الثلاثاء 4 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عادل إمام سنوات الصداقة وأسرار القطيعة! ـ الحلقة 1

قبل صدور كتابه «عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصدمة وأسرار القطيعة» عن دار ريشة فى معرض الكتاب القادم.. يختص الأستاذ عادل حمودة صفحات روزا بنشر الفصول الكاملة لكتابه على حلقات، نشر بمثابة الحق للأستاذ عادل والحق عليه. حقه لأنه أحد أبرز نجوم روزا الكبار و«أقرب دليل» على صحوة المدرسة وصحتها.



 وحق عليه لأن بنيان كتابه دار جزء كبير منه على صفحات روزا وبالتالى فهى أحق بالنشر حتى قبل دور النشر.

وحتى لا توجه لـ«حمودة» تهمة «ازدراء عادل إمام» أو التجنى عليه.. عليك أن تقرأ فصول كتابه بعقل فعال لا منفعل.. وأن تفكر فى الوقائع ثابتة الحدوث لا فى النجم بع قل مهووس.

بالمناسبة.. اسمح لى أن أفاجئك: هذا ليس كتابا عن عادل إمام.. ولكنه عن «ظروف لولاها لصار عادل إمام كومبارس».

 عن جلسات ونقاشات ساخنة دارت بين قامات الفكر والفن والسياسة لم نعرف عنها غير القليل ولم ينشر منها سوى النزر اليسير.

عن مصر بين المنصورية والعمرانية. وعن أهواء النجومية وهواها. خلال الحلقات ربما ستعرف الكثير عن قواعد الصعود فى زمن ما.

عن روزا التى حكت كل شىء.. ولا تزال الحكاية- حتى اليوم- ابنة لألسنة أبنائها وأقلامهم.

الزمن.. العدو الوحيد الذى لم ينتصر عليه عادل إمام!

أداء الفنان ليس خطوطًا محفورة على أسطوانة تعيد اللحن نفسه فى كل مرة.

أداء الفنان يتغير بتغير موجات الحياة ومتاعب المجتمع وأحلام الجمهور.

لذلك نجد الفنان مرة رومانسيا ومرة حزينا ومرة جريئا ومرة جريحا.

وأحيانا يمثل الفنان أكثر من عمل فى الوقت نفسه فنجده فى الصباح لصا وفى العصر معلما وفى المساء تاجر مخدرات وعليه أن ينتقل من شخصية إلى أخرى فى فترة زمنية محدودة مما يهدد قواه العقلية.

هنا يبدو مثل مناخ استوائى يجمع بين الفصول الأربعة فى اليوم الواحد وربما فى الساعة الواحدة.

درجة حرارة مرتفعة كالفرن وفى اللحظة نفسها يسقط مطر غزير كالرصاص وترتفع شمس يحمر وجهها من شدة السخونة ولكن وراء غيوم بعيدة ويمكن أن يولد القمر بين جبال شامخة فى وضح النهار.

لكن فى لحظة «ما» أو موقف «ما» أو دور «ما» يحدث انقلاب «ما» يغير من مسيرة الفنان وينقله من حال إلى حال ليصبح بعدها مختلفا عما قبلها. 

كان دور «طه حسين» الذى قدمه «أحمد زكى» فى مسلسل «الأيام» نقطة انقلاب شجعته على تقديم الشخصيات التاريخية مثل «جمال عبد الناصر» و«أنور السادات».

وكان دور «فؤادة» الذى مثلته «شادية» فى فيلم «شىء من الخوف» نقطة انقلاب غيرت بعدها اختياراتها السينمائية من الأفلام الغنائية الخفيفة المرحة إلى الأفلام الدرامية الجادة مثل «الطريق» و«ميرامار» و«نحن لا نزرع الشوك».

ولو طبقت القاعدة على الكتاب سنجد كتاب «توفيق الحكيم»: «عودة الوعى» بمثابة نقطة انقلاب فى رؤية «جمال عبد الناصر» من زعيم لم يأت التاريخ بمثله إلى ديكتاتور لم يحكم إلا بنفسه.

كتاب خفيف القيمة لكنه كان الرصاصة التى أطلقت ليبدأ ماراثون الهجوم على «عبد الناصر» وعلى خط البداية كأن يتحفز طابور طويل من المنتظرين الفتك به وبنظامه. 

ترى ما نقطة الانقلاب فى مسيرة «عادل إمام»؟ 

فى الحقيقة هناك أكثر من نقطة انقلاب فى مشواره الفنى الطويل الذى تجاوز ستين عاما عرف ببراعة كيف يستفيد منها ليحقق ما بدا له ولنا مستحيلا.

ليحقق شهرة عريضة غير مسبوقة وثروة كبيرة غير محصورة ويثبت تفوق قدرة بشرية غير محسوبة.

فى يوم الجمعة 17 مايو عام 2024 بدأ «عادل إمام» عامه الخامس والثمانين وسط شائعات مؤلمة على منصات التواصل الاجتماعى تجزم أن مرض «الزهايمر» تمكن منه.

لكن لم يقدم أحد دليلا إلى ذلك من قريب أو بعيد سوى أنه لم يعد يظهر علنا.

ونشرت صورة له تدخلت فيها بقسوة وسادية برامج التشويه المنتشرة على الوسائط الإلكترونية ليبدو كأنه شيخ هرم تحول وجهه إلى خطوط محفورة ومتشابكة بحدة وكأنها خطوط شبكة أنفاق لندن أو موسكو أو القاهرة.

دهشت وتعجبت واستأت مما سمعت ورأيت وتساءلت: لم نعامل نجومنا على طريقة دكتور «جيكل» ومستر «هايد» معا؟

لم نعاملهم بحنية دكتور «هنرى جيكل» الطيب إذا ما التقيناهم ونعاملهم بعدوانية مستر «إدوارد هايد» الشرير إذا ما أعطونا ظهورهم حسب الرواية الشهيرة للكاتب الأسكتلندى «روبرت لويس ستيفنسون»؟

فى فيلم «نوتينج هيل» نجد مجموعة شباب فى بار إنجليزى يسخرون من النجمة السينمائية «آنا سكوت» التى أدت دورها «جوليا روبرتس» وعندما اتجهت إليهم ووقفت أمامهم وابتسمت فى وجوههم أصابهم سحرها وراحوا يشيدون بجمالها وإبداعها.

مشهد يتكرر كثيرا مع نجومنا بالتفاصيل نفسها.

نلعنهم فى غيابهم ونجن إعجابا فى حضورهم.  

ما تفسير هذا الفصام الجمعى العاطفى؟ 

التفسير الوحيد المتاح باتفاق علماء النفس هو «أن الكراهية كثيرا ما تكون الوجه الآخر للحب» والحسد يمكن أن يكون توأم الإعجاب.

فى تلك الليلة التى أنهى بها عامه الخامس والثمانين أجبر «عادل إمام» على الخروج عن طبيعته التى لا تخلو من التعالى ليرد بأسلوب غير مباشر على شائعة «الزهايمر» التى أصابته ولكن بالصوت فقط عبر حديثه إلى «شريف عامر» فى برنامج «يحدث فى مصر».

حاول جاهدا أن يبدو خفيف الظل وبذل مجهودا مضنيا فى التركيز ليثبت أنه يقظ وإن بدا كأنه تلقى تلقينا سابقا قبل المكالمة.

أتصور أن وراء هذا السيناريو الواقعى زوجته السيدة «هالة الشلقانى» التى تجيد إخراجه من المطبات الصعبة التى يضع نفسه فيها كما سنعرف فيما بعد.

أغلب الظن أنها رتبت حفلا محدود العدد اقتصر على الأولاد والأحفاد وأضافت إلى قائمة المدعوين «يسرا» و«نونيا» التى نعرفها باسم «لبلبة» وهما أقرب ممثلتين إليه فنيا وعائليا وانضم إليهم الدكتور «حسن شرشر» وهو طبيب اعتزل المهنة مبكرا وصديق قديم منذ سبعينيات القرن العشرين. 

جرت العادة أن يهنئه النجوم المقربون منه بعيد ميلاده بأن يتصلوا بشقيقه «عصام» ليوصل التهنئة إليه أو ليعطيه التليفون ليتحدث بنفسه إذا كان بجواره أو إذا شاء.

 

 

 

لكن مع شائعة إصابته بالزهايمر كأن لا بد من اختلاف السيناريو. 

حسب السيناريو الجديد المتفق عليه تتحدث «لبلبة» إلى «شريف عامر» تليفونيا لتهنئة «عادل إمام» بعيد ميلاده ثم تكرر «يسرا» القريبة منها التهنئة من جهاز التليفون نفسه ثم يدخل «عادل إمام» على الخط وكأن الموقف حدث صدفة مع أنهم جميعا فى بيته.

كان من السهل أن يتصل به «شريف عامر» لتهنئته بعيد ميلاده ويرد ببساطة دون وسطاء ودون لف ودوران. 

لكنها الشخصية المتعالية التى تحكمت فيه منذ أصبح نجما شعبيا ولم يستطع التخلص منها.

على أنه بهذا المشهد الإنسانى المدبر تأكد الانقلاب الأخير فى حياته. بهذا المشهد البسيط دخلت الشمس الذهبية الساطعة إلى بيت الغروب. وبدأ الحديث عن الاعتزال حديثا جديا.

فى يوم «الجمعة» 9 فبراير 2024 أعلن ابنه «رامى» اعتزاله نهائيا وأكد الخبر شقيقه «محمد» أثناء منحه جائزة «جوى أووردز» الترفيهية فى الرياض.

جائزة «جوى أووردز» أو «جو أواردس» عبارة عن حفل ضخم يقام هناك ويحتفى بصناع الترفيه العرب فى الدراما والموسيقى والرياضة.

أنهى «عادل إمام» مشواره الشاق المتعثر الطويل برسالة شكر صوتية قال فيها:

«أشكركم. كلى إخلاص ومحبة لحضراتكم. ربنا يخلى أيامكم كلها سعادة. أنا بحبكم كتير. كتير. كتير».

مشهد شديد التواضع لم أكن أتصور أن يكون المشهد الختامى العلنى الأخير له.

توقعت تكريما مدويا فى حفل يحضره النجوم الذين عملوا معه على الأقل ويسجل كل منهم شهادته عليه.

لكن يبدو أن حالته الشخصية لم تكن لتسمح بذلك.

يبدو أيضا أنه أراد أن يحتفظ الجمهور فى ذاكرته بصورته التى يعرفها قبل أن يتدخل فيها الزمن بالحفر على البشرة.

لم تتحقق أمنيته ويظل يمثل حتى آخر نفس.

 كأن يتمنى أن يموت مثلما مات «محمود المليجى».

فى يوم 6 يونيو 1983 كان «محمود المليجى» يستعد لتصوير آخر مشاهد دوره فى الفيلم التلفزيونى «أيوب» وهو مشهد يموت فيه وراح يتحدث مع «عمر الشريف» عن غرابة الحياة وفجأة أمال رأسه كأنها فى حالة نوم عميق وكل من فى الاستديو يعتقدون أنه مشهد تمثيلى يؤديه وراح البعض يضحك على شخيره وطلب منه «عمر الشريف» أن يكف عن ذلك ولم يدرك أن «محمود المليجى» وافته المنية فى هذه اللحظة وهو يمثل مشهد الموت.

لم ينل «عادل إمام» هذه الأمنية بل لم يستطع أن يهزم عدوه المنتظر منذ سنوات.

ذات يوم سألته:

 ما الذى يخيفك؟

كان يؤدى دور رئيس مباحث القاهرة فى فيلم «النوم فى العسل» حين أجاب:

 الزمن.

كان لا يزال تحت الخمسين ولكنه لم يتردد فى الإجابة وكأنها تسيطر على تفكيره.

أضاف بطريقته الساخرة:

 لو الزمن يفرمل عدة سنوات ينسانا فيها أو لو نقدر نشترى منه هذه السنوات أو لو يقبل منا رشوة ليبتعد عنا قليلا.

كان شراء الوقت هو الشىء الوحيد الذى يدفع فيه نقوده دون تردد أو حساب كما تعود.

إن التقدم فى العمر «مرعب» على حد وصف الممثل الأمريكى «كلينت استوود» عندما بلغ 95 عاما.

أضاف:

«ها أنتم ترون كل شىء بأعينكم. عظام لا تتحرك بليونة. نظر العينين متعب من الضوء. الرئتان تغتنمان فرصة للراحة من نفس ثقيل. 

«لكن الأسوأ أنك ستجد من حولك يسمعون بطولاتك الوهمية بتذمر وتململ وكأنك أصبت بالخرف.

«ستكون وحدك بعد أن كان الجميع يبحث عنك ويتلهف عليك.

«الجرى خلف الشهرة كالرماد الذى نفخت فيه الرياح فلا هو أشعل نارا ولا هو ظل فى مكانه ثابتا».

أما «عادل إمام» فإن ما يثير غضبه بعد أن دخل مرحلة الشيخوخة هو سؤاله عن صحته وكأن السائل يتوقع أن يكون مشلولا قعيدا يحتاج إلى مساعدة لقضاء الحاجة.

ولكنه مثله مثل من وصلوا إلى سنه أصبح يخاف من المرض ويعتبر مؤشرات التغير فى الجسم مهما كانت بسيطة علامة ما يفترض معها الأسوأ حتى يطمئنه الأطباء. 

والأسوأ أن يخشى من تسلل «الزهايمر» إليه لينسى أنه النجم الأكثر شهرة ولينسى أعماله وأحفاده بل لينسى من هو وما فعل وكيف وصل إلى القمة كما حدث لصديقى العمر «سعيد صالح» و«صلاح السعدنى»؟

فى عام 2014 تلقيت تكريما من «اتحاد المنتجين العرب» الذى يرأسه الدكتور «إبراهيم أبو ذكرى» عن برنامج «آخر النهار» الذى كنت أشارك فى تقديمة كل يوم أحد وكان بين المكرمين «صلاح السعدنى» الذى لاحظت أن «الزهايمر» تمكن منه فلم يعرفنى رغم صداقتنا الشخصية والعائلية وبعدها اختفى ولم يعد يظهر فى مكان عام حتى توفى يوم 19 إبريل عام 2024.

وفى حوار أخير أجراه «عمرو الليثى» بدت إجابات «سعيد صالح» مؤشرا واضحا على إصابته بالمرض اللعين. 

دعوت الله ألا يكتب على «عادل إمام» هذا المصير. 

فى سنواته الأخيرة لم يعد يغادر البيت وفضل النوم أمام التلفزيون الذى يهوى الفرجة عليه بل ويكاد يدمنها.

قبل ذلك كانت الفرجة على التلفزيون فرصة ليقيم النجوم من جيله أو لاكتشاف مواهب شابة يمكن الاستفادة منها.

هل يصلح هنا ما قالت الفيلسوفة الفرنسية الشهيرة «سيمون فيل»:

«إن بعض المعارك يجب أن نخسرها لكى نكتشف أننا كنا نقاتل من أجل وهم»؟

أم أن الشيخوخة ليست لها أعداء؟ إنها تزور الجميع.

على أنه وهو فى خريف العمر بدا مطمئنا أن التاريخ يتذكر النجوم ولا يذكر الكومبارس ويظلم كل من لم يجمع رصيدا كافيا من الضوء فى خزانة حياته مهما كانت موهبته. 

لكن فى النهاية نجح الزمن فى تدبير آخر انقلاب فى حياته.