الإثنين 31 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأسرة والمدرسة والإعلام شركاء فى التصدى له علموا أولادكم.. «التنمر» جريمـــــــة

لم يعد التنمر مجرد تصرف عابر بين الطلاب فى المدارس بل أصبح ظاهرة اجتماعية مقلقة تمتد آثارها إلى كل فئات المجتمع من الأطفال إلى الكبار ومن الفصول الدراسية إلى البيوت وحتى مواقع التواصل الاجتماعى.  ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت مشاهد السخرية والعنف والإهانة والإقصاء جزءًا من يوميات الكثيرين ما يترك آثارًا نفسية عميقة قد تدفع بعض الضحايا إلى العزلة أو حتى التفكير فى إنهاء حياتهم.



 

ورغم التحذيرات المتكررة من خطورة التنمر، إلا أن الواقع يشير إلى تصاعد معدلاته بشكل غير مسبوق خاصة بين الأطفال والمراهقين فى ظل غياب رقابة حقيقية من الأسر والمدارس، وانتشار المحتوى الإلكترونى الذى يرسخ ثقافة السخرية والاستهزاء. 

نناقش فى هذا التحقيق كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟ وما هو الدور الذى يجب أن تلعبه المؤسسات التعليمية والأسر والمؤسسات الدينية والإعلام لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

فمن جانبها أكدت الدكتورة سهام حسن، أخصائية علم النفس والتربية وتعديل السلوك أن التنمر هو سلوك عدوانى متكرر يهدف إلى إيذاء شخص معين من خلال تسليط الضوء على نقاط ضعفه وجعله يشعر بالعجز أمام الآخرين، لافتة إلى أن للتنمر أشكالًا متعددة، منها التنمر الجسدى من خلال السخرية من ملامح الوجه أو الشعر أو الطول أو الوزن، والتنمر اللفظى باستخدام ألفاظ تقلل من شأن الطرف الآخر وتؤثر عليه سلبيًا، هذا بالإضافة إلى التنمر الاجتماعى عبر تدمير العلاقات بين الأفراد، وهو منتشر بشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعى، مشيرة إلى أن بعض المتنمرين يعتبرون السخرية من الآخرين «حرية شخصية» بينما فى الواقع هم يبحثون عن نقاط ضعف الآخرين لتعزيز شعورهم الزائف بالقوة والسيطرة من خلال الإقلال من شأن الآخرين.

 كورونا ساهمت فى تفاقم الظاهرة

كشفت سهام حسن أن ظاهرة التنمر تفاقمت بشكل ملحوظ عقب فترة جائحة كورونا، إذ أدى العزل الطويل إلى تغييرات فى السلوك الاجتماعى وزيادة الاعتماد على الإنترنت، ما جعل الأفراد أكثر عرضة للمشتريات الساخرة أو المهينة، كما أن البعض عانى من الاكتئاب والعزلة مما انعكس سلبًا على سلوكياتهم بعد عودتهم إلى الحياة الطبيعية.

التأثيرات النفسية والاجتماعية للتنمر

أوضحت الأخصائية النفسية أن التنمر يؤدى إلى انخفاض الثقة بالنفس، والشعور بالدونية والعزلة الاجتماعية، مما يدفع بعض الضحايا إلى الانحراف أو فقدان الحافز الدراسى، كما يتسبب فى اضطرابات نفسية مثل القلق واضطرابات النوم واضطرابات الشهية مما يستدعى تدخلًا سريعًا للحد من تأثيراته.

تثقيف المعلمين وأولياء الأمور 

وأشادت ببعض المبادرات التى أطلقتها وزارة التربية والتعليم فى المدارس لمكافحة التنمر، لكنها أكدت أنها غير منتشرة بالشكل الكافى، مطالبة بتثقيف المعلمين وأولياء الأمور حول كيفية التعامل مع سلوكيات الأطفال المتنمرين ومعالجة مشكلاتهم النفسية مع تعزيز ثقة الضحايا بأنفسهم لمساعدتهم على مواجهة التنمر.

وسائل الإعلام سلاح ذو حدين

وانتقدت بعض البرامج التليفزيونية ومواقع التواصل التى تروج للتنمر بصورة غير مباشرة مثل برامج المقالب والمحتوى العنيف والتى تشجع على تقليدها من خلال التشبع والتأثر بشكل غير مباشر، حيث يتم «دس السم فى العسل» والتأثير على وعى المشاهدين دون أن يدركوا، مقترحة تكثيف حملات التوعية فى المدارس وعلى وسائل الإعلام والسوشيال ميديا والتى تعد سلاحًا ذا حدين وذلك لضمان نشر نماذج إيجابية تحث على الاحترام المتبادل.

وأكدت داليا الحزاوى، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة التربوية، أن التنمر يعد من أخطر القضايا الاجتماعية التى تترك آثارًا نفسية مدمرة على الضحايا وقد تدفع بعضهم إلى الانتحار نتيجة الشعور باليأس والإحباط. وشددت على أن المجتمع بأسره مسئول عن مواجهة هذه الظاهرة التى تنتهك القيم الإنسانية والأخلاقية.

 الأسرة أساس تشكيل سلوكيات الأطفال 

أوضحت الحزاوى أن الأسرة هى اللبنة الأولى فى تشكيل سلوكيات الأطفال، حيث يكتسب الطفل عاداته من والديه. وإذا نشأ فى بيئة تشجع على السخرية والتنمر سواء كان ذلك بالمزاح أو الانتقاد المستمر فإنه سيتبنى هذا السلوك تلقائيًا. لذا فإن غرس قيم الاحترام والتعاطف منذ الصغر يعد خطوة ضرورية لمواجهة هذه الظاهرة، مؤكدة أن غياب الثقة بالنفس يجعل الأطفال أكثر عرضة للتأثر بكلمات الآخرين مما يستدعى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم على التحدث عن تجاربهم ليتمكن الآباء من دعمهم والتعامل مع أى محاولات للتنمر.

استحداث منهج القيم واحترام الآخر 

كما أشارت الحزاوى إلى أن غياب الرقابة داخل المدارس وضعف تطبيق العقوبات يسهمان فى انتشار التنمر مؤكدة أن المدارس يمكن أن تلعب دورًا محوريًا فى ترسيخ ثقافة الاحترام من خلال تنظيم ندوات وورش توعوية تستهدف الطلاب وأولياء الأمور وتعزيز دور الأخصائى النفسى والاجتماعى لمساعدة الطلاب المتضررين وتعديل سلوك المتنمرين بالتعاون مع الأسرة وإدخال برامج تربوية ومناهج تعليمية تركز على القيم الإنسانية مثل التسامح واحترام الآخر مثلما قامت وزارة التربية والتعليم باستحداث منهج القيم واحترام الآخر.

الإعلام وإنتاج محتوى هادف للأطفال 

انتقدت الحزاوى الدور السلبى لبعض وسائل الإعلام والدراما التى تروج لسلوكيات التنمر حيث تحتوى بعض الأعمال على مشاهد تظهر السخرية من الآخرين كأمر مقبول أو مضحك. وأكدت أن الإعلام يجب أن يكون جزءًا من الحل عبر إنتاج محتوى هادف للأطفال والمراهقين يعزز قيم التسامح والاحترام وتسليط الضوء على قصص نجاح لأشخاص تغلبوا على التنمر بدلًا من تقديم شخصيات ساخرة تؤثر سلبًا على الأطفال والمراهقين.

وتطرقت الحزاوى إلى التنمر الإلكترونى موضحة أنه أصبح أكثر انتشارًا بسبب سهولة إخفاء الهوية عبر مواقع التواصل الاجتماعى مما يجعل المتنمرين أكثر جرأة فى الإساءة للآخرين دون خوف من العواقب. وأكدت أن مواجهة هذا النوع من التنمر تحتاج إلى توعية المستخدمين بوجود قوانين تجرّم التنمر الإلكترونى، وتشجيع الضحايا على الإبلاغ عن الإساءة للجهات المختصة. وتعزيز الرقابة الأبوية على استخدام الأطفال للإنترنت لحمايتهم من المحتوى السلبى.

 

تكاتف الجهود

 

 

 

اختتمت الحزاوى حديثها بالتأكيد على ضرورة تضافر جهود الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الدينية للتصدى لهذه الظاهرة من خلال حملات توعية داخل المدارس والنوادى ومراكز الشباب، وتخصيص الخطب الدينية فى المساجد والكنائس للحديث عن أضرار التنمر وتعزيز دور المعلمين فى خلق بيئة مدرسية قائمة على التعاون والاحترام، لافتة إلى أن التنمر ليس مجرد مزحة، بل هو سلوك عدوانى يتطلب إجراءات حاسمة لمنعه، وضمان بيئة آمنة وصحية للجميع.

 

وأكدت الدكتورة ولاء شبانة، استشارى الصحة النفسية والخبير التربوى أن 71 % من الطلاب يتعرضون للتنمر فى المدارس وفقًا لدراسة أمريكية، و40 % من الموظفين يتعرضون للتنمر فى مكان العمل وفقًا لدراسة كندية، و25 % من الأطفال يتعرضون للتنمر الإلكترونى وفقًا لدراسة بريطانية.

وأشارت شبانة إلى أن التنمر يؤثر سلبًا على الأفراد ويؤدى لإصابتهم باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، والاضطرابات النفسية الأخرى. والعديد من المشاكل الصحية والجسدية مثل الألم المزمن والاضطرابات النومية، ومشاكل اجتماعية مثل العزلة والاستبعاد.

 وشددت شبانة على ضرورة وجود برامج توعوية حول مخاطر التنمر فى المناهج الدراسية وحملات إعلامية تهدف إلى توعية الجمهور حول مخاطر التنمر وبرامج تربوية تهدف إلى تعزيز مهارات التواصل، والتعامل مع التنمر.

 ومن جانبها أكدت الدكتورة سمر كشك، الخبيرة التربوية أن ظاهرة التنمر لم تعد محصورة فى المدارس فحسب، بل امتدت إلى الأسرة حيث أصبح التنمر بين الإخوة وبين الأزواج من أكثر الأشكال المؤلمة التى تهدد الاستقرار النفسى والاجتماعى، مشيرة إلى أن التنمر بأنواعه المختلفة سواء اللفظى أو البدنى أو النفسى، يتسبب فى أضرار نفسية عميقة قد تصل فى بعض الحالات إلى الانتحار، خاصة بين الأطفال والمراهقين.

وأكدت كشك أن منصات التواصل الاجتماعى خاصة تيك توك وانستجرام أصبحت بيئة خصبة لنشر ثقافة التنمر، حيث يقوم الأطفال والمراهقون بتقليد محتوى مسيء دون إدراك عواقبه، كما أن التنمر الإلكترونى أصبح أكثر انتشارًا حيث يسهل على المتنمرين إخفاء هوياتهم والتجريح فى الآخرين دون محاسبة.

 

دور الأسرة فى مواجهة التنمر

شددت كشك على أن الأسرة تلعب دورًا أساسيًا فى غرس قيم الاحترام والتسامح إلا أن بعض الآباء للأسف يكرسون التنمر دون قصد عندما يضحكون على سلوكيات أطفالهم المتنمرة، أو يستخدمون ألفاظًا ساخرة معهم، مثل التعليق على أوزانهم أو أشكالهم، مؤكدة أن الحل يكمن فى تصحيح سلوكيات الأطفال منذ الصغر وتنبيههم إلى خطورة التنمر وتعليمهم احترام الآخرين والابتعاد عن السخرية وفرض عقوبات واضحة داخل الأسرة ضد السلوكيات المسيئة وتعزيز ثقة الطفل بنفسه حتى لا يصبح عرضة للتنمر أو يلجأ إليه لتعويض نقص داخلى.

 ومن ناحية أخرى أكد الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن التنمر يعد شكلًا من أشكال التحرش والإيذاء، سواء بالقول أو الفعل وهو محرم شرعًا وفقًا للنصوص الدينية.واستشهد بقول الله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ» (الحجرات: 11). كما أشار إلى تحريم النبى محمد صلى الله عليه وسلم للأذى بكل أشكاله حيث قال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»، مما يؤكد على ضرورة احترام الآخرين وعدم الإضرار بهم.

التنمر ظاهرة لا تقتصر على عمر أو جنس محدد

وأوضح كريمة أن التنمر لا يقتصر على فئة عمرية معينة أو جنس بعينه، بل يمكن أن يكون ضد الأطفال والكبار الذكور والإناث على حد سواء، مشيرًا إلى أن الفئات الأكثر تعرضًا للتنمر هم ذوو الهمم والنساء ما يجعل مواجهته أمرًا ضروريًا لحماية حقوق الإنسان فى المجتمع.

الوعى الدينى أحد الحلول الفعالة

شدد الدكتور كريمة على أن غياب الوازع الدينى هو السبب الأساسى لانتشار التنمر، حيث إن المتنمر يفتقد إلى الشهامة والمروءة، وأكد أن الوعى الدينى الذى يعزز من قيمة احترام الإنسان هو أحد الحلول الفعالة لمكافحة هذه الظاهرة، وأهمية دور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية فى التوعية بخطورة التنمر.

مقترحات لمواجهة التنمر دينيًا وتعليميًا

واقترح أستاذ الفقة أن يتم توظيف الدروس الدينية بشكل دورى فى المساجد بالتنسيق مع وزارة الأوقاف لنشر الوعى بمخاطر التنمر وآثاره السلبية، داعيًا إلى إصدار نشرات توعوية مقروءة وإلكترونية من جانب المختصين وإعداد أبحاث علمية لتسليط الضوء على هذه الجريمة وتأثيراتها المجتمعية، لافتًا إلى ضرورة إدراج مواد تعليمية ضمن المناهج الدراسية تركز على احترام الآخرين خاصة «ذوى الهمم» وقبول الرأى الآخر دون ازدراء أو تنمر. كما طالب بأن يكون للمعلمين دور بارز فى التوعية سواء من خلال المقررات الدراسية أو عبر الأنشطة المدرسية مثل طابور الصباح.

حملات تشويه ممنهجة

أشار كريمة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى يمكن أن تكون أداة فعالة لمكافحة التنمر إذا استخدمت بشكل صحيح، لكنه حذر من أن بعض التيارات الفكرية المتأسلمة والسلفية والتى اتخذت التنمر على مخالفيها فى الرأى عبر حملات ممنهجة تهدف إلى التشويه والإساءة، واتهامهم بالتكفير والفسق والشرك، خاصة الجماعة السلفية والإخوان والدواعش، وهو ما يعد تدينًا مغشوشًا لا يراعى القيم الإسلامية التى تدعو إلى احترام كرامة الإنسان.

 حملات دينية وتعليمية شاملة

أكد الدكتور كريمة أن الحلول المؤقتة لا تكفى للقضاء على هذه الظاهرة، بل يجب تنفيذ حملات دينية وتعليمية مستدامة بمشاركة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنائس والمؤسسات التعليمية لضمان تأثير واسع ومستدام. كما طالب بسن تشريعات صارمة لمواجهة المتنمرين، وتعزيز ثقافة الاحترام والتسامح فى المجتمع.