الأربعاء 16 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

غضب متزايد فى السعودية تجاه ترامب ونتنياهو رفض عربى واسع لمقترحات ترامب التى تزعزع أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط

وضعت مقترحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية بَعد عقود من الاستقرار النسبى عاشته المنطقة لعقود من الزمن بعد توقيع معاهدات السلام بين كل من مصر والأردن من جهة والكيان الإسرائيلى من جهة ثانية، إلاّ أنه فيما يبدو أن تلك المعاهدات التى أبرمت بوساطة الولايات المُتحدة الأمريكيّة لم تكن كافية لتَخلّى اليمين الإسرائيلى المتطرف عن أوهامه المزعومة بعدما وجد فى الرئيس الأمريكى «المأفون الأرعن» دونالد ترامب ضالته.



خطط ترامب المزعومة لم تقف عند حد تهجير الشعب الفلسطينى إلى مصر والأردن؛ بل أوحت لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو  الذى يطمع فى حصد كل المَكاسب دون تقديم أى تنازلات   بالمُطالبة  بتهجير أهل غزة إلى المملكة العربية السعودية وبإيعاز من دونالد ترامب الذى لاقت اقتراحاته استهجانًا واسعًا فى العالم العربى، وأغلقت البابَ أمام فرص التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهو الذى كان ينظر إلى اعتراف المملكة العربية السعودية بإسرائيل، إن حصل، على أنه جائزة كبرَى للدبلوماسية الأمريكية فى الشرق الأوسط التى تهدف إلى تهدئة التوترات المزمنة فى المنطقة، لكن السعودية، أكبر دولة مُصدّرة للنفط فى العالم وأكبر اقتصاد فى الشرق الأوسط، لا يمكن أن تقبل بزعزعة الاستقرار بجوارها الجغرافى فى حال استقبلت مصر والأردن أعدادًا كبيرة من السكان المُبعَدين من قطاع غزة، فماذا لو كانت عناصر عدم الاستقرار تسكن أراضيها؟ وهى التى ترَى أن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن سيضعف دولتين أساسيتين وركيزتين للاستقرار فى المنطقة ولأمنها القومى. وجاء رَد الأمير تركى الفيصل، سفير المملكة الأسبق لدى واشنطن ولندن، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، سريعًا وحاسمًا على خطة ترامب فى مقابلة مع شبكة سى إن إن، على ما إذا كان يرى أن تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل قد يَحدث بعد اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة نحو الأردن ومصر أو دول أخرى، قائلاً: لا، على الإطلاق (لن يحدث التطبيع)، مضيفًا: لقد أصدرت وزارة خارجيتنا بيانًا يرفض ما صدر عن واشنطن فى الأيام الأخيرة، وكان هذا موقف المملكة العربية السعودية منذ البداية، وحتى قبل السابع من أكتوبر.

وقد جدّدت المملكة رفضَها القاطع للتصريحات الإسرائيلية المتطرفة بشأن تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، مشدّدةً على مركزية القضية الفلسطينية لديها، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلاّ بقبول مبدأ التعايش السلمى من خلال حل الدولتين.. جاء ذلك خلال الجلسة التى عَقَدها مجلس الوزراء السعودى برئاسة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، فى الرياض مساء الثلاثاء الماضى، وتتضمن الرسائل السعودية الصارمة والمتعاقبة خطابًا لإسرائيل يربط أى خطوة للتطبيع معها بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهو ما أعلنته الرياض أكثر من مَرّة، وسيتخذ طابعًا أكثر حسمًا عندما يأتى فى سياق قرارات القمة العربية الطارئة ثم الدورية، وهى خطوة تضع الكرة فى ملعب إسرائيل، وتختبر النوايا الحقيقية للرئيس الأمريكى تجاه تصوره للسلام فى المنطقة.

الموقف القوى الذى اتخذته الدبلوماسية السعودية أعطى زخمًا للموقفين المصرى والأردنى؛ اللذين يحتاجان إلى  قوة تأثير المملكة وأدواتها فى خَلق هامش سياسى لصَدّ ما يريد فرضه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؛ خصوصًا أن ترامب لن يستطيع  تجاهل الرفض «المصرى- السعودى- الأردنى»، وأن أى محاولة لفرض واقع جديد فى غزة ستواجه برفض عربى وإسلامى واسع، فضلاً عن الاعتراض الأوروبى والدولى، فالمجتمع الدولى يَعتبر غزة أرضًا محتلة، مما يجعل أىَّ محاولات لفرض سياسات أحادية الجانب أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وأىَّ محاولة للضغط أو فرض حلول دون معالجة هذه الأوضاع ستؤدى إلى نتائج عكسية وزيادة التطرف بدلاً من الاستقرار، وأن الحل الأمثل لقضية غزة لا يكمن فى سياسة التهديد؛ بل يكمن فى تطبيق القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة  بالطرق الدبلوماسية والشراكة الإقليمية والدولية التى تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الصراع  وتأثيراته، فالولايات المتحدة تمتلك نفوذًا كبيرًا لكنها لا تستطيع فرض حلول مستدامة بالقوة وحدها، مما يجعل من الضرورى العمل على استراتيجيات أكثر شمولية واستدامة تأخذ فى الاعتبار مختلف الأطراف الفاعلة فى المنطقة وتبدأ فى تطبيق مقرّرات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وصولاً لحل الدولتين، وهو المَطلب الذى أجمع عليه العالم، وبذلك يمكن تحقيق الاستقرار الذى يلبى تطلعات جميع الأطراف بدلاً من تعميق حالة عدم الاستقرار. 

فهل يدرك ترامب أن الصراع «الفلسطينى- الإسرائيلى» ليس مجرد نزاع جيوسياسى يمكن حله عبر الضغط الاقتصادى؛ بل هو نزاع متشابك وأى تصعيد فى الضغط قد يؤدى إلى انفجار المنطقة بكاملها بدلاً من الوصول إلى حل سياسى يحقق الأمن للجميع؟.

وأعلنت مصادر دبلوماسية خليجية مطلعة لمجلة «روزاليوسف»  أنه لمواجهة مقترحات ترامب  وتشكيل موقف عربى رافض وصارم تستضيف العاصمة السعودية الرياض الخميس المقبل الموافق 20 من الشهر الجارى قمة خماسية، تضم قادة مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن؛ لتنسيق المواقف قبيل انعقاد القمة العربية  الطارئة فى القاهرة فى 27 فبراير، وفى الوقت نفسه؛ أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى السعودية، فى إطار مساعيه لوضع حد للغزو الروسى لأوكرانيا، لكن لم يتحدّد موعد قمة «ترامب- بوتين» هل تكون قبل القمة الخماسية أمْ بعدها. وشنت وسائل الإعلام السعودية طيلة الفترة الماضية حملة انتقادات حادة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وذلك بعد تصريحاته التى اقترح فيها إنشاء دولة فلسطينية فى السعودية؛ لتصفه منابر سعودية بأنه صهيونى متطرف، وتساءلت بعض البرامج التليفزيونية عن حالته العقلية، ووصفت تعليقاته بأنها سخيفة.

وعكست الحملة الإعلامية غضبًا متزايدًا فى السعودية تجاه نتنياهو؛ خصوصًا فى ظل المناقشات المستمرة حول إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. إذ تصر الرياض على أن أىَّ خطوة نحو التطبيع يجب أن تتضمن تقدمًا حقيقيًا نحو حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

بالإضافة إلى ذلك، يشعر المسئولون السعوديون بالاستياء من افتراضات نتنياهو وحلفائه بأن المملكة قد تقبل بشروط تطبيع أقل من مَطلبها الأساسى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وهذا الاستياء انعكس فى التغطية الإعلامية السعودية، التى أصبحت أكثر انتقادًا لنتنياهو وسياساته.

وقال الكاتب طلال القشقرى، فى مقال بصحيفة المدينة: كان التهجير القسرى سمة الحرب العالمية الثانية، وأكبر من انتهجه هو النظام النازى فى ألمانيا، بقيادة أدولف هتلر، وأكبر مَن وقع ضحية له اليهود، وأكبر مَن قاومه الولايات المتحدة.. وأضاف:  للأسف الشديد، يتبنى الضحية السابق والمقاوِم السابق هذا التهجير بعد أن هاجماه لعقود، واتهما كل مَن يتبناه بالتطهير العرقى، وها هما يخططان معًا لتهجير فلسطينيى غزة، ووالله، وتالله، وبالله، لو فكّر إبليس نفسه فى سيناريو للتهجير؛ لما كان فى وسعه ابتكار سيناريو آخر بمِثل فظاعته، ولقال للإسرائيليين والأمريكيين بلسانه المُلوَّث والعَفن: (عفارم) عليكما، وأنا فى حضرتكما من الدارسين.

وأكد «القشقرى» أن التهجير مرفوض من الدول العربية، وعلى رأسها المملكة، والمجتمع العربى والإسلامى والدولى المُنصِف مُطالَب بالتصدى لمِثل هذه الخطط الشيطانية، والذى يتحمل مسئولية إعادة إعمار غزة هو مَن دمرها بطريقة مباشرة، وغير مباشرة وبأمواله.

 

لم يتوقف سَيل مقالات الرأى المتضامن مع موقف المملكة الرافض لتهجير الفلسطينيين، وكان أبرزها مقال رأى عضو مجلس الشورى يوسف بن طراد السعدون الذى قال يمكن تقسيم غزة لأقسام بحيث يعاد إعمار كل قسم على حدة، دون أىّ تهجير جزئى أو شامل وضمن بقاء الفلسطينيين فى وطنهم، كى يساهموا بسواعدهم فى إعمار ما تهدّم، وإن كان اليهود قد هاجروا من أوروبا فعودتهم إليها هى الأولى.

ووصف الكاتب طارق الحميد الأحد، فى مقال بصحيفة الشرق الأوسط مقترح ترامب بأنه فكرة مربكة ومجنونة، مؤكدًا أنها غير قابلة للتنفيذ.

أمّا الكاتبة السعودية وفاء الرشيد؛ فكتبت فى صحيفة المدينة مقالاً أوضحت فيه أن تصريحات ترامب الأخيرة كشفت لنا الوجه الحقيقى للسياسات الاستعمارية الأمريكية؛ حيث اقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الدول المجاورة، متجاهلاً كل القوانين والأعراف الدولية، وساعيًا لتنفيذ نكبة جديدة تحت غطاء مشاريع التجميل الاستيطانية.

 

وبعبارات صريحة وصف الكاتب والصحافى الأمريكى المخضرم توماس فريدمان مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتهجير سكان غزة إلى دول الجوار بـ«مبادرة السلام الأكثر غباءً وخطورةً فى الشرق الأوسط على الإطلاق»، وقال فريدمان فى مقالته الأسبوعية بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بعنوان «ما هو أكثر إثارة للرعب فى هذيان ترامب حيال غزة»، إنه إذا حاولت إدارة ترامب إجبار الأردن ومصر أو أية دولة عربية أخرى على قبول الفلسطينيين الذين يعيشون فى غزة، وقيام الجيش الإسرائيلى بجمعهم ونقلهم؛ فسيؤدى ذلك إلى زعزعة التوازن الديموغرافى فى الأردن بين سكان الضفة الشرقية والفلسطينيين، وزعزعة استقرار مصر وإسرائيل على حد سواء.