الأربعاء 12 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا): أم النبى موسى.. فى القصص القرآنى! 115

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

فى القرآن الكريم كلمات تبدو مترادفة، منها الأم والوالدة، ولأن القرآن الكريم كلام الله تعالى لذلك فالكلمات تتسم بالدقة من حيث المعنى والوظيفة وعدم إمكانية استبدالها بمرادف لها.

الوالدة هى صاحبة البويضة والتى يحدث لها اللقاح ثم الحمل ثم الوضع فتصبح أمًا، (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) النجم 32، فإذا تلازم البويضة والحمل والوضع فى أنثى واحدة فهى والدة وأم حاملة للجنين وواضعة: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان 14، هنا نلاحظ أن القرآن الكريم يطلق مصطلح الأم على التى تحمل الجنين.

 

أم النبى موسى:

قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص 7، فى الآية أمران ونهيان وبِشارتان. 

الأمر الأول والثانى: (أَرْضِعِيهِ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ)، والنهى الأول والثانى: (لاَ تَخَافِى ولا تَحْزَنِى)، والبشارة الأولى والثانية: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ).

وفى تناول القرآن الكريم لموضوع الأم نجد فى القصص القرآنى أن الله تعالى أوحى إلى واحدة من النساء وهى أم النبى موسى عليه السلام، كانت أمًا لطفل أحاطت به ظروف تهدد حياته بالموت ذبحًا على يد جنود فرعون.

وتوضح لنا الآيات مدى فساد فرعون واستضعافه لطائفة من سكان مصر يذبح أبناءهم، وفى المقابل فإن التدبير الإلهى هو نجاة المستضعفين وهلاك المفسدين، وذلك عن طريق طفل يقوم فرعون نفسه برعايته، ويكون هلاك فرعون وجنده على يده.

ويبدأ تنفيذ التدبير الإلهى بالوحى إلى أم موسى الخائفة على حياة رضيعها بأوامر ثم وعد من الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص7.

أمر الرضاعة معروف لا يحتاج لوحى ولكن الهدف منه أن يتعود الرضيع على لبن أمه وعلى دفء أحضانها قبل أن يفارقها، بعد ذلك أمرها بأن تلقيه فى النيل، ولأنه من الطبيعى أن تخاف من مجرد الفكرة فالوحى يطمئنها حتى تثق فى نجاة ابنها الرضيع. 

وكان الوعد الإلهى لها بأن يرجع الطفل الرضيع لأمه لترى ابنها رسولًا، وأهمية التصريح بما ينتظر المولود من مستقبل يكون فيه رسولًا هو تأكيد الطمأنينة للأم، ولتعلم أن الله تعالى لن يتخلى عنه وأن الوحى هو وحى حقيقى من الله. 

 تكليف الإنسان:

يتحدث القرآن فى مجال تكليف الإنسان على ثلاثة مستويات، مستوى أدوات إدخال المعلومات، السمع والأبصار والأفئدة، ومستوى الفعل فى المعلومات المدخلة، يفكرون ويعقلون ويتذكرون، ومستوى أدوات الفعل فى المعلومات المدخلة، القلوب والألباب والصدور.

والسمع هو إدراك الصوت بالأذن، البصر هو العلم بالشىء يقال هو بصير به، ووضوح الشىء لا يلزم أن يكون بالعين فقط. 

وكلمة فأد تدل على شدة حرارة، يقال فأدت اللحم أى شويته، والفؤاد سمى بذلك لحرارته، وتفكر دلالة على التكرار للعبرة، وتفقه دلالة على العلم بالشىء، وتعقل دلالة على الإدراك.

السمع هو الإدراك عن طريق الأذن، أما البصر فهو العلم بالشىء عن طريق أحد أدوات الأبصار وهى العين بالنظر، واللسان بالذوق، والأنف بالشم، واللمس بالجلد، وأما الصدر فهو أداة لإخراج شيء يمكن أن تكون معلومات أو أفكارًا، ويمكن أن تكون هواء كما فى حالة الصدر الذى يحوى الرئتين.

أما الفكر فهو التأمل، والفقه الإدراك، والعقل هو المنع من الوقوع فى الخطأ، والقلب هو أداة التأمل والإدراك والمنع، أو الفكر والفقه والعقل، أما اللب فهو أداة الثبات الحافظة، والفؤاد وجمعه الأفئدة هو آليات الدفء والأحاسيس من الحب والكره أو الفرح والحزن أو الحلم والغضب.

 فؤادها فارغًا:

قال تعالى: (وأصبح فؤادُ أمّ مُوسَى فارغًا) القصص 10، أمرها الله تعالى بأن تلقى رضيعها فى اليم فنفذت الأمر، لم تحب الفكرة ولم تكرهها لأنها أمر من الله، لم تخف فى تنفيذ الأمر ولم تملك الشجاعة، لم تفرح لأنها ألقت رضيعها فى اليم ولم تحزن، أحاسيس أم موسى لحظة إلقائها لابنها فى اليم كانت بلا تأثير أو فؤادها كان فارغًا.

ورد الفعل الطبيعى بعد الصدمة إبداء أحاسيسها الإنسانية كأم ألقت برضيعها فى اليم إلى مصير مجهول ،ولكن الله تعالى جعلها تصبر وتفكر فأمرت أخته بأن تذهب من خلفه لتعرف أين سيستقر: (وأصبح فُؤادُ أمّ مُوسَى فارغا إن كادت لتبْدِى به لولا أن ربَطنا على قلبهًا لتكون مِنَ المُؤمنين. وقالت لِأختِهِ قصّيه فَبَصّرت به عن جُنْبِ وَهْمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص 10-11.

تبدأ القصة بفساد فرعون واستضعافه لبنى إسرائيل، لكن الله تعالى يريد نجاة المستضعفين وهلاك المفسدين، والذى سيقوم بالتنفيذ طفل ينتظره قرار الذبح الفرعونى، لكن فرعون هو الذى سيقوم برعاية الطفل: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال 30.

ويبدأ التنفيذ بالوحى إلى أم موسى بأوامر، ثم وعد من الله تعالى لها: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فأمر الرضاعة معروف، ولكن الهدف أن يتعود الرضيع على لبن أمه: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ)، ولأنه من الطبيعى أن تخاف من الفكرة: (وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى) وحتى تثق فى نجاة ابنها: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فالوعد الإلهى لأم موسى بأن يرجع الطفل لها، وأن تعيش لتراه رسولاً نبياً.

وقد أمرها تعالى بأن تضع المولود فى تابوت: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ) طه 39.

ويصل إلى قصر فرعون المطل على النيل: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، ويصل التابوت والطفل فى داخله إلى زوجة فرعون: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، وبدون أن يشعر فرعون استضاف الطفل، وأصبح فرعون هو القائم على حماية موسى.

وأرسلت الأم ابنتها لتتبع مسيرة التابوت فى النيل: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، وظلت الأخت تتحسس أخبار القصر فعلمت أن الرضيع رفض المرضعات بعد أن تعود على صدر أمه، وتتقدم الأخت بمرضعة هى أم موسى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون).

 

قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) القصص 10-11، وظلت الأخت تتحسس الأخبار فعلمت أن الرضيع رفض المرضعات بعد أن تعود على صدر أمه.

الأم المرضعة:

وتقترح الأخت تقديم مرضعة جديدة هى أم موسى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) القصص 12-13.

 

وقد يكون للإنسان أكثر من أم، أم والدة، وأم مربية، وقد تجتمع الاثنتان فى امرأة واحدة، ولهذا نجد تحريم النكاح فى القرآن شمل الأم لأن الوالدة من المحارم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) وينسجم ذلك مع باقى آيات القرآن الكريم التى تعتبر المرضعة أمًا وتعدها من المحارم: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ) النساء 23، وقوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب 6، فى الآية زوجات النبى هن أمهات المؤمنين ولسن والداتهن ولذلك دخلن فى محارم النكاح. 

الفرق بين الوالدة والأم فى القرآن، من الناحية البيولوجية للمولود والدة، ومن ناحية التربية له أم: (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى) طه 38، ونفهم أن أم النبى موسى كانت والدةً بالولادة، وأمًا بالرضاعة والتنشئة.

وتكفلت أم موسى بابنها تحت رعاية الفرعون، وهكذا عاش موسى وقد عرف كل شيء عن قومه المستضعفين، وظلت أمه هى الرابطة القوية التى تجمعه بأخيه «هارون» الذى جعله الله تعالى نبيًا مع النبى موسى.

هذه السيدة مثالًا للإيمان بالله تعالى، كما نجدها مثالًا للأم وهى التى أنجبت اثنين من الأنبياء موسى وهارون عليهما السلام.