أغانى (الغاوى) و(فهد البطل).. أسوأ من بعض!

محمد شميس
لا شك أن شهر رمضان أصبح موسمًا غنائيًا يتنافس فيه صناع الموسيقى بكل قوتهم لنيل إعجاب الجمهور. ففى هذا الشهر، يخصص المواطنون جزءًا كبيرًا من أوقاتهم لمتابعة الأعمال الدرامية وما تتخللها من إعلانات، مما فتح الباب أمام المغنين والموسيقيين لخوض منافسة قوية.
توفر التترات الدرامية وأغانى المسلسلات لصناع الموسيقى فرصة لتقديم محتوى مختلفًا عن الألبومات العاطفية المعتادة، إذ تتيح مساحة أوسع للتعبير عن موضوعات اجتماعية، سياسية، ودينية، بل وقد تكون وسيلة لنقد ساخر يعكس الأزمات والمشكلات التى يعانى منها المجتمع.
وعند تقييم جودة أى محتوى غنائى يُقدَّم فى هذا الشهر، لا بد من الالتزام بمجموعة من المعايير، من بينها أن تعكس الأغنية أحداث العمل الدرامى من حيث مضمون الكلمات والتناول الموسيقى. كما ينبغى ملاحظة الفرق بين ما يقدمه الفنانون فى ألبوماتهم وما يقدمونه فى موسم رمضان. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه الأغانى متوافقة مع الإطار الزمنى الذى تدور فيه أحداث المسلسل.
أول أغنية سنقوم بمراجعتها هذا العام هى (هما اللى باعوك) من مسلسل (الغاوى). ونظرًا إلى أن هذا المقال يُكتب قبل انطلاق مسلسلات رمضان، لا نعلم بعد ما إذا كانت هذه الأغنية هى التتر الرسمى للمسلسل أم لا، ولكن الأهم من ذلك كله أن الأغنية تبدو كمحاولة من «أحمد مكى» للعودة إلى الماضى. ربما تكون هذه العودة محاولة منه لطمأنة نفسه بشأن مستواه، إذ قام بإعادة إحياء أغنيته (أيام زمان)، التى صدرت فى ألبوم (أصله عربي) عام 2012. ولم يكتفِ «مكى» بذلك، بل استعان أيضًا ببعض مقاطع أغنية قديمة للرابر الفلسطينى «بيج سام». غير أن هذا المزج لم يكن متماسكًا على الإطلاق، وهو أمر منطقى، نظرًا إلى أن الأغنيتين منفصلتان أساسًا.
وليس هذا فحسب، بل إن الأغنية فى شكلها الحالى تبدو خارج سياق الراب المتعارف عليه، سواء من حيث أسلوب الأداء (الفلو)، أو استخدام القوافى، أو التوزيع الموسيقى، وحتى الهندسة الصوتية. وهذا متوقع، لأن الأغنيتين صدرتا منذ سنوات طويلة. كما أن «مكى» لم يذكر اسم «بيج سام» فى تفاصيل الأغنية على قناته فى يوتيوب، رغم أنه شارك فى الغناء. شخصيًا، عرفت ذلك لأننى متابع لموسيقى الراب، لكن من لا يتابع هذا النوع من الموسيقى قد لا يعرف هوية المغنى المشارك. بالإضافة إلى ذلك، لم يوضّح «مكى» من هو الموزع الموسيقى، سواء لأغنيته الأصلية أو لأغنية «بيج سام»، ولم يذكر أيضًا اسم كاتب وملحن الأغنية الفلسطينية، مكتفيًا بنسبة الألحان والكلمات إلى نفسه، وهو ما يُعد استيلاءً على حقوق «بيج سام»، لأن «مكى» لم يكتب الأجزاء التى أدّاها المغنى الفلسطينى.. فى المجمل، تُعد هذه البداية مخيبة للآمال، سواء بالنسبة لـ«مكى» أو للموسم الرمضانى بشكل عام.
أما بالنسبة للأغنية الدعائية لمسلسل (فهد البطل)، فهى أسوأ من أغنية (الغاوى). فعند تحليل كلماتها نجد أنها ليست فقط ساذجة، بل متناقضة أيضًا.
تبدأ الأغنية بجملة: «غول الأصول لو حضر»، وكلمة «غول» تشير إلى الكائن الخرافى الذى يتسم بالبشاعة والوحشية، فكيف يمكن الجمع بين «الغول» و«الأصول»؟ كيف لهذا التضاد أن ينتج تعبيرًا مفهومًا يُراد به مدح شخصية بطل العمل؟
ليس هذا فحسب، بل تقول الأغنية أيضًا: «فهد البطل ملحمة»، وكلمة «ملحمة» تعنى قصة شعرية طويلة مليئة بالأحداث، تروى غالبًا تاريخ شعب من الشعوب أو تحركات جماعات لبناء الأمة والمجتمع. فإلى أى «ملحمة» تشير الأغنية؟ هل هى ملحمة الضرب وتكسير السيارات و«الطلق ينزل مطر»، كما تقول الكلمات؟
أنا لا أحكم على العمل من الناحية الأخلاقية، سواء قبل مشاهدته أو بعدها، لكننى أتحدث عن استقامة المعنى ودقة التعبير. فالشخص «الغول» لا يعرف الأصول، والملحمة لا تُبنى بالبلطجة أو أخذ الحق بالقوة. كان من الممكن التعبير عن قصة العمل من خلال أغنية «راب» عنيفة فى ألفاظها، وهو ما قد يكون أكثر صدقًا فى إيصال الفكرة، لكن الكلمات التى استمعتُ إليها تثبت، دون أدنى شك، أن كاتبة الأغنية، «كوثر حجازى»، لا تفهم معانى الكلمات التى كتبتها.