الأربعاء 16 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عادل إمام سنوات الصداقة وأسرار القطيعة! "الحلقة 2"

قبل صدور كتابه «عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصدمة وأسرار القطيعة» عن دار ريشة فى معرض الكتاب القادم.. يختص الأستاذ عادل حمودة صفحات روزا بنشر الفصول الكاملة لكتابه على حلقات، نشر بمثابة الحق للأستاذ عادل والحق عليه. حقه لأنه أحد أبرز نجوم روزا الكبار و«أقرب دليل» على صحوة المدرسة وصحتها.



 وحق عليه لأن بنيان كتابه دار جزء كبير منه على صفحات روزا وبالتالى فهى أحق بالنشر حتى قبل دور النشر.

وحتى لا توجه لـ«حمودة» تهمة «ازدراء عادل إمام» أو التجنى عليه.. عليك أن تقرأ فصول كتابه بعقل فعال لا منفعل.. وأن تفكر فى الوقائع ثابتة الحدوث لا فى النجم بعقل مهووس.

بالمناسبة.. اسمح لى أن أفاجئك: هذا ليس كتابا عن عادل إمام.. ولكنه عن «ظروف لولاها لصار عادل إمام كومبارس».

 عن جلسات ونقاشات ساخنة دارت بين قامات الفكر والفن والسياسة لم نعرف عنها غير القليل ولم ينشر منها سوى النزر اليسير.

عن مصر بين المنصورية والعمرانية. وعن أهواء النجومية وهواها. خلال الحلقات ربما ستعرف الكثير عن قواعد الصعود فى زمن ما.

عن روزا التى حكت كل شىء.. ولا تزال الحكاية- حتى اليوم- ابنة لألسنة أبنائها وأقلامهم.

كيف كان الانقلاب الأول؟

بدأ «عادل إمام» التمثيل وهو طالب فى المدارس الثانوية التى تعلم فيها وما أن دخل كلية «الزراعة» جامعة «القاهرة» حتى سأل عن فريق التمثيل قبل أن يسأل عن جدول المحاضرات، فهو لا يجد نفسه فى التمثيل فقط وإنما كان الفوز بكأس الجامعة فى التمثيل يعفيه من المصروفات التى كانت 24 جنيهًا سنويًا ويوفر على والده الكثير.

 

فى الوقت نفسه أقنعه زميله فى الكلية «صلاح السعدنى» بالبحث عن فرصة أفضل فى التمثيل عبر إحدى فرق «مسرح التليفزيون».

يقول «محمود السعدنى»:

«ولعل الفضل فى ظهور هذا الجيل (من المضحكين) يرجع إلى مسرح التليفزيون فهو بسياسة «اليغمة» وفتح الباب على «البهلى» سمح لهؤلاء بالدخول والظهور ولقد كان عادل إمام وصلاح السعدنى طلبة فى كلية الزراعة وبالطبع لو لم يظهر مسرح التليفزيون لكان الاثنان معا يعملان فى برارى سندبيس أو صحارى الوادى الجديد وكان سعيد صالح موهوبا متشردا هاربا من الدراسة شديد الضيق بها هائما على وجهه يبحث عن نفسه ولا شك أنه وجد نفسه فجأة فى مسرح التليفزيون» المضحكون صفحة 166. 

انطلق «مسرح التليفزيون» فى عام 1960 لملء ساعات من البث فى «ماسبيرو» بمسرحيات تراجيدية وكوميدية.

وساهم «مسرح التليفزيون» فى الكشف عن مواهب أكثر من جيل جديد من الكتاب والمخرجين والممثلين مثل «حسين كمال» و«جلال الشرقاوى» و«عادل إمام» و«سعيد صالح» و«صلاح السعدنى» وجدوا فرصهم إلى جانب نجوم الصف الأول مثل «فؤاد المهندس» و«سميحة أيوب» و«نعمان عاشور» و«سعد الدين وهبة» و«سعد أردش». 

استفاد «عادل إمام» من مجانية التعليم ليحصل على شهادة جامعية واستفاد من مسرح التليفزيون الحكومى ليعبر عن نفسه وليكشف عن موهبته واستفاد من وجود جيل من المبدعين يشعرون بمتعة خاصة فى اكتشاف المواهب دون واسطة أو رشوة أو محسوبية. كانوا قضاة عادلين وحكاما منصفين ورعاة حقيقيين. 

لولا هذه الظروف ما تجاوز مستقبل «عادل إمام» حدود الأحياء المتواضعة التى ولد وتربى وكبر وعاش فيها ولم يكن مصيره ليتجاوز مصير أقرانه هناك.

ولا شك أن الغرور الذى يفرضه على الآخرين أحيانا سببه متاعب سنوات طوال من المعاناة ابتلع فيها ما يؤلم وما يجرح ولكنه لم يتجاوزها رغم شهرته وثروته وشعبيته.

إن السنوات الأولى فى الحياة تطاردنا مهما حاولنا الفرار منها.

لكن السنوات الأولى فى التمثيل تحتاج إلى خبراء يكشفون عما يشعر به الفنان من موهبة حقيقية ربما لا يستطيع الكشف عنها بنفسه. 

هذا حدث مع «عادل إمام». 

كان فى يقينه أنه ممثل تراجيدى وأقنعه بذلك الأدوار التى أداها على مسرح الجامعة حين كان رئيسا لفريق التمثيل فى كليته.

أدى دور «أحمس» القائد الفرعونى محرر البلاد من الهكسوس.. تخيلوا.

وأدى دور «سورن» فى مسرحية «النورس» التى كتبها «أنطون تشيكوف» عام 1895 وهو دور رجل احتفظ بعذريته حتى تجاوز الستين ثم قرر الاستمتاع بحياته فراح يسكر ويعربد ويطارد النساء ويفرط فى التدخين وينام فى عرض الطريق.

فازت المسرحية بكأس الجامعة ولكن دون تحديد الممثل الأفضل لتعدد أبطال المسرحية.  بهذه الخبرة الدرامية تصور نفسه ممثلا تراجيديا.

لكن كانت المشاهد الجادة التى يؤديها تضحك من حوله.

يندمج فى مشهد مبكى وينتظر التصفيق بعده ولكنه يفاجأ بضحكات تهز الصالة.

ما سر هذا الفشل؟ 

أمام لجنة الاختبار فى مسرح «التليفزيون» المكونة من الممثلين «محمد توفيق» و«محمد السباع» و«عبدالمنعم مدبولى» أجمعت على أنه لا يصلح للدراما تماما وبالكاد يمكن أن يلعب دورًا كوميديًا ثانويًا.

إن نحافته وغياب الوسامة عنه وضعف حباله الصوتية وتركيبه النصف العلوى من جسمه أسباب حرمته من أن يكون نجمًا تراجيديًا ولم يكن أمامه سوى القبول بما يعرضون عليه من أدوار لا يملك ولا يجرؤ الاعتراض عليها.

وربما أختلف مع هذا الرأى فكثير من المشاهد الدرامية أداها «عادل إمام» ببراعة تتجاوز قدرته الكوميدية بل إن أسلوبه فى الضحك فقد بالتكرار تأثيره بينما منحته جدية الأداء عمرا أطول فى السينما لكن ما قرره الخبراء فى بداية مشواره كان يجب احترامه.  

تقرر أن يتقاضى عشرين جنيها راتبا شهريا وهو مبلغ يتجاوز راتب خريج الجامعة الذى كان لا يزيد كثيرا على سبعة عشرة جنيها ولكن عندما طلبوا منه مسوغات التعيين وشهادة تأدية الخدمة العسكرية اكتشفوا أنه لا يزال طالبًا فتجمد العقد وأصبح الأجر بالقطعة أو اليومية حسب الدور.

ولا شك أن السماء كانت كريمة معه حين منحته موهبة الكوميديا التى تقصرها عادة على عدد محدود جدا من الممثلين فى الجيل الواحد بخلاف موهبة التراجيديا التى تصرفها بلا حساب.

من السهل جلب النكد ومن الصعب إشاعة الفرح هذه حقيقة درامية خالدة.

لكن «عادل إمام» لم يعرف فى البداية سر هذه المنحة المميزة التى نالها ولم يعرف أن ملامح وجهه وعدم تجانس جسمه إلى حد ما هما تعويذة نجاحه إلا فيما بعد.

 بدأ «عادل إمام» مشواره الفنى فى عام 1960 حين اختاره «فؤاد المهندس» ليمثل دورًا ثانويا فى مسرحية «سرى جدا» التى تكاد تكون مسرحية مجهولة أو مهجورة حتى أنه لم يشر إليها أبدا. 

بعد ثلاث سنوات لعب دورا لا يزيد على دقيقة واحدة فى مسرحية «ثورة قرية» عن قصة «محمد التابعى» وأعدها للعرض «عزت العلايلى» وأخرجها «حسين كمال».

لعب دور بائع حلوى شعبية رخيصة ولم يردد سوى جملة واحدة:

«حلاوة عسلية بمليم الوقية».

كانت أول جملة نطق بها على المسرح.

ولكن الجمهور لم ينتبه إليه وهو يتحرك وسط زحام مجاميع المولد.

كانت المسرحية من إنتاج «مسرح التليفزيون» الذى أنشأ 6 فرق على مدى 3 سنوات قدمت 18 عرضا فى موسم واحد.

اختار «صلاح السعدنى» فرقة تراجيدية أما «عادل إمام» فاختير للفرقة الكوميدية بنصيحة من شيخ الممثلين «محمد توفيق» قائلا:

«يا بنى أنت كلك على بعضك مضحك».

ودعم رأيه «حسين كمال» العائد من بعثة دراسية فى المعهد العالى للسينما فى باريس (الأديك).

وانضم إليهما «عبدالمنعم مدبولى» المؤمن بنظرية «الضحك للضحك» أو «المدبوليزم» لكنه هوجم بشدة من نقاد النظام لعزل البسمة عن النظام الاشتراكى السائد فى حالة نادرة من النفاق السياسى لم يسبق لها مثيل. 

فى العام نفسه اختاره «حسين كمال» ليلعب دور «كومبارس» فى مسرحية «ثورة قرية».

بجرأته المعتادة هب فى وجه «عادل إمام» قائلا:

ــ انسى شكسبير وانسى موليير وانسى تشيكوف وامشى ورايا.

وبحثًا عن فرصة مهما كانت مهينة استسلم «عادل إمام» إليه لينطق جملة وحيدة فى المسرحية عن العسلية.

كان عليه أن يأتى قبل رفع الستار بساعتين ثم ينتظر نصف ساعة قبل أن ينطق الجملة العابرة ثم ينتظر حتى نهاية العرض ليكون تحت طلب المخرج ثم يعود إلى بيته بعد منتصف الليل سيرًا على الأقدام لخلو جيبه من ثمن تذكرة الأتوبيس فى حالة إنسانية تستحق الاحترام.  

لكن هذه الجملة فتحت الطريق أمامه كما فتحت جملة واحدة نطق بها «محمود ياسين» فى فيلم «شىء من الخوف» الطريق أمامه هو الآخر. 

كانت جملة «محمود ياسين»:

«والله ولبستنى جلبية العيب يا شيخ إبراهيم». 

سمعت القصة من «حسين كمال» نفسه الذى وصف «عادل إمام» بأنه «مضحك بالسليقة لكنه إذا لم يتقن الدور الذى يؤديه أو يؤديه دون تجديد أو دون اهتمام يصبح ثقيل الظل».

فى السنة نفسها اختاره «فؤاد المهندس» أيضا ليؤدى دور «دسوقى أفندى» سكرتير المحامى فى مسرحية «أنا وهو وهى».

بهذا الدور حدث الانقلاب الأول فى حياته. 

جاء إليه الدور بعد أن اعتذر عنه «محمد عوض» و«نبيل الهجرسى» وبعد سفر «حسن حسين» ورفض «سعيد صالح» لصغر سنه.

شاهده «فؤاد المهندس» صدفة فسأل «مين الواد المفعوص ده؟ هو ده دسوقى أفندى؟!». 

التقط «عادل إمام» الفرصة بيديه وأسنانه وعقله وكيانه ورموش عينيه وراح يرسم الشخصية التى اعتبرها فرصة لن تتكرر إما يثبت فيها وجوده أو ستقضى عليه نهائيا.

طلب من مساعد المخرج نص المسرحية ليحفظ دوره لكن الرجل أعطاه ظهره وقال فى سخرية:

«نص إيه؟ وهباب إيه؟ هما كلمتين تنطق بهما وتتوكل على الله». 

بحث فى مخزن الفرقة عن ثياب قديمة مخططة ليرتديها وكبس طربوشا فى رأسه وجلس على رصيف محكمة «نور الظلام» القريبة من بيته ليراقب سلوك كتبة المحامين الذين يشعرون بأنهم أكثر دراية بالقانون من المحامين أنفسهم والتقط من أحدهم جملة «بلد شهادات صحيح» التى رددها فى المسرحية وانتقلت إلى ألسنة الناس فيما بعد. 

دور ثانوى صغير أداه بكل ما يملك من اجتهاد حتى اشتهر به.

ظل الدور علامة فارقة فى حياته الفنية.

وغالبا ما تبدأ الكتابة عنه بهذا الدور. 

كتب «محمود السعدنى»: 

«استطاع عادل إمام فى دور صغير أمام فؤاد المهندس أن ينفجر كالقنبلة وكان لانفجاره دوى شديد وكان دوره فى الرواية كاتب محامى أونطجى فاهم لكل القوانين بحكم الخبرة الطويلة ومفلس خرمان مثقل بالديون دائما وشديد الاحتجاج على هذا البلد لأنه بلد شهادات وآه يا بلد.. من هذا الدور انطلق فى العلالى». 

لمدة ثمانى سنوات استمر فى تأدية أدوار ثانوية غالبا لا يتذكرها أحد.

مثل أربع مسرحيات كوميدية مقتبسة كتب ثلاثا منها «سمير خفاجى» هى «البيجامة الحمراء» و«حالة حب» و«أنا فين وأنت فين» وكتب الرابعة وهى «غراميات عفيفى» «عبدالله فرغلى» وهو مدرس لغة فرنسية جن بالمسرح. 

لكن رغم تغير الشخصية التى يؤديها فإن المبالغة الكوميدية الكاريكاتورية سيطرت على أدائه سواء لعب دور «خليفة» الصحفى فى مسرحية «غراميات عفيفى» أو لعب دور «إلهام» الشاب المائع فى مسرحية «حالة حب» مثلا. 

ولست متعسفا إذا اعترفت أننى وجدت فى هذه المسرحيات كثيرا من الإسفاف فى وقت كنا فيه نمثل جيلا جادا نتابع باهتمام آخر ما تنتجه السينما الأجنبية الجادة وما يصدر عن دور النشر العالمية من كتب سياسية وما تعرضه أوروبا من موجات مسرحية متغيرة.

فى ذلك الوقت أيضا كانت الحياة الفنية المصرية تعيش نهضة مسرحية غير مسبوقة عرضت إبداعات كتاب موهوبين ومترجمين جاءوا بالاتجاهات الفنية الأوروبية الجديدة فى اللحظة نفسها التى تبدأ فيها.

كان لكل مسرح شخصيته المستقلة وأعماله التى ينفرد بها عن غيره.

يختلف المسرح «القومى» عن مسرح «الطليعة» ويختلف المسرح «الحديث» عن مسرح «المئة كرسى» وكل منها يقدم ما يستحق المشاهدة والمتابعة.

وفى وجود هذه المتعة المتنوعة المثيرة لم ينل المسرح الكوميدى كثيرًا من الاهتمام ولم ينتبه أحد إلى بداية «عادل إمام» إلا بعد أن عرض التليفزيون مسرحية «أنا وهو وهى» فيما بعد. 

وأعترف أننى عندما شاهدت المسرحية والمسرحيات الأخرى التى مثلها فى هذه الفترة على شاشات الفضائيات بعد سنوات طوال من عرضها لم تضحكنى ولولا الحرص على موضوعية التقييم ما أكملتها. 

فى الوقت نفسه أشفقت على «عادل إمام» من الاستهانة به والسخرية منه فى الأدوار التى يختارونه لتأديتها لكن لم يكن بيده حيلة.

إنها «لقمة العيش» وعقدة «الانتشار» وحلم «النجومية» والعجز عن الاعتراض والخوف من إخراجه من الملعب بلا عودة والأهم أنه فى ذلك الوقت لم يكن ليثق فى موهبته.

لم أتصور مثل كل الذين عرفوه وتابعوه أنه سيخرج من البئر الذى أوقع نفسه فيه مهما طال الزمن لكنه صبر ونال ونجح وأصبح نجما لا مثيل له فى حالة غير مسبوقة ربما نفسرها فيما بعد.

وفى هذه المرحلة من حياته الفنية لم ألمح فيه بادرة أمل فى الصعود مما يعنى أنه لن يزيد كثيرا عما فيه ولن يصبح نجما ولكن الظن خاب.

وأعتقد أن تصوره لنفسه فى ذلك الوقت لم يختلف كثيرا.