دخلت الفكر الإسلامى على يد الشيعة ومعناها: خداع الناس بالقول والعمل «التُقْية» خدعة التنظيمات السرية للانقضاض على السلطة!
إقبال السباعى
أرادوا التمسح فى قواعد الفقه التى تجيز الموازنة بين ضررين وارتكاب أخفهما حماية لأنفسهم من الضرر الأكبر، فانزلقوا فى حيلة «التقية»، و«التقية» عند من يتبعون نهجها من المتطرفين هى أسلوب مخادع يظهرون فيه غير ما يبطنون، وهى نوع من المداهنة والرياء ابتدعته الشيعة منذ أكثر من ألف عام، وسارت عليه التنظيمات السرية إخفاءً لما يعتقدون من أفكار وتظاهروا بغيره، مع ترقب الفرصة لكشفه والعمل به.
وهى طريقة استخدمها «الإخوان المسلمون» والخلايا المناهضة لأجهزة الحكم لتنفيذ مخططاتهم بعيدًا عن أعين الدولة، انتظارًا لمجىء اللحظة التى يرفعون فيها القناع الذى يتسترون خلفه ويعلنون عن نواياهم. لكن هل تندرج «التقية» كأسلوب عمل تحت مفهوم النفاق السياسى؟
إن «التقية» ليست مذهبًا أو فكرًا، وإنما هى مصطلح وأسلوب عمل دخل الفكر السياسى الإسلامى من باب الشيعة، حيث ظهرت فكرة «التقية» بالمفهوم الشيعى فى أواسط القرن الرابع الهجرى عندما أرادت الزعامات الشيعية أن تتخذ العمل السرى وسيلة للقضاء على الخلافة العباسية الحاكمة، وظهرت التقية فى ذلك الوقت بمظهر الواجب الشرعى الذى يجب أن يتبعه كل من له فكرة دينية أو سياسية ويخشى أن يجهر بها أمام السلطة الحاكمة، وقد اشتهرت الشيعة بالتقية واتخذوها مبدأ لهم لدرجة أن القائد الدينى كان يرتضى لنفسه أن يسلك طريق الخداع مع الناس فى القول والعمل باسم «التقية»، وأصبح المجتمع الشيعى بها يظهر شيئًا ويبطن شيئًا آخر لدرجة أنهم كانوا يقيمون الصلاة فى مساجد السنة اقتداء بإمام المسجد، وإذا عادوا إلى منازلهم أعادوا الصلاة مرة أخرى على مذهبهم.
الغريب أنهم كانوا يخالفون تعاليم الإسلام الذى وضع للمسلم قاعدة أخلاقية قوامها أن المسلم لا يخادع ولا يداهن ولا يعمل إلا الحق ولا يقول إلا الحق ولو كان على حساب نفسه.
من هنا برز العديد من التساؤلات فى مقدمتها.. هل التقية أسلوب عمل مشروع وواجب دينى كما يقول الشيعة؟
بداية يوضح الدكتور «عبدالشافى محمد» أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر مفهوم «التقية» بأنه أسلوب لإخفاء أمور أناس يعملون وفق منهج أو فكرة أو يعدون لثورة أو لانقلاب أو لديهم أفكار يريدون أن تسود فى المجتمع فيخفونها عن السلطات القائمة أى أنها عمل شخص تحت الأرض كما يقولون فى الأساليب السياسية.
يضيف الدكتور «عبدالشافى»: إن «التقية» أسلوب سياسى يلجأ إليه كثير من الناس فى كل العصور، وفى كل المجتمعات، أيضًا إذا كان هناك حزب سياسى محظور له أفكار يريد نشرها مثلما فعل الحزب الشيوعى قديمًا قبل الثورة أو الإخوان المسلمين فى بعض المراحل، وهم أناس لهم فكر معين يريدون أن يسود فى المجتمع، والدولة ضد هذا الفكر، فيحاولون العمل فى الخفاء، وهذا المصطلح الذى ظهر فى الفكر السياسى يعنى «التقية»، فالإخوان المسلمون قبل الثورة كان نشاطهم واضحًا وكانت لهم جمعية معلنة لها صحف، ووقت وجود الشيخ «حسن البنا» كانت هذه الجمعية تضم شعبًا تغطى الجمهورية بأكملها، وظل الأمر إلى ما بعد الثورة حتى اختلفوا مع قادتها، وحلت الجمعية، فبدأ وجود نوع من الفكر المخفى عن الدولة، ونحن نسمع الآن بين حين وآخر اكتشاف خلية، وهذا يعنى وجود جماعة تعمل بعيدًا عن عيون الدولة، مثلهم فى ذلك مثل الشيوعيين الذين كانوا يلجأون إلى العمل السرى لنشر أفكارهم، والأمور فى هذا الموضوع بما تئول إليه، لا أحد يستطيع أن يقول إن كانت مشروعة أم لا.
و«التقية» أسلوب عمل وليست فكرًا، لأن الفكر شىء ننشره، لكن الأسلوب هو إعداد خطة بعيدة عن عيون الناس وبعيدة عن السلطة، وكان ظهور فكرة «التقية» عند الشيعة حين ضيقت عليهم الدولة الخناق، وأحكمت الحصار ولم يستطع أحد حتى أن يذهب لخطبة الجمعة وينادى بالفكر الشيعى، أو حتى يلتقى بمجموعة فى مكان آخر ليتحدث عن الشيعة، فلجأوا إلى العمل فى الخفاء والتستر بعيدًا عن عيون الدولة، وقد ظل «الشيعة الإسماعيلية» مثلا يرتبون لقيام الدولة الفاطمية، والدعوة العباسية عشرات السنين، وهم ينشرون منهجهم بطريقة سرية جدًا بين الناس، وهذه هى «التقية» إلى أن كونوا من خلال عملهم السرى رأيًا عامًا معهم، وفى الوقت الحاضر نجد أن هذا الأسلوب يملأ الدنيا، فكل جماعة فى دولة أو مجتمع لها منهج يناهض فكرًا لدولة أو يريد نشره ولا تستطيع، تلجأ إلى الخفاء وتكوين خلايا سرية تروج لفكرها، ولا تخلو فترة من هذا أبدًا، وهى طبائع العصر والبشر، فكل فرد يخيل له أن لديه ما يقدمه، وأفضل من «الموجود»، لذلك نجد الدنيا مليئة بذلك الفكر، وكل الجماعات التى تعمل فى الخفاء يمكن إدراج منهجها فى أنه «تقية». ويقول الدكتور «عبدالشافى»: إن المعنى اللغوى لكلمة تقية هو «الستر» بمعنى تدبير أو تفكير مستور عن عيون الدولة.
وبما أن النفاق معناه أن الإنسان يظهر غير ما يبطن، فإن «التقية» تدخل ضمن مفهوم النفاق بهذا المعنى العام، وهو ظهور شىء وإخفاء غيره.. وقد وضع الشرع معيارًا عامًا لمثل هذه القضايا «لا ضرر ولا ضرار»، فأى عمل أو سلوك أو تصرف يضر بالصالح العام هو غير مشروع، وفى التطبيق هنا نقول إذا كانت هذه الفكرة ضد المجتمع، فهى حرام، وإذا كانت تفيده فهى حلال شرعًا، فنحن لا نستطيع أن نعمم الأحكام، فالشرع له ضوابطه المعروفة، فإذا كانت هناك مثلا جماعة إرهابية تدبر لنسف فندق أو ضرب بعض السياح، فهذا ضرر للمجتمع إذن هو حرام شرعًا، لأن إلحاق الضرر بالمجتمع ومؤسساته وبأرزاق الناس عمل لا يرضى عنه الله ورسوله، إذن الذى يحدد المشروعية أو عدم المشروعية أهداف العمل ذاته.
ويؤكد الدكتور «عبدالعظيم المطعنى» عميد كلية اللغة العربية السابق أن «التقية» حيلة من الحيل يتجنب بها الإنسان مخاطر عاجلة، فتصدر عنه مهادنة لواقع هو ينكره أشد الإنكار، لكنه لا يعمل لنصرته انتظارًا لفرصة مواتية يأمن فيها على نفسه، وعلىِ المبدأ الذى يؤمن به.
ويقول «د. عبدالعظيم»: لقد وردت الإشارة إلى «التقية» فى القرآن الكريم مرتين، المرة الأولى فى إباحة النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان إذا ترتب على عدم نطقها ضرر فى الحال، وذلك فى قوله تعالى: «إلا أن من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، وكانت المرة الثانية فى قوله تعالى: «إلا أن تتقوا منه تقاة»، هذه هى «التقية»، لكن أصابها شيوع كبير جدًا فى الفقه الشيعى على أنهم ينتظرون الإمام المختفى، فلا يقاتلون من أجل حق هم مؤمنون به ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر حتى يقوم الإمام، وهذا المبدأ هو الذى سار عليه «آية الله الخمينى» وقال عبارته المشهورة:
«لنعمل من أجل خدمة الإسلام سواء ظهر الإمام المختفى أم لم يظهر، فإذا ظهر فسوف يسعد بانتصار الإسلام وإذا لم يظهر فلا نترك ديننا فى انتظار إمام يأتى أو لا يأتى».
ويؤكد الدكتور «المطعنى» أن «التقية» حيلة مرتبطة بقاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه، وهى الموازنة بين ضررين لابد من وقوع أحدهما، فتركن إلى ارتكاب الضرر الخفيف حماية للنفس من وقوع الضرر الكبير.