الثلاثاء 11 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عادل إمام سنوات الصداقة وأسرار القطيعة! "الحلقة 6"

قبل صدور كتابه «عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصدمة وأسرار القطيعة» عن دار ريشة فى معرض الكتاب القادم.. يختص الأستاذ عادل حمودة صفحات روزا بنشر الفصول الكاملة لكتابه على حلقات، نشر بمثابة الحق للأستاذ عادل والحق عليه. حقه لأنه أحد أبرز نجوم روزا الكبار و«أقرب دليل» على صحوة المدرسة وصحتها.



 وحق عليه لأن بنيان كتابه دار جزء كبير منه على صفحات روزا وبالتالى فهى أحق بالنشر حتى قبل دور النشر.

وحتى لا توجه لـ«حمودة» تهمة «ازدراء عادل إمام» أو التجنى عليه.. عليك أن تقرأ فصول كتابه بعقل فعال لا منفعل.. وأن تفكر فى الوقائع ثابتة الحدوث لا فى النجم بعقل مهووس.

بالمناسبة.. اسمح لى أن أفاجئك: هذا ليس كتابا عن عادل إمام.. ولكنه عن «ظروف لولاها لصار عادل إمام كومبارس».

 عن جلسات ونقاشات ساخنة دارت بين قامات الفكر والفن والسياسة لم نعرف عنها غير القليل ولم ينشر منها سوى النزر اليسير.

عن مصر بين المنصورية والعمرانية. وعن أهواء النجومية وهواها. خلال الحلقات ربما ستعرف الكثير عن قواعد الصعود فى زمن ما.

عن روزا التى حكت كل شىء.. ولا تزال الحكاية- حتى اليوم- ابنة لألسنة أبنائها وأقلامهم.

عفوًا كنت أول من أطلق عليه «الزعيم»!

لِم هو الأكثر نجومية؟

لأنه ممثل بسيط. يؤدى بأسلوب سهل. يخاطب بشرًا يبحثون عن شخص يسعدهم ويخفف عنهم شدة الأيام وقسوة الأزمات ولو لبعض الوقت.. ربما. وربما.. ترى أيضًا أنه أخذ أكثر مما يستحق وأن حظه أكبر من موهبته.

ولكن.. لا تصدق أن متفرجًا واحدًا فى الدنيا يتحمل «البلف» أو «الغش» ويشترى تذكرة سينما أو مسرح بالإكراه.

إنه لم يحمل «جرسًا» ويتجول فى الشوارع داعيًا الناس إلى مشاهدة أعماله.

الناس هى التى تركض وراء الأفلام والمسرحيات وليست الأفلام والمسرحيات هى التى تركض وراء الناس.

هل رأيتم فيلمًا يخرج من دار العرض ويمسك بمتفرج من ثيابه ويرجوه أن يشاهده؟ 

هل رأيتم مسرحية تفعل ذلك أيضًا؟

إذن.. الناس هى التى مشت وراء «عادل إمام» حتى وصل إلى ما أصبح عليه.

لكن.. السؤال الصعب: كيف انتقل من «السنيد» الذى لا حول له ولا قوة إلى «سوبر ستار» يحكم ويتحكم؟

الحقيقة أن الانقلابات الحادة التى شهدتها وعاشتها وعانت منها مصر كانت فى صالحه ولولاها لبقى على حاله مجرد «مضحك» فى الدور المساعد.

بعد حرب أكتوبر سعى «السادات» إلى تغيير الخريطة الاجتماعية فى مصر.

أراد تكوين طبقة رأسمالية جديدة بعد أن قضى عليها «جمال عبدالناصر» بتأميم الشركات المصرية وتمصير الشركات الأجنبية ليكون «رأسمالية الدولة» التى أطلق عليها وهمًا اسم «الاشتراكية العربية».

فى الوقت نفسه سهلت الأحداث السياسية التغيرات الطبقية بما لم يتوقعه أحد.

سافر إلى دول النفط ملايين من المصريين فى المهن المختلفة وعادوا فى إجازات صيفية بفائض مال سمح لهم بالترفيه عن أنفسهم من قسوة الغربة وصعوبة الوحدة هناك وكانت الكوميديا الوسيلة المناسبة والمريحة والمفضلة لهم بغض النظر عن مستواها ودون الاهتمام بمن يقدمها ونال «عادل إمام» نصيبًا وافرًا من الظاهرة بل واستفاد منها أكثر من غيره. 

وبسياسة الانفتاح الاقتصادى العشوائى ظهرت جماعات من المهربين الصغار جرت النقود فى أيديهم بوفرة وبسهولة أضيفوا إلى رصيد جمهور الأعمال المسلية باختيار أعمال تناسب مستواهم الثقافى المتواضع ومن ثم قادتهم أقدامهم إلى مسرح «عادل إمام».

وبانقلاب الهرم الاجتماعى الذى سحق الطبقات المثقفة وأفقرها وسخر منها وأنعش طبقات المهن الحرفية وأغناها، تغيرت خطط منتجى السينما والمسرح لتستوعب الزبائن الجدد وتستفيد منهم بأن ترضيهم بأعمال تناسبهم ويسهل هضمها إلى جانب الطعام الذى يحملونه معهم وهم يشاهدون الفيلم أو المسرحية.

تضاعف الإقبال على «عادل إمام» الذى عكست أعماله شخصية الإنسان الفقير الذى ينتصر على كل من يقف فى طريقه حتى يصبح سيدًا مطاعًا.

إنه نفس حلم جمهوره البسيط الذى وجد نفسه فيه.

فى الوقت نفسه بدأت السينما تواجه هذه الظاهرة بأفلام مضادة وإن لم تخل من الاستغلال التجارى لها.

لقد أصبح جامع القمامة عنتر (محمود ياسين) صاحب عمارات لم يستطع جلال (حسين فهمي) أن يحصل على شقة فيها لضعف إمكانياته المالية رغم درجاته العلمية المرتفعة وبسهولة ينجح عنتر فى الزواج من خطيبته عايدة حسب سيناريو فيلم «انتبهوا أيها السادة» الذى أخرجه «محمد عبدالعزيز» فى عام 1980.

 وفى فيلم  «الحب وحده لا يكفي» الذى أخرجه «على عبدالخالق» فى عام 1980 يعجز العاشقان مدحت (نور الشريف) وعبير (ميرفت أمين) عن الزواج رغم حصولهما على شهادات جامعية ولم يكن أمام مدحت سوى العمل فى البناء بينما عملت عبير فى تسوية أظافر النساء ليتمكنا من الحصول على شقة ويتزوجا.

وسنجد هذه القضية بأسلوب آخر فى فيلم «الحب فوق هضبة الأهرام» الذى أخرجه «عاطف الطيب» عن قصة «نجيب محفوظ» فى عام 1986 حيث سنجد شقيقة البطل «أحمد زكي» تتزوج من صاحب ورشة دون أن تكمل تعليمها بينما هو الحاصل على شهادة جامعية لا يجد مكانًا يمارس فيه حياته الخاصة بعد زواجه سرًا ممن يحب (آثار الحكيم) سوى هضبة الهرم لينتهى به الحال فى السجن مرتكبًا فعل فاضح علنًا. 

وسادت بين الناس تعبيرات ساخرة مثل «البيه البواب» و«الدكتور السباك» وأصبح الميكانيكى «هندسة» أو «هندذة».

 أقبلت الطبقة الجديدة الصاعدة على تدخين السجائر الأمريكية وحمل حقيبة يد «سمسونايت» فارغة من باب ادعاء الوجاهة ولو بالتزوير وسخرت من المثقفين وأهانتهم واستهزأت بالشهادات الجامعية التى لا تكفى الخبز الحاف بينما الصنعة تحقق كل الأحلام وفى الوقت نفسه لم تترك هذه الطبقة المتواضعة المعرفة عملًا يقدمه «عادل إمام» إلا وأقبلت عليه مهما كان ثمن الفرجة عليه. 

ونافست «عادل إمام» على عرش السينما التجارية متعجلة الصنع «نادية الجندي» التى كانت النسخة الأنثوية منه. 

لم تتمتع بسحر «نادية لطفى» ولم تقترب من موهبة «سعاد حسنى» ولم تتفوق على «هند رستم» فى أدوار الإغراء ودخلت السينما بزواجها من نجم بدأ يأفل هو «عماد حمدى» ولكنها أصبحت «نجمة الجماهير» كما أطلقت على نفسها بعد التغيُّرات الاجتماعية التى غيرت من هوية جمهور الفيلم.

كانت النموذج الحلم لفتيات متواضعات التعليم قليلات المال وجدن فيها الأمل فى الصعود حتى لو خلال وقت مشاهدة أفلامها فقط. 

تبدأ «خادمة» وتنتهى «سيدة قصر». 

تبدأ متواضعة الحال وتنتهى «امرأة فوق القمة» أو «امرأة هزت عرش مصر» أو تنتهى على الأقل «امبراطورة». 

وتتعرى الظاهرة حتى تسقط ورقة التوت عن عورة السينما عندما يلتقى «عادل إمام» و«نادية الجندي» معًا فى فيلم «خمسة باب» المقتبس من فيلم «إيرما الغانية».

الفيلم أجيز رقابيا فى عام 1983 ولكن بعد أسبوع واحد رفعه منتجه «محمد مختار» وكان زوج «نادية الجندي» من دور العرض بقرار من وزير الثقافة «عبدالحميد رضوان» لأنه «مخل بالآداب» ولجأ إلى القضاء لكنه ربح القضية بعد ثمانى سنوات. 

وبظهور «أحمد عدوية» الذى غنى «عبد الحليم حافظ» إحدى أغانيه اكتمل المثلث.

ولم يتردد «عادل إمام» فى قبوله ليلعب دورًا فى بعض أفلامه ليستفيد من شعبيته.

تغير الجمهور فلِم لا يتغير البطل؟

سألته:

ــ هل تخيلت يومًا أنك ستصبح سوبر ستار؟

جاء السؤال فى حوار جماعى معه شارك فيه عدد من محررى روزاليوسف منهم «عاصم حنفى» و«عمرو خفاجى» و«محمد هاني» ورسام الكاريكاتير «جمعة» ونشر على ثمانى صفحات فى عدد يوم 21 فبراير 1994.

أجاب: 

ــ أبدًا ولم أخطط لذلك فى حياتى. الناس هى التى جعلتنى كذلك. وكل دورى أننى حافظت على نفسى.

ــ كيف؟

ــ هناك حادثة أذكرها و«سمير خفاجي» شاهد عليها. فى أحد مسلسلات «رمضان» زمان وكان يخرجها «محمد سالم» اتفقوا معى على تصوير 22 حلقة مقابل 400 جنيه وكان المبلغ ثروة بالنسبة لى وقتها لأنه لم يكن معى ولا مليم. 

يضيف:

ــ المهم ذهبت بالفعل وصورونى فى «التيترات» وفى أول مشهد كان التصوير فى قهوة ومعى «سعيد صالح» و«سمير غانم» و«الضيف أحمد» و«جورج سيدهم» و«سهير الباروني» و«أحمد نبيل» و«عبدالسلام محمد» و«محمد رضا» كلنا فى «شوت» واحد وقبل أن أنطق بكلمة وجدت «محمد رضا» يمد يده على «عبدالسلام محمد» كما تعود وانطلقت «سهير الباروني» تغنى «على مين يا بتاع الفركيكو» التى اشتهرت بها وكل هذا بالطبع غير مكتوب فى المشهد وأنا لا أدرى ماذا أفعل فقلت «ستوب» وبالطبع لم يعجب هذا أحدًا فقلت لـسعيد صالح: «أنا مش قادر أعمل حاجة هنا أنا هاروح» وبالفعل مشيت دون أن أندم على المبلغ الذى كنت سأتقاضاه. 

ــ هل هذا هو الذكاء الفنى؟

ــ ليس ذكاء. هذا إحساس. وفى تصورى أن الفنان لا يمكن أن يكون غبيًا وكذلك الكاتب مثلا.

أنا ظللت عامين بعدما احترفت التمثيل ليس فى جيبى مليم واحد رغم أنى كنت مسئولًا عن أسرة. وقتها كنت قدمت فيلم «مراتى مدير عام» ومسرحية «حالة حب» ولم يطلبنى أحد بعدهما لفترة فى أى عمل ومن ناحيتى لم أذهب إلى منتديات المخرجين والممثلين وكنت أزور أصحابى فى الحلمية مشيا على الأقدام من الجيزة.

الحقيقة أن ما قاله يستحق بعض المراجعة ولو فيما بعد.

لكنه بعد شهرته التى نالها فى مسرحية «مدرسة المشاغبين» أقنع «سمير خفاجي» بأنه أصبح قادرًا على القيام ببطولة مسرحياته بمفرده.

فى عام 1984 قدم مسرحية «الواد سيد الشغال» التى كتبها «سمير عبدالعظيم» وأخرجها «حسين كمال».

بعد مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» قدم مسرحية «الواد سيد الشغال» التى كتبها «سمير عبد العظيم» وأخرجها «حسين كمال» وعرضت فى عام 1984.

لعب «عادل إمام» دور «سيد» الهارب من تنفيذ عقوبة نصب من أصحاب شركات توظيف الأموال ويقنعه خاله «الطباخ» بالعمل معه فى بيت أحد الأثرياء.

عند طلاق ابنه الثرى للمرة الثالثة يتم اختيار «سيد» ليكون محللًا لكنه يشترط أن تنتقل معه إلى البدروم حيث يسكن وبالطبع تقع فى حبه وتشيد بفحولته ويسعد جمهوره بخشونته ورجولته. 

بالقطع ظاهرة المحلل ظاهرة تناولتها السينما منذ زمن الأبيض والأسود فى أكثر من فيلم بل لفت النظر أن «عادل إمام» فى وقت عرض المسرحية لعب دور المحلل فى فيلم «زوج تحت الطلب» الذى يتزوج فيه أكثر من امرأة لليلة واحدة لتحل لزوجها بعد الطلقة الثالثة حتى يقع فى حب واحدة منهن (ليلى علوى).

القصة نفسها يمثلها البطل نفسه فى الوقت نفسه وبالأسلوب نفسه.

يمكن القول بأن «عادل إمام» الذى تقع فى غرامه عدة نساء فى فيلم واحد أراد أن يعوض سنوات الممثل السنيد الذى لا تميل إليه النساء.

تحايل على دور «الجان» الذى حرم منه ولا يحمل مواصفاته التى تمتع بها «رشدى أباظة» و«نور الشريف» و«محمود عبدالعزيز» مثلا. 

لكن للإنصاف فإن الجمهور لا يهمه الدور الذى يلعبه ولا السيناريو الذى يمثله ولا الممثلة التى تقف أمامه وإنما يهمه الفرجة عليه وهو يأكل «الفشار».

كيس «فشار» بين يديه ومسرحية «فشار» أمامه والليلة كلها فشار فى فشار. 

إنه متفرج يريد أن يضحك ويتسلى ويأكل ويلقى بالقمامة وهو فى مقعده يأكل ما يحضره معه.

ولكن فى عام 1993 بدأ «عادل إمام» يشعر بالخطر من أن يفقد قدرته على إضحاك المتفرج البسيط بعد أن أصبحت حركاته متكررة ومحفوظة ومتوقعة ومملة.

وفى عام 1993 عرض «عادل إمام» مسرحية «الزعيم».

فى ذلك العام قرر أن يأخذ المسرح بجدية أكثر وعرض فى ذلك العام مسرحية «الزعيم» وكان شديد الفخر بها ويطير فى الهواء وهو يتحدث عنها. 

المسرحية كتبها «فاروق صبري» وأخرجها «شريف عرفة» وتكاد تكون صياغة مختلفة لفكرة أساسية واحدة مقتبسة من مسرحية «الملك هو الملك» كتبها «سعد الله ونوس» ونشرت ومثلت فى سوريا.

ولكن «سعد الله ونوس» نفسه اقتبسها من «ألف ليلة وليلة». 

كما أن هناك أعمالا أجنبية مشابهة تدور حول شخص فقير مطحون تضعه الظروف فى أعلى سلطة ويصبح حاكمًا أو ملكًا أو زعيمًا أو رئيسًا وما أن يمتلك السلطة ويقبض عليها حتى يتصرف مثل الذين انتقدهم واعترض عليهم وتمنى إسقاطهم.

من جديد نكرر لا يهم جمهور «عادل إمام» سوى الفرجة عليه.

لكن فى «الزعيم» نجد مؤلف المسرحية يقتبس الكثير من سلوكيات العقيد «معمر القذافي» مما قرب الشخصية إلى أذهان المتفرج فشعر أنها شخصية حقيقية.

مرة أخرى نكرر إن جمهور «عادل إمام» لا يهمه النص ولا الديكور ولا الإخراج وكل ما يهمه هو الفرجة عليه.

كما أن الارتجال والخروج عن النص يجعل مسرحياته تتغير بعد أسابيع قليلة من عرضها.

لو شاهدت إحدى مسرحياته فى أول يوم ستجدها مختلفة عنها فى آخر يوم.>