ذبح الوطن على طريقتهم الإسلامية!

وحيد حامد
كتائب القتل.. وجماعات التخريب.. وفرق الترهيب.. كلها خطر ظاهر، ومصائب مكشوفة، وكوارث معلنة، وكل أفعالها جرائم يعاقب عليها القانون، وعندما يسقط بعض الأفراد منهم فى قبضة العدالة فإنهم ينالون الجزاء الرادع فى بعض الأحيان، والجزاء الهين فى أحيان أخرى حسبما يستقر فى وجدان السادة القضاة.. ونحن نحمد الله حمدًا كثيرًا على أن نشاط هذه الجماعات والفرق ضد القانون وأن هناك عقابًا.
إلا أن هناك كتائب أخرى.. وجماعات من نوعية خاصة.. وفرقًا شيطانية ترتكب أشنع الأفعال والجرائم فى حق الناس والدين والوطن ولا يمكن لأى قانون أن يطولها أو يصل إليها رغم فداحة الجرم وقسوة النتيجة وهى تمزيق الوطن مع سبق الإصرار والترصد.
الأمر فى ظاهره بدعة من البدع التى تطاردنا هذه الأيام مطاردة الذئاب الجائعة، ولكنه فى الحقيقة مؤامرة خبيثة شديدة الفتك بالوطن.. وخطة محكمة لإشعال نار الفتنة فى مصر.. والله وحده هو الذى يعلم المصير الذى سوف نساق إليه لو اشتعلت تلك النار الكريهة الكاوية.. ومشكلة أهل مصر جميعًا أنهم دائمًا وأبدًا يستخفون بالأشياء الصغيرة.
وعندما يستفحل أمر هذه الأشياء وتصبح كبيرة وخطيرة نصاب بالعجز والهوان.. وتعالوا نرى ونتأمل ما يجرى ويدور على الساحة المصرية فى العلن وليس فى الخفاء وأمام كل الأعين، فقد سمعتم طبعًا عن البدعة الجديدة التى يطلقون عليها حفلات العرس الإسلامى.. أو الفرح الإسلامى.. وبعض المتشددين يطلقون عليها حفلات «النكاح» أى الأفراح والليالى الملاح التى تقام فى مناسبة الزواج، هى الأخرى وضعوا لها الشروط والضوابط الإسلامية كما يزعمون.
وكأى مسلم حريص على سلامة دينه وجدت أنه من الصالح معرفة هذه الشروط والضوابط التماسًا للخير والصواب إن وجدا، وكانت الشروط هذه كالآتى:
الشرط الأول:
الطعام.. هو اللحم والثريد.. وقد نقبل بهذا الشرط كارهين وغير مرحبين لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأكل من كل الطيبات ودون التقيد بوقت أو مناسبة، يقول سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم»، وهذه الطيبات تشمل اللحم وغير اللحم من أنواع الطعام والحلوى والفاكهة.. وكل ما أحل الله.. ثم إن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن تحريم ما أحله لعباده، حيث يقول فى محكم كتابه: «يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك»، وليس من المعقول أن يوسعها الله علينا ويأتى نفر من البشر يضيقونها علينا، ولكننا نقبل كارهين فربما كان القصد من وراء ذلك هو توفير النفقات فى هذا الزمن المخنوق اقتصاديًا.
الشرط الثانى:
مظاهر الفرح.. يعلن عنها بالدفوف فقط لا غير.. وقد تكونت فرقة خاصة للإنشاد والدق على الدفوف، وقد نقبل بهذا رغم أنه من الثابت أن رسولنا الكريم قد استمع أيضًا إلى المزمار، ولم يكن فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدوات الموسيقية سوى الدف والمزمار.. كما أنه شاهد الرقص عندما شاهد رقص الأحباش مع عائشة رضى الله عنها.
الشرط الثالث:
المدعوون.. لابد أن يكونوا جميعهم من المسلمين والمسلمات.. ولا يجوز أن يحضر هذا العرس مسيحى أو مسيحية حتى لو كان هذا المسيحى صديقًا أو زميلًا فى العمل أو حتى جارًا.
وهنا تتضح معالم المؤامرة الخبيثة بكل جلاء ووضوح.. فكل مسلم على ظهر الأرض يعلم تمام العلم أن هذه البدعة وهذه الفرية ليست من الدين الإسلامى فى شىء، وأن الرد عليها لا يحتاج إلى بحث أو جهد أو حتى فتوى لأن العلاقة بين الإسلام وغيره من الأديان السماوية قد حددها القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولكن قبل أن نخرس هؤلاء الطغاة الآثمين لابد لنا أن نوضح شر هذه البدعة اللعينة التى تبدأ هادئة ناعمة نعومة الأفعى حتى تتمكن من اللدغة القاتلة.. فمن الطبيعى أن يلجأ الإخوة الأقباط إلى محاكاة نفس الفعل عند إقامة أفراحهم، هذا بالإضافة إلى الحسرة والإحساس بالغضب من جراء هذا الفعل الشائن.. وتتولد فى النفس بذرة الضغينة والبغضاء، ولكن ليس هذا هو الخطر الجسيم، ولكن الخطر الجسيم يكمن فيما يحدث بعد ذلك، فبعد ثبوت هذه البدعة وانتشارها.. سوف ننتقل إلى بدعة أخرى وهى رفض تقبل العزاء من الإخوة المسيحيين فى وفاة المسلمين.. وعندما تثبت ننتقل إلى بدعة أخرى.. ربما تمنع المشاركة فى الطعام.. أو ركوب المواصلات العامة.. أو المسكن.. وربما تصل هذه البدع واحدة تلو الأخرى حتى تصل إلى المدارس ودواوين الحكومة، والمصانع.. وربما إلى جيش مصر الوطنى الذى يضم خيرة شباب الأمة من المسلمين والمسيحيين.. اليوم نمنع حضور الأقباط من حضور الأفراح.. غدًا نمنع التعامل معهم فى مختلف المجالات.. وبالتالى سيكون الرد بالمثل، وربما أكثر فى الجانب المسيحى.. ودون أن ندرى.. وفجأة.. ودون أى إنذار تمامًا كوقوع الزلزال نجد أنفسنا فى نار الكارثة.. ساعتها لن تفلح الأغانى الوطنية، ولن تفلح كل الخطب المنبرية وصلوات الكنائس.. وظهور شيخ وشخصية دينية مرموقة مع قسيس أو أنبا وهما متشابكا الأيدى ويقبل كل منهما الآخر، لن يطفئ النار المشتعلة.. بالله عليكم.. أى مصيبة هذه؟ وأى عقاب رادع يجب أن يكون؟ أهو الحرق بالنار قبل أن تحرقنا نار الفتنة التى هى أشد من القتل.. انظروا قول الله سبحانه وتعالى: «إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا. أولئك هم الكافرون حقًا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورًا رحيمًا»، هذا هو حكم الله بالنسبة لشياطين الإنس الذين يخططون لدمار هذه الأمة.. فما هو حكم البشر بالنسبة لهم.. خاصة أن الدين الإسلامى لا يعرف الفرقة أو التعصب، وهذه حقيقة تاريخية، فقد أرسل محمد عليه الصلاة والسلام المستضعفين من أتباع رسالته إلى الحبشة فى رعاية ملكها القبطى وحمايته.. وتزوج من مارية القبطية.. وعندما تم فتح مصر فى عهد عمر بن الخطاب لم يمس حقًا واحدًا من حقوق الأقباط.. بل إن عمر عاتب عمرو بن العاص مع ابنه لأنه أهان أحد الأقباط.. وفوق هذا كله.. يأتى قول العزيز الحكيم: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، أبعد كل هذا الحق يأتى إلينا أصحاب البدع بالفرقة بين أبناء الله الواحد والوطن الواحد.. ونتركهم بلا عقاب.. لدينا قانون يمكن أن يعاقب على جريمة السب العلنى.. أو القذف.. ولكنه سيقف عاجزًا أمام هذا الشرط الشيطانى من شروط الزفاف الإسلامى.. وأعترف بكل صراحة أن هذا الأمر الشنيع سوف يستقبله البعض بالبلادة وعدم المبالاة هؤلاء شرذمة من أهل مصر يعيشون فيها كما يعيش المستثمرون الأجانب.. حياتهم هنا للكسب.. ولهم الفيللات والشقق فى الخارج وأموالهم أيضًا هناك وفى جوازات سفرهم أختام جاهزة من مختلف السفارات وهناك من سوف يستقبل هذا الأمر بالصياح والعويل ولطم الخدود وشق الثياب.. هؤلاء هم السلبيون بطبيعتهم والذين يخافون دائمًا من الفعل ولا يملكون إلا الصياح.. ودائمًا يكون الصياح حسب المناسبة.. وهناك من يقرر القتال فورًا لأن القتال من أجل سلامة الوطن والدين أمر حتمى وليس محل خلاف سواء من الناحية الدينية البحتة أو الوطنية البحتة.. والقتال أيها السادة ليس بدعة.. الرسول صلى الله عليه وسلم حارب البدع.. وكان يقضى على الفتنة قبل أن تولد.. وتبعه الخلفاء الأربعة.. أبوبكر وعمر وعثمان وعلى .. وأى قارئ للتاريخ الإسلامى فى استطاعته الوقوف على حقيقة هذه البدع وأنواعها وكيف تم القضاء عليها.. وأغلب هذه البدع تم القضاء عليها بالسيف.. حرصًا على سلامة الدين والأمة.
ولكننا نعيش زمن الهوان وعدم القدرة على التصدى.. نرى النار الهائلة المعدة للحرق.. ونتعامل معها على أنها نار للتدفئة.. أو نعرف خطورتها فعلًا ولكن نترك أمرها لله سبحانه وتعالى فربما تتكرر المعجزة الإلهية ويأمر هذه النار بأن تكون بردًا وسلامة على المصريين.. عندنا آلاف من رجال الدين وكلهم يخطبون فى المساجد وغير المساجد.. وهناك ساعات طويلة من الإرسال الإذاعى والتليفزيونى مخصصة للبرامج الدينية.. ولكن كل الخطب وكل الأحاديث تتحدث فى أمور شكلية وغير جوهرية ولا تحاول التصدى بدين الله الحق لكل البدع والافتراءات.. عندنا نجوم كبار جدًا فى مجال الدين.. هؤلاء النجوم صنعهم التليفزيون وقدمهم للناس أحسن تقديم.. ولكنهم يحدثوننا عن الجن والعفاريت وعن عذاب القبر ونعيمه.. أين الشيخ الشعراوى من هذه البدع.. ألا يرى فضيلته أن مواجهة هذه الأمور المدمرة للدين والوطن ربما نكون أحوج إليها من تفسير القرآن الكريم الذى يفسر نفسه بنفسه.. ما رأى الشيخ «الموضة» عمر عبدالكافى الذى يرتدى الحلل الأفرنجية المستوردة ويركب المرسيدس المهداة إليه من رجل أعمال يتاجر فى مستحضرات التجميل.. ويطوف فى النوادى والمساجد محاضرًا عن عذاب القبر وضرورة حجاب المرأة.. هل نقول إن هذا الاتجاه هو الآخر مدبر ومقصود على أساس تحويل الأنظار عن قضايا الدين والوطن؟!
أسأل رجال الأزهر الشريف أين أنتم..؟ وما هو دوركم بالنسبة لبث الدين الصحيح فى أرجاء الأمة.. وأسأل وزير الأوقاف عن صاحب البدعة الحكومية التى أباحت إنشاء زوايا الصلاة أسفل البيوت والعمارات حتى يتم الإعفاء من العوائد والتى حولت كل «البوابين» فى هذه العمارات إلى أئمة ووعاظ ورجال دين.. حتى صدقوا أنفسهم وأصبحوا مصدر إساءة للدين بأقوالهم وأفعالهم.
وأخيرًا أين الدولة.. الدولة التى لها حق العقاب دون غيرها.. فى عالم الأمن السياسى أشياء كثيرة تقع تحت طائلة القانون.. مثل توزيع المنشورات المعادية للنظام.. وكل الأجهزة الأمنية تنشط عند ضبط أى منشور.. ولكن أمام مصيبة كبرى كهذه البدعة اللعينة نتخاذل ونحيل الأمر إلى السادة الخطباء والمتحدثين.. ومهما كانت الحجج قوية.. ومهما كانت قدرة هؤلاء السادة على الإقناع.. فلن يملكوا جزءًا يسيرًا من قوة حجج الرسول أو الخلفاء العظام الذين كانوا يتولون أمر أى فتنة بالعقاب الرادع.. وأهل العلم يعرفون المعارك الطاحنة التى خاضها الحكام المسلمون فى كل العصور ضد البدع والملل والنحل، ولولا تلك المعارك لكان الإسلام على غير حاله الذى أنزله الله.. إن البدعة هى التى تنتقص من الدين.. أو تزيد عليه.. وحسم هذا الأمر ليس مسئولية رجال الدين، بل مسئولية الدولة.. أما وقد بدأت هذه البدع تتجه إلى شق الوطن بمنشار كهربائى، فعلى الدولة أن تعلن الحرب.. لا ضد كتائب القتل والعنف والتخريب والترويع فقط.. ولكن ضد جماعات الدعوة الخبيثة الظالمة.
وأرتعد خوفًا ورهبة.. إذا قلت يجب أن يتحرك الناس لحماية دينهم ووطنهم، فلو تحرك الناس.. فهذا يعنى الصدام الشامل.. ربما يكون بين المسلم والمسلم.. وبين المسلم والمسيحى.. وهذا ما يعمل من أجله أعداء مصر.. وعليه فإنها كلمة حق إذا كانت الدولة لا تؤمن بذلك.. فإننا نذكر كل مسئول فيها بقول الله تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبى عدوًا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا..».
فطالما أن الدولة لا تؤمن بالواقع فربما تؤمن بقول الله عز وجل وتقتنع أن هناك شياطين يريدون الهلاك لهذا الوطن، والله المستعان.