيبا، لأنهم كانوا من الأقارب، ومن جهة أخرى ليس ‏من الصعب أن نتوقع أن الهكسوس كانوا يثقون بأنسابهم الآسيويين الذين يجمعهم معا المنشأ ‏واللغة.‏

باختصار وقعت قصة سيدنا موسى وفرعون على جزء من أرض مصر، حوالى خمس ‏مساحة مصر، وهو الذى يبدأ من الشرقية إلى خليج العقبة، وسيطر عليه فرعون وملأه ومعه ‏مجموعة من القبائل التى تؤازره وتعضده.‏

وكان فرعون هو آخر ملوك الهكسوس، وقد حدثت معركة داخلية بين قبيلة بنى إسرائيل ‏وبين فرعون، فأمر بقتل أى طفل يولد لهم وأخذ فى اضطهادهم، وقد حاول بنو إسرائيل ‏الخروج من المدينة، فتصدى لهم، لكنهم فروا مع موسى وغرق فرعون فى البحر.‏

وهنا استغل أحمس الموقف وطرد الهكسوس من مصر سنة 1573.‏

وهناك دلائل مهمة للغاية..‏

‏1- يقول عز وجل فى سورة إبراهيم: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل ‏من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم)، أى أن موسى عليه السلام حين أرسله الله إلى ‏فرعون، كان مبعوثا فى قومه وبلغتهم الأرامية، وهذا معناه أن فرعون وموسى من قوم ‏واحد، أى أن يعقوب ويوسف وموسى وهارون وكل أنبياء بنى إسرائيل الذى ارتبطوا باسم ‏مصر، لم يكونوا مرسلين إلى أهل مصر وحكامها، بل إلى بنى إسرائيل وحكامهم المحتلين ‏جزءا من أرض مصر، وهم الهكسوس.‏

‏2- يقول عز وجل فى سورة طه: ( أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى)، الكلام ‏على لسان فرعون، وقد اختلف المفسرون فى تفسير تلك الآية، ولا يعقل أن فرعون يتحدث ‏عن أهل مصر الممتدة جنوبا وغربا، ولا يستقيم المعنى إلا إذا كان فرعون من قوم موسى، ‏ولم يكن يريده أن يخرج ببنى إسرائيل والعودة إلى موطنهم الأصلى، فهو خطر يهدد تحالف ‏قبائل الهكسوس فى مواجهة أصحاب الأرض المصريين.‏

ولو كان فرعون مصريا لفرح واغتبط أن يخرج بنى إسرائيل من أرض مصر، ويتخلص من ‏عبئهم.‏

‏3- لم يعرف المصريون التبنى، ولم يحدث أن تبنت زوجة ملك مصرى طفلا، ولم يعرفوا ‏السجن عقابا كما فى قصة سيدنا يوسف.‏

لكن الإسرائيليين المحدثين متمسكون بالأساطير التى صنعها أجدادهم، ويحلمون بصناعة ‏شرق أوسط جديد يمتد فيها نفوذهم إلى المساحة التى احتلها الهكسوس فى الزمن القديم الذي ‏لن يعود.‏